البحث
التجربة الدينية الإسلامية
الذي يدخل حصن الإسلام عن علم بأسسه ونظمه وممارسة لجزئياته ستتولد عنده تجربة خاصة، وبقدر علمه بالإسلام وممارسته لشعائره تكون قوة تجربته وعمقها. وهذه التجربة تختلف من شخص لآخر ولكنها تتدرج فترتقي بالمسلم من درجة الإسلام إلى درجة الإيمان إلى درجة الإحسان. ولكن السمات العامة لهذه التجربة على اختلاف مستوياتها يمكن تلخيصها في النقاط التالية:
١. تجربة عقلية ومنطقية
بمعنى أنه لا يوجد في الإسلام شيء يعارض أسس العقل السليم أو المنطق الصحيح، فجميع صور وأحكام الإسلام مبنية على أسس عقلية ومنطقية يهتدي إليها من ابتغى الهدى. وفي الإسلام لا توجد أسرار كهنوتية يختص بمعرفتها رجال دين، بل العلم مبثوث ينهل منه كل مسلم بقدر طاقته، وفي الوقت الذي كان أطفال المسلمين يتسابقون لحفظ القرآن، كانت جميع الكتب المقدسة في الأديان الأخرى حكرًا على الكهنة ورجال الدين، ويحرم على عموم الناس الاطلاع عليها.
ولا يوجد وسطاء بين الناس وخالقهم في الإسلام، فالعلاقة مباشرة وواضحة وضوح الشمس لا لبس فيها.
٢. تجربة اجتماعية
وحينما ترى جميع أركان الإسلام بعد الشهادتين وهي الصلاة والزكاة والصوم والحج نجد أنها عبادات شخصية ولكنها ذات أبعاد اجتماعية؛ فأنت لا تخرج بأفضل الأصدقاء إلا من المسجد، ولا تخرج بالحب في الله إلا من التجمع على الصلاة أو الصيام أو أفعال البر المختلفة. التجربة الاجتماعية في الإسلام تجربة فريدة على مستوى العبادات والمعاملات؛ فجانب علاقة الفرد بينه وبين الله عز وجل، وبينه وبين نفسه، وبينه وبين من حوله يشعر بروعته من اقتدى بهدي الإسلام. وهدي الإسلام في معاملة الوالدين أو الزوج أو الأولاد يثمر أعظم العلاقات والروابط. وإذا وصل الأمر إلى النزاع فآليات حل المشكلات على اختلاف مستوياتها موجودة ومبثوثة. وبذلك يعيش الفرد المسلم تجربة اجتماعية فريدة فيثق بنفسه ويحسن التعامل مع من حوله.
٠٣ أنها تجربة واقعية وليست تجربة مثالية
بمعنى أن أحكام الإسلام تتعامل مع واقع الناس كما هو عليه، ولا تتعامل مع مجتمع خيالي مثالي لا يحدث فيه شر أو مكروه، فيفهم المسلم السنن الكونية التي تحكم الأفراد والمجتمعات والدول والحضارات، ويضع يده على مواطن الضعف فيقويها وعلى مواطن القوة فينميها. يتعامل مع الشرور والآلام بعقل واع وقلب راض، ويدرك أن الحياة من أولها إلى آخرها كصفحة اختبار لا نتيجة نهائية، فيتعثر ويتألم ثم ينهض ويتعلم، وتخرج منه أنواع الأخلاق والعبادات والأفعال النبيلة التي لم تكن لتخرج لولا وجود الشر والمصاعب في هذه الحياة.
٠٤ تجربة أخلاقية
مررنا بالأخلاق كأساس أسس عليه صرح الإسلام ونظام صيغت من خلاله أحكام الحلال والحرام. فإذا دخل الإنسان هذا الحصن العظيم عاش تجربة خلقية شخصية يرى بنفسه من خلالها كيف أثر الإسلام على أخلاقه. وكيف حوله من إنسان سيء إلى إنسان صالح ما يريد إلا الخير. التجربة الأخلاقية في الإسلام تغير الإنسان من الأسوأ إلى الأحسن، وتوجهه وتصحح أخلاقه وأخلاق المجتمع أيضًا. وكم من أناس كانوا أفجر الناس فلما دخلوا حصن الإسلام صاروا أفضل الناس. وهناك فيديو شهير لرجل من زعماء المافيا قتل ابنه أثناء العمليات الإجرامية التي كان يقوم بها، ثم أسلم هذا الرجل وتحول إلى الصدقة والصيام والصلاة ونفع المجتمع بشكل عام حتى أنه عفا عمن قتل ابنه، فسبحان الله كيف يغير الإسلام عمر الفاروق من إرادة قتل النبي صلى الله عليه وسلم إلى أن يكون أفضل الصحابة بعد أبي بكر، وما أصدق مقولة ابن عباس٥, تجربة إيمانية (روحية)
وأكثر ما يميز التجربة الإيمانية أن يتعرف المسلم على الله – عز وجل - بأسمائه الحسنى وصفاته العلى ويدرك كم السعادة في معرفة لله عز وجل وتوحيده والتقيد ببناء الإسلام وأنظمته المختلفة. وتكبر هذه التجربة فتنقل المسلم من الإسلام إلى الإيمان إلى الإحسان، فيعبد الله كأنه يراه.