1. المقالات
  2. مَوَاعِظُ الشيخ عَبْدالقَادِر الجيلاني
  3. الزاهد والمتزهد

الزاهد والمتزهد

الكاتب : صالح أحمد الشامي

الزاهد والمتزهد

قال أبو محمد:

المتزهد المبتدئ في زهده يهرب من الخلق.

والزاهد الكامل في زهده لا يبالي بهم، ولا يهرب منهم، بل يطلبهك لأنه يصير عارفاً لله عز وجل.

كيف لا يطلبهم وكل دوائهم عنده. 

من كملت معرفته لله عز ودل صار دالاً عليه، يصير شبكة يصطاد بها الخلق من بحر الدنيا، يأخذ الخلق من أيديهم. 

ولهذا قال بعضهم رحمه الله: لا يضحك في وجه الفاسق إلا العارف (1).

يا من اعتزل بزهد - مع جهله - تقدم واسمع ما أقول:

يا زهاد الأرض! تقدموا، خربوا صوامعكم، واقتربوا مني.

قد قعدتم في خلواتكم من غير أصل.

ما وقعتم بشيء!!

تقدموا والقطوا ثمار الحكم رحمكم الله.

ما أريد مجيئكم لي، بل أريده لكم. [95]

    لا بد من معلم    

قال أبو محمد:

يا غلام! لا قلب لك. كلك نفس وطبع وهوى.

اصحب أرباب القلوب حتى يصير لك قلب.

لا بد لك من شيخ حكيم، عامل بحكم الله عز وجل يهذبك ويعلمك وينصحك.    [105] 

رؤية المنعم

قال أبو محمد:

إذا رأيتم النعم منه - سبحانه وتعالى - زالت محبة الخلق من قلوبكم. 

العارف بالله عز وجل، المحب له، الناظر إليه بعيني قلبه، الذي يرى الإحسان والإساءة منه، لا يبقى له نظر إلى من يحسن إليه ويسيء من الخلق. 

إن ظهر منهم إحسان، رآه بتسخير الحق عز وجل.

وإن ظهر منهم إساءة رآها بتسليطه.

ينتقل نظره من الخلق إلى الخالق.

ومع ذلك يعطي الشرع حقه ولا يسقط حكمه. 

لا يزال قلب العارف ينتقل من حالة إلى حالة، حتى يقوى زهده الخلق، والترك لهم والإعراض عنهم، ويرغب في الحق عز وجل ويقوي توكله عليه.

                                                                                             [96]  

أنتم عن قريب موتى

قال أبو محمد:

يا قوم، أنتم عن قريب موتى.

ابكوا على أنفسكم قبل أن يُبكي عليكم.

لكم ذنوب مزدحمة على عاقبة مبهمة.

قلوبكم مرضى بحب الدنيا والحرص عليها. داووها بالزهد والترك والإقبال على الحق عز وجل. 

سلامة الدين رأس المال، والأعمال الصالحة هي الأرباح.

اتركوا الطلب لما يطغيكم، واقنعوا بما يكفيكم.

العاقل لا يفرح بشيء حلاله حساب، وحرامه عذاب.

أكثركم قد نسوا العقاب والحساب.     [105] 

صدأ القلوب

قال أبو محمد:

قال صلى الله عليه وسلم: (إن هذه القلوب لتصدأ وإن جلاءها قراءة  القرآن) (1).

القلب يصدأ فإن تداركه صاحبه، وإلا انتقل إلى السواد.

يسودُّ لبعده عن النور.

يسودُّ لحبه الدنيا.

يا قوم! اقبلوا من نبيكم، واجلوا صدأ قلوبكم بالدواء الذي قد وصفه لكم.

لو أن بأحدكم مرضاً، ووصف بعض الأطباء له دواء، لما أهنأه العيش حتى يستعمله. راقبوا ربكم عز وجل في خلواتكم وجلواتكم. 

اجعلوه نصب أعينكم، حتى كأنكم ترونه، فإن لم تكونوا ترونه فهو يراكم.   [106]

المراجع

  1. إنه لا يضحك في وجه الفاسق إقراراً له على فسقه، وإنما تأليفاً له ليركن إلى العارف فيسمع منه فيرشده إلى الصواب، وقد جعل الله نصيباً من الزكاة للمؤلفة قلوبهم، فلا بد أن يكون لهم نصيب من وقت العالم المرشد الذي يدلهم على الطريق السوي.
  2.  كنز العمال (2441).

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day