البحث
شروط شهادة أن محمدا رسول الله، ونواقضها ( الجزء الاول )
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
• أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى واحذروه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أن شهادة أن محمدا رسول الله لا ينتفع بها قائلها إلا بتحقيق شروط ثمانية ، وهي:
الأول: العلم بمعناها، وهو الإيمان بأنه رسول من عند الله حقا.
الثاني: استيقان القلب بها، وضده الارتياب، ودليله قوله تعالى
(إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا).
الثالث: الانقياد لها ظاهرا وباطنا، وذلك بطاعة النبي ﷺ ، ودليل الانقياد
قوله تعالى
(ومن يسلم وجهه إلى الله وهو محسن فقد استمسك بالعروة الوثقى).
رابعا: القبول لها، فمن ردَّ شيئا من لوازم شهادة أن محمدا رسول الله فقد نقضها.
خامسا: الإخلاص فيها، بأن يقصد قائلها التقرب إلى الله وحده، وضده الشرك فيها، بأن يكون قصده من شهادة أن محمدا رسول الله شيئا من حظوظ الدنيا كما يفعل المنافقون.
سادسا: الصدق فيها وضده الكذب، والدليل قوله تعالى (ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين)، وقال النبي ﷺ : ما من أحد يشهد أن لا إلـٰه إلا الله، وأن محمدا رسول الله، صدقا من قلبه، إلا حرَّمه الله على النار.
سابعا: المحبة لها ولأهلها، والمعاداة لمن أبغضها.
ثامنا: الكفر بما يناقضها، ونواقض شهادة أن محمدا رسول الله كثيرة، أعظمها عبادة غير الله، والواجب الكفر بذلك، وإفراد العبادة لله وحده، كما قال تعالى (فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها).
• أيها المؤمنون، وشهادة أن محمدا رسول الله تنتقض بأمور خمسة:
الناقض الأول: انتقاض واحد أو أكثر من الشروط الثمانية المتقدم ذكرها.
الناقض الثاني: إنكارُ أمر معلوم من الدين بالضرورة، كإنكار نبوة النبي ﷺ ، أو بشريته، أو إنكار أن له حقوقا على أمته، أو أنه خاتم النبيين، أو أن رسالته ناسخة لـما قبلها من الشرائع، أو إنكار أنه بلَّغ الدين كله، أو إنكار عموم رسالته للإنس والجن، أو إنكار ركن من أركان الإسلام، أو إنكار تحريم الخمر أو السرقة أو الزنا ونحو ذلك.
الناقض الثالث من نواقض شهادة أن محمدا رسول الله: إيذائه ﷺ ، سواء في حــياته أو بعد مـماته، بالطعن في شخصه، كالطعن في صدقه، أو في عقله، أو في عفته، فهذا كله كفر بشهادة أن محمدا رسول الله، لأنه يتنافى مع الإيمان بما تقرر في القرآن العزيز من اصطفاء الله تعالى له.
والدليل على كفر من آذى النبي e
قوله تعالى
﴿إن الذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدنيا والآخرة وأعد لهم عذابا مهينا﴾،
واللعن هو الطرد عن الرحمة، ومن طرده الله عن رحمته في الدنيا والآخرة لا يكون إلا كافرا.
ومن إيذائه الاستهزاء به، جادا أو هازلا، والدليل على كفر المستهزئ به قوله تعالى في سورة التوبة
وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ ۚ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ
قال الشيخ عبد الرحمـٰن بن سعدي رحمه الله في تفسير الآية: فإن الاستهزاء بالله ورسوله كفر مخرج عن الدين، لأن أصل الدين مبني على تعظيم الله وتعظيم دينه ورسله، والاستهزاء بشيء من ذلك مناف لهذا الأصل ومناقض له أشد المناقضة. انتهى.
الناقض الرابع: الوقوع في شيء من نواقض الإسلام، كالشرك في عبادة الله، أو اعتقاد أن غير هدي النبي ﷺ أكمل من هديه، أو أن حُكم غيره أحسن من حكمه، كالذين يفضلون حكم الطواغيت على حـكمه، كمن يُفضل الشيوعية أو الديموقراطية على حكم الإسلام، فهو كافر، أو بغضِ شيءٍ مما جاء الرسول ﷺ ، أو الاستهزاء بشيء من دين الله أو ثوابه أو عقابه كفر، أو تعاطي السحر، أو الإعراض عن دين الله، لا يتعلمه ولا يعمل به.
والناقض الخامس والأخير من نواقض شهادة أن محمدا رسول الله هو الغلو فيه عليه الصلاة والسلام، وهو مجاوزة الحد في تعظيمه، وقد كان النبي ﷺ يزجر الناس ويحذرهم عن عموم الغلو فيه في حياته وفي سياق موته، مبالغة في التحذير من الغلو فيه ، فما أعظم نصحته لأمته، وقد ورد عنه ﷺ عشرة أحاديث في التحذير من ذلك، منها حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: سمعت النبـي ﷺ يقول: لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم، فإنما أنا عبد ، فقولوا: عبد الله ورسوله. والإطراء هو مجاوزة الحد في المدح.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه كان للتوابين غفورا.