1. المقالات
  2. الإصلاح
  3. من سنن الله في هلاك الظالمين

من سنن الله في هلاك الظالمين

تحت قسم : الإصلاح
93 2024/08/04 2024/08/04

نعاني في زماننا من سطوة أهل الباطل وتعذيبهم لأهل الحق واضطهادهم، ولهذا فهو بحق زمان غربة ما بعدها غربة، زادت فيه على أهل الحق المحن والأهوال والمصائب، فهم يهانون ويتهمون، ويُخوَّف الناس بهم، ويُخوَّفون منهم، يُظلمون ويٌفترى عليهم.. في الوقت الذي انتفش فيه الباطل، وظهر بوجهه القبيح، ورائحته المنتنة، وخرج أهله على الناس بالكذب والخداع، يزخرفون الباطل بأحاديثهم، ويزينونه للناس بعباراتهم،

﴿يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا﴾

[الأنعام112]

كل همهم مصالح دنيوية دنية، ففرقوا بين العباد، ومزَّقوا البلاد.. ولا حول ولا قوة إلا بالله.

بل وازداد الظلم على الضعفاء والمساكين من الناس، وغاب العدل، وصار القوي يأكل الضعيف، والغني يظلم الفقير، ورب المال يجور على الأجير، ويأكل حقه، وانتشر العداء والافتراء على أهل الحق في كل مكان،

﴿وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ * الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾

[البروج8-9]

 إنها نوازل عاثرة، وجراح غائرة، وغصص تبعث على الأسى والأحزان، وتثير في النفس كوامن الأشجان. إنها حقائق مرة، وظلم بين، ومشاهد تسمو على التصوير والتبيين..

وللقرآن هدي وعلاج، نتعلم من خلاله ما يجب علينا في هذه الظروف الغابرة، وهي التعلم من السنن السابقة لأمم سابقة لنا، عاشت مثل هذه الصور تماما، فالظلم لا تتغير صوره، فهناك أمم سابقة كانت تعيش حياة السعادة والطمأنينة، تجبى إليها ثمرات كل شيء، ويأتيها رزقها رغدًا من كل مكان، فظلمت وطغت، وعاثت في الأرض فسادا وافترت، فإذا بالنعمة ترفع، والعافية تنزع، والنقمة تحل، وينتقم الله منهم بسنة جارية من سننه القرآنية التي لا تتبدل ولا تتغير،

قال تعالى

﴿ولن تجد لسنة الله تبديلا﴾

[الأحزاب62]

إنها سنة: -

((إهلاك الظالمين بسبب ظلمهم))،

والمتأملُ في حركةِ التاريخ يرى أنها لا تتوقف، فثمة أممٌ تفنى وأخرى تنشأ وتحيا، وأفرادٌ يولدون وآخرون يموتون، نصرٌ وهزيمة، وعِزٌّ وذُل، غنيً وفقرٌ، رخاءٌ وشدائدُ، أحزانٌ ومسراتٌ.. وهكذا يقلبُ اللهُ الليلَ والنهار،

ويتقلبُ الخلقُ- بأمرِ الله- منْ حالٍ إلى حال

(وَنَبْلُوكُم بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ)

[الأنبياء: ٣٥]

وقد قص الله علينا قصص الأمم الغابرة، وحكى لنا مصارعهم، حتى لا نقتفي أثرهم، ولا نسير سيرهم، وحتى يثبت أهل الإيمان ويعلموا أن لكل ظالم نهاية، ولكل طاغية حد.

 فأقسم سبحانه بالسماء وأبراجها، والقيامة وأهوالها على أن نهاية الظالمين بؤس شديد،

وعذاب أليم، فقال

﴿وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ * وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ * وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ * قُتِلَ أَصْحَابُ الأُخْدُودِ﴾ 

[البروج1-4]

وهو تهديد لمن هم على شاكلة أصحاب الأخدود، في الظلم والجبروت والطغيان.

كما حذر سبحانه هؤلاء الظالمين، والطغاة المتجبرين، الآمنين من مكره، اللذين لا يقدرونه حق قدره،

فقال

﴿أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ﴾ 

[النحل45: 47]

وقال جل شأنه

﴿أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَ أَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَن يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُواْ مَكْرَ اللَّهِ فَلاَ يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ * أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاء أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ﴾

[الأعراف97 : 100]

ولله مع الظالمين سنن وأيام، جعلها الله عبرة لمن يعتبر،

﴿وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ﴾

[إبراهيم5]

فكم حفظ التاريخ مصارع أمم ودول ومجتمعات، كفروا بأنعم الله، فأذاقهم الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون

﴿وَلَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مِّنْهُمْ فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَهُمُ الْعَذَابُ وَهُمْ ظَالِمُونَ﴾

[النحل113]

أرسل الله عليهم عقوبات استأصلت شأفتهم، وقضت عليهم، فها هي آثارهم باقية، ومساكنهم خاوية، لم تنفعهم قوتهم، ولم تغن عنهم كثرتهم من الله شيئًا.

 فأين عاد

﴿إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ * الَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُهَا فِي الْبِلادِ﴾ 

[الفجر7-8]

 وأين ثمود

﴿الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ﴾

[الفجر9]

 وأين الفراعنة

 ﴿ذِي الأَوْتَادِ * الَّذِينَ طَغَوْا فِي الْبِلادِ * فَأَكْثَرُوا فِيهَا الْفَسَادَ﴾

[الفجر5: 10]

 أين من نقبوا البلاد.. وأذلوا العباد؟!، أين من نحتو الجبال واتخذوا منها بيوتا فارهين؟!

 أين من حازوا القوة، وقالوا من أشد منا قوة؟!

 ظنوا أنهم بمنجاة حتى فاجأهم العقاب، وأذلَّهم العذاب، وأوقع الله بهم بأسه، فلم ينفعهم الندم ولات ساعة مندم. فصاروا بعد الوجود أثرًا، وأصبحوا للتاريخ قصصًا وعبرًا،

 ﴿فَكُلا أَخَذْنَا بِذَنبِهِ فَمِنْهُم مَّنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُم مَّنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُم مَّنْ خَسَفْنَا بِهِ الأَرْضَ وَمِنْهُم مَّنْ أَغْرَقْنَا وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾

[العنكبوت40]

﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً وَمَا كَانَ أَكْثَرُهُم مُّؤْمِنِينَ * وَإِنَّ رَبَّكَ لَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ﴾

[الشعراء 8-9]

  السنة الأولى: لا يفلح الظالمون

إنه قرار لا يُنقض ولا يُطعن به ولا يحابي أناساً ولا يميل لآخرين...لا يفلح الظالمون، فمهما علا الظالم ومهما ملك ومهما ارتقى ومهما أمر ومهما نهