البحث
دعوته قومه
دعا إبراهيم عليه السلام قومه إلى توحيد الله تعالى وعبادته وحده لا شريك له، واجتهد في ذلك أعظم اجتهاد، وسلك كل طريق ظنه موصلاً إلى هدايتهم، وقبولهم للحق الذي جاء به، وبعدهم عن الباطل، وأتاه الله عز وجل الحجة البالغة على قومه، ومن أساليبه وطرقه في دعوة قومه:
أ) دعوتهم بطرق الاستدراج
فحين جَن عليه الليل رأى كوكباً من الكواكب، فقال لقومه على سبيل الاستدراج والتهكم {هَذَا رَبِّي} ، فلما غاب عنه قال: {لا أُحِبُّ الآفِلِينَ} فكيف يصلح هذا الكوكب أن يكون رباً وإلهاً وهو يحضر أحياناً ويغيب أحياناً؟. وكذلك قال لما رأى القمر، والشمس،
قال الله عز وجل:
{وَكَذَلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ فَلَمَّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لا أُحِبُّ الآفِلِينَ فَلَمَّا رَأى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لأكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ فَلَمَّا رَأى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَفَلا تَتَذَكَّرُونَ وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ}.
فقد استدرجهم عليه السلام حتى كشف لهم بطلان ما هم عليه من عبادة الكواكب من دون الله تعالى
وهذه مهارة ودهاء وحكمة منه عليه السلام، إذ جعلهم بأنفسهم يقيمون الحجة على أنفسهم، ووضع أيديهم على مواطن الضعف منهم، وظهر لهم في موقف الباحث لئلا ينفروا منه، حتى أبطل حججهم، وأظهر باطلهم، وبعد ذلك أعلن لهم عقيدته الحقة، وبراءته منهم ومن شركهم، وولاءه وتوحيده لله تعالى وحده لا شريك له، وثقته به سبحانه، وعدم خوفه مما يشركون، وأن الخوف لهم وفيهم لشركهم بالله تعالى وعبادتهم غيره، وهذه القوة في الحجة والبلاغة في البرهان نعمة وفضل تفضل الله به خليله إبراهيم عليه السلام
وفي هذه الآيات وعد بالأمن والهداية من الله تعالى لنبيه إبراهيم عليه السلام ولكل موحد،
وذلك في قوله تعالى:
{فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ}
وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم المقصود بالظلم في الآية، حين شق ذلك على أصحابه رضي الله عنهم وقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وأينا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ليس بالذي تعنون، ألم تسمعوا ما قال العبد الصالح: وقصة إبراهيم عليه السلام مع عباد الكوكب، زعم بعض المؤرخين أنها وقعت حين خرج من السرب وكان صغيراً، وممن ذكر ذلك ابن إسحاق.وذلك غير صحيح مصدره أخبار إسرائيلية، والصحيح أن ذلك كان في دعوته ومناظرته لأهل حران عباد الكواكب.قال ابن كثير رحمه الله تعالى: "والظاهر أن موعظته هذه في الكواكب لأهل حران فإنهم كانوا يعبدونها، وهذا يرد على من زعم أنه قال هذا حين خرج من السرب لما كان صغيراً، كما ذكره ابن إسحاق وغيره، وهو مستند إلى أخبار إسرائيلية لا يوثق بها، ولاسيما إذا خالفت الحق، وأما أهل بابل فكانوا يعبدون الأصنام، وهم الذين ناظرهم في عبادتها، وكسرها عليهم، وأهانها وبين بطلانه.