البحث
نظم الإسلام
الجانب الثاني من جوانب استكشاف حصن الإسلام المنيع هو التعرف على النظم التي تحكم قوانينه، وكيف يدار حصن الإسلام من الداخل، هنا تبرز أهمية معرفة النظم العامة التي تندرج تحتها كافة جزئيات الشريعة، وهذه النظم يمكن تصنيفها كالتالي:
١. النظام الأخلاقي
الأخلاق موجودة في أساس بناء حصن الإسلام، وهي كذلك نظام من نظمه التي تحكم قوانينه، وسوف تكون أيضًا إحدى نتائج التجربة العملية للعيش في هذا الحصن. ما هو النظام الأخلاقي أو ما هي طبيعة الأخلاق في الإسلام؟ إذا قلنا أن الأخلاق في الإسلام الصدق والأمانة والعدل والحياء وعددنا مائة أو ألف خلق فإنه لا يكفي في بيان الأخلاق كنظام من نظم الإسلام. لكن إذا بينا أن ذكر الأخلاق في الإسلام ذكر عام وذكر خاص، فالإسلام أمر بشكل عام بالأخلاق الفاضلة ونهى بشكل عام عن الأخلاق الرذيلة فإننا نكون قد وضعنا أيدينا على الخطوط العامة للنظام الأخلاقي في الإسلام.
وهناك آية في القرآن توضح هذا المعنى وهي قوله عز وجل "إن الله يأمر بالعدل والاحسان وإيتاء ذي القربى وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي..."، هذه الآية قال عنها ابن القيم رحمه الله أنها "جمعت محاسن الدين كله، فليس بعد العدل والإحسان وإيذاء ذي القربى شيء من المأمورات، وليس بعد الفحشاء والمنكر والبغي شيء من المنهيات. وهناك أيضًا العديد من الأحاديث النبوية التي توضح هذا المعنى، مثل نصيحة النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس رضي الله عنهما "اتق الله حيثما كنت وأتبع السيئة الحسنة تمحها وخالق الناس بخلق حسن"، لم يقل خالق المسلمين بل قال خالق "الناس". وهناك الكثير من الآيات الأحاديث التي توضح أن الإسلام أمر أمرًا عاما بالأخلاق الحميدة أو الأخلاق الفاضلة ونهى نهيا عاما عن الأخلاق المذمومة، ثم بعد ذلك يأتي إلى التخصيص. ومن يتدبر القرآن والسنة يدرك كيف أن الإسلام ذكر الأخلاق بشكل عام ثم بعد ذلك فصل وخصص جميع الأخلاق الفاضلة بشيء من الذكر بالحث عليها وتبيين ثوابها وكذلك الأخلاق المذمومة بالنهي عنها وتبيين عقابها.
ومن الجوانب التي توضح النظام الأخلاقي في الإسلام أن الأخلاق في الإسلام تكون في المقاصد وتكون في الوسائل التي تحقق هذه المقاصد، بعض الناس يقولون إن الغاية تبرر الوسيلة، ولكن الغايات لا تبرر الوسائل في الإسلام.
وتبرز أهمية النظام الأخلاقي في الإسلام بربط الأخلاق مباشرة بالإيمان وربطها كذلك بالفوز أو الخسران، وقصة المرأة التي ذكرت عند النبي صلى الله عليه وسلم بأنها صوامة قوامة ولكنها تؤذي جيرانها بلسانها فقال "لا خير فيها هي في النار". فالأخلاق دائما مرتبطة بالإيمان و كلما زاد إيمان الشخص زاد حسن خلقه حتى نصل إلى الإيمان الكامل للنبي صلى الله عليه وسلم و الذي وصفه الله حين أراد أن يمدحه بأنه على "خلق عظيم".
ولا يقتصر الأمر على الربط الأخلاق بثواب أو عقاب، وإنما ربطت الأخلاق بجزيل الثواب وعظيم العقاب: فقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم عن امرأتين أحدهما بغي سقت كلبًا فأدخلها الله عز وجل الجنة، وأخرى حبست هرة لم تطعمها و لم تتركها تأكل من خشاش الأرض فعاقبها الله عز وجل بالنار.
2. النظام الاجتماعي
النظام الثاني من النظم التي تسيّر حصن الإسلام هو النظام الاجتماعي، ففي كتب الفقه ندرس كافة الجوانب الاجتماعية للفرد أو المجتمع والتي تحكم تعامل المسلم مع نفسه ومع إخوانه من المسلمين ومع غير المسلمين، تحكم تعامل الرجال والنساء والصغار والكبار والأقارب على اختلاف درجاتهم وغير الأقارب.
