البحث
الحصن المنيع
لنفترض أن الإسلام حصن متكامل الأركان، فهناك بنية محكمة، وهي البنية الأساسية التي بقوم عليها حصن الإسلام، ثم النظم - نظم الإسلام - التي تسير هذه البنية من الداخل، ثم بعد ذلك التجربة الدينية الإسلامية وهي المعاني التي تتولد عند الشخص عندما يدخل الى هذا البناء ويشاهد بنيانه ويعيش في ظل أنظمته.
ومن هنا جاء التركيز على هذه المحاور الثلاث لإبراز حصن الإسلام المنيع، هذه النقاط بالترتيب هي:
1- البنية الأساسية.
2- النظم التشغيلية.
3- التجربة العملية.
أولاً : البنية الدينية الإسلامية:
ويقصد بها الأسس والأعمدة التي يقوم علبها بناء حصن الإسلام
١. الإسلام دين سماوي ودين توحيدي
أول الأسس التي قام عليها حصن الإسلام أنه دين سماوي ودين توحيدي، دين سماوي بمعنى أنه من عند الله عز وجل وليس من بنات أفكار البشر، وأنه دين توحيدي يقوم على التوحيد الخالص لله عزو جل كأهم أعمدته. التوحيد هو اللبنة الأولى التي يقوم عليها دين الإسلام بالكلية، ويقوم عليها بناء الإسلام، وفى ذلك يقول الله عز وجل "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى" وهذا المعنى ملخص في أول خطوة يخطوها الإنسان في الإسلام وهي: "شهادة أن إله الا الله".
2. الإسلام دين يجمع بين العقيدة وبين الشريعة.
يجمع بين الايمان القلبي وأعمال الجوارح، فهو ليس مثل البوذية التي تقتصر على الجوانب الروحانية وليس مثل الشيوعية التي تقتصر على الجوانب المادية، بل هو دين يجمع بين المعتقد الصحيح وبين العمل الصالح، وهناك تلازم بينهما، بين ما يكون في القلب وما يظهر على الجوارح من الأعمال والأقوال.
فهذا الأساس من ميزات بنية دين الإسلام التي يقوم عليها، ولا يتصور أن يدعى شخص أنه يؤمن بأن لا إله الا الله وأن محمدا رسول الله ثم لا يظهر ذلك على لسانه -لا ينطق الشهادة- أو على جوارحه -لا يقوم بما أمره الله عز وجل من القيام به-.
٣. الإسلام دين أخلاقي
يقوم الإسلام على مكارم الأخلاق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم " أنما بعثت لأتمم مكارم الاخلاق..." فالأخلاق لها دور تأسيسي في بنية الإسلام، ولها دور كذلك في نظم الإسلام وتجربته كما سيأتي، وبنية الإسلام إنما تقوم على الأخلاق، ولا توجد آية في القرآن أو حديث صحيح في سنة النبي صلى الله عليه وسلم يتعارض مع أصول الاخلاق التي يتفق عليها الناس، فمن أسس بناء الإسلام التفريق بين ما هو أخلاقي وغير أخلاقي، وبين ما هو حسن فيعمل به ويثاب عليه، وما هو قبيح فينهى عنه ويعاقب عليه.
4. الإسلام دين حضاري
كافة الحضارات السابقة منسوبة إلى دول معينة أو أمم أو شعوب معينة، الحضارة الصينية، الحضارة الإغريقية، الحضارة الرومانية، الحضارة البابلية، الحضارة الآشورية، الحضارة الفرعونية، الحضارة الغربية، فكل الحضارات تنسب الى شعوب أو أمم أو دول معينة. لكن الحضارة التي قامت في ظل الإسلام لم تنسب إلى شعوب معينة، وإنما نسبت إلى الإسلام "الحضارة الإسلامية". فنجد الشعوب بمختلف ثقافاتها ولغاتها سواء كانت في الأندلس أو في مصر أو في شبه الجزيرة العربية أو في العراق أو في خراسان أو في غيرها من الدول نجدها كلها قامت فيها حضارة نسبت الى الحضارة الإسلامية ولم تنسب الى هذه الشعوب المتفرقة، لتدرك أن الإسلام هو الذي ينشئ الحضارة، وأن الحضارة إنما تنبثق من التعاليم الإسلامية التي بثها الله عز وجل في جوانب دين الإسلام، من الأمر بالقراءة وطلب العلم والإعمار، وضبط مناهج التلقي والتعلم، وإرساء القواعد التي تقوم عليها الحضارات مثل الأمر بالعدل والنهي عن الظلم ... إلخ، وهذا الأمر لا يوجد في أي دين آخر، لا توجد حضارة اسمها الحضارة المسيحية، لا توجد حضارة أسمها الحضارة اليهودية، لا يوجد حضارة أسمها الحضارة الكونفوشية أو البوذية، أو الإلحادية، أنما هي الحضارة الإسلامية الوحيدة التي نسبت إلى دين وفقط.
٥. الرؤية المتوازنة بين الحياة الدنيا والآخرة.
نجد في غالب الأفكار المادية أو غالب الأديان الأخرى رؤى متضاربة حول الحياة الدنيا والآخرة، إما أنها تغلب الحياة الدنيا أو الحياة المادية على الجانب الروحي، أو تغلب الجانب الروحي على حساب الحضارة المادية، إلا الإسلام؛ نجد أنه يجمع بين الرؤية المتوازنة الحقيقية للحياة الدنيا وللأخرة. ويتمثل هذا الأمر في نصيحة - قوم قارون له - كما جاء في القرآن "وابتغ فيما آتاك الله الدار الآخرة ولا تنس نصيبك من الدنيا وأحسن كما أحسن الله إليك ولا تبغ الفساد في الأرض" فهنا رؤية متوازنة بين احتياجات الروح من الايمان بالله عز وجل والتعلق به وتسخير نعم الحياة الدنيا في سبيل الفلاح في الآخرة، وبين تحقيق مطالب الجسد التي يشقى الانسان بعدم تحقيقها. كثير من الأديان، وخاصة الأديان الآسيوية تكون قضيتها الرئيسة بؤس الإنسان وشقاؤه في الدنيا، وكثير منها على العكس قضيتها الرئيسة إطلاق العنان للشهوات والاستمتاع بالحياة الدنيا والتكذيب بالحياة بعد الموت. من الأعمال الدينية عند بعض طوائف البوذية أنهم ينتحرون جوعا في سبيل أنهم يؤدون بذلك بعض الشعائر الروحية. لكن ما يميز بناء الإسلام الموازنة بين متطلبات الروح وبين متطلبات الجسد، بين الرؤى الايمانية والمعاني الايمانية والمعاني المادية أيضا. وهو بذلك ليس دينًا كهنوتيًا يقتصر على إقامة بعض الشعائر في أماكن عبادة مخصصة كما يراد له، وإنما هو دين واقعي، يشمل جوانب حياة الإنسان كلها، كلها مادية كانت أو روحية. فهذه الرؤية المتوازنة للحياة الدنيا والحياة الآخرة تجدها مبثوثة في كل أحكام الإسلام، وفي كل أركان وشعائر الإسلام.