1. المقالات
  2. الإستقامة في مائة حديث نبوي
  3. عيشة الغرباء

عيشة الغرباء

الكاتب : محمد زكي محمد خضر
484 2022/03/26 2024/10/14

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” بدأ الإسلامُ غَريبا وسيعودُ كما بَدأ ، فطوبى للغُرَباء ”

(رواه مسلم وإبن ماجه والنسائي والترمذي وأحمد)

حين بدأ سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم دعوته في مكة ، كان منهجه ودعوته أقرب ما تكون إلى فطرة الله التي فطر الناس عليها ، ومع هذا كانت دعوته كلها وخاصة دعوة التوحيد ، أغرب ما يكون بالنسبة للكفار حتى قالوا:

” أجَعَلَ الآلهَةَ إلها واحدا ، إنّ هذا لَشيء عجاب ”

. وهكذا كلما إبتعد الناس عن نهج الصراط المستقيم رأوا هذا الدين غريبا ورأوا أصحابه غرباء.

كان المسلمون الأولون غرباء في أهليهم . الوالد مسلم والولد كافر ، والزوجة مؤمنة والزوج كافر ، والولد مؤمن وأبواه كافران . غربة حقيقية للمؤمن في بيته. وحين كان المؤمن يقصد بيت الله الحرام ليؤدي صلاته يجد حوله ثلاثمائة وستين صنما تعبد هناك من دون الله ، فيؤدي صلاته ثم يعود أو يخرج إلى البادية وحيدا او مع أخ له أو أخوين بعيدا عن أعين الكفار ليؤدي صلاته ويناجي ربه. ثم يعجب كيف يرى هذا الدين واضحا قريبا من فطرته ، ثم يجد غيره أبعد ما يكونوا عن رؤية الحق وتصديقه ، أليست تلك غربة ؟ وكان بعد تلك الغربة عزة ونصر مبين.

ويعود الإسلام غريبا كما بدأ... ويلتفت المسلم حوله اليوم ليرى مصداق حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... فطوبى للغرباء... فمن هم الغرباء...؟ هم إخوان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذين قال عنهم: 

” وددتُ أنّا رأينا إخواننا ” ، قيل أولسنا إخوانك يارسول الله؟ قال: ” أنتُم أصحابي وإخواننا الذين لم يأتوا بعدُ ” ...

هؤلاء الغرباء إخوان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم... هم الذين استقاموا على طريقته ، فاتمروا بأمر الله وساروا على نهج نبيه واشتاقوا للقاء ربهم والشرب من حوض الكوثر من يد رسوله صلى الله عليه وآله وسلم ، سواء عندهم الحياة أو الممات ، يستغفرون إن أخطأوا ويشكرون ربهم على نعمائه ، ويصبرون على قضائه ويعبدونه حتى يأتيهم اليقين ، يفرّون من المعاصي فرارهم من وحوش الغاب ، ويرجون رحمة ربهم يدعونه خوفا وطمعا ، تتقلب الدنانير والدراهم بين أيديهم وليس في قلوبهم شيء منها ، فهي أموال الله هم مستخلفون في هذه الدنيا برعايتها ، يعيشون مع الناس بأجسادهم وقلوبهم محلقة في علياء ربهم ، يعيشون مع ملائكته ، يعمرون أرض الله بذكر الله وإعلاء كلمته ، لو علم الملوك بحالهم وسعادتهم لقاتلوهم على تلك السعادة بالسيوف...وهم لا يخافون في الله لومة لائم... إنهم غرباء بين لائميهم... فطوبى لأولئك الغرباء...

المقال السابق

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day