وهناك من العديد من الجوانب التي يتضح من خلالها النظام الاجتماعي في الإسلام، منها:
أن الله عز وجل حينما خاطب المسلمين خاطبهم بضمير الفرد المخاطب كما قال الله عز وجل "فإذا دخلتم بيوتنا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة طيبة) فذكر الله عز وجل أنفسكم للدلالة على هذا المعنى الذي لابد أن يكون راسخا في وجدان كل مسلم "أن جميع المسلمين جسد واحد" كما أخبر النبي § أن مثل المؤمنين في توادهم و تراحمهم و تعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى" فكل المسلمين أمة واحدة متساوون في الحقوق والواجبات ومتساوون في الثواب والعقاب، ولا يفرق بين مسلم و مسلم إلا التقوى كما أخبر النبي "لا فضل لعربي على عجمي ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى. ولذلك رفع الإسلام بلالأ وهو حبشي ووضع أبا لهب وهو قرشي.
أيضًا من ضمن جوانب النظام الاجتماعي شموليته ودقته في تناول التفاصيل الخاصة بالحياة الاجتماعية على المستوى الفردي والأسري والمجتمعي في كافة مناحي الحياة، أموال وأعمال، زواج وطلاق وما قبلهما وما بعدهما، حياة ووفاة، وحقوق ومسؤوليات الفرد تجاه نفسه وتجاه جميع المحيطين به بالتفصيل وتجاه مجتمعه وأمته وتجاه العالم كله.
٠٣ النظام الاقتصادي
النظام الاقتصادي أحد أهم النظم التي تسير أحكام العمل داخل حصن الإسلام، وتكمن مدى أهمية هذا النظام بناء ركن من أركان الإسلام عليه وهو الزكاة، كما أنه يدخل في بقية الأركان الأخرى بعد الشهادتين. وهو نظام تندرج تحته رؤية شمولية للمال ولأنواع المعاملات المالية المختلفة بين البشر وآثارها وتوابعها. والنظام الاقتصادي في الإسلام نظام معمول به وتتم دراسته في أعظم الجامعات على مستوى العالم. وإذا كانت هناك رأسمالية وما فيها من مزايا وعيوب واشتراكية وما فيها من مزايا وعيوب، فإن النظام الاقتصادي في الإسلام تراه واضحا بين الاثنين، موافقا لمزايا هذه دون عيوبها وموافقا لمزايا الأخرى دون عيوبها. وشرح هذا يطول، ولكن المقصود أن هناك نظام أساسي يعمل داخل بناء الإسلام وهو النظام الاقتصادي يراعي فيه الشرع بين غرائز الإنسان الطبيعية مثل حب التملك، ويراعي الفروقات المختلفة بين البشر من ناحية الغنى والفقر.
وأيضا من ضمن جوانب هذا النظام تنظيم أسواق العمل، وآليات البيع والشراء والتملك والإجارة والمنافع المختلفة، وحقوق العمال المختلفة، وكلها جوانب من محاسن الإسلام التي تبرز الحرص على عدم الغش والظلم والطمع والجشع وتشجيع الصدقات والإعانات والإغاثات، بل إن الله يتقبل الصدقة كالتمرة فيربيها لصاحبها حتى تكون مثل الجبل، بل الأجمل أن النار يمكن أن تتقى ولو بشق تمرة كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.
٤. النظام الجزائي وأنظمة الإسلام الأخرى
الإسلام دين واقعي، يتعامل مع واقع البشر، وواقع البشر يقول أن هناك الصالح والطالح، والبريء والمجرم. والإسلام دين أسس على العدل وإعطاء كل ذي حق حقه، وأسس على المسؤولية التي يتحملها الفرد من عواقب أفعاله. فالنظام الجزائي في الإسلام نظام متكامل ومحكم، يراعى فيه عشرات الاعتبارات قبل إسقاط حكم معين على شخص معين، ولا تغرنكم التشغيبات التي يلقيها بعض الناس حول جزئية معينة أو حكم معين من أحكام النظام القضائي في الإسلام، وإنما وجود النظام باعتبارات هائلة لكل تفصيلة من تفاصيله ومدى توافقه مع رتب الجرائم وواقع المجتمعات البشرية بشكل عام ومدى المنافع والحكم التي تكون من وراء هذا النظام. هنالك أيضا العديد من النظم الأخرى التي أسسها ووضحها الإسلام والتي جعلتنا على هدى وبينة فيها مثل نظام الحكم ونظام الإفتاء وغير ذلك من النظم المختلفة والتي دلنا الإسلام كيف نتعامل داخل حصن الإسلام المنيع والتي من خلال دراستها دراسة علمية صحيحة نستطيع التفريق بين من هو داخل حصن الإسلام ممارس لتعاليمه، ومن يدعي أنه بداخله وهو غريب عنه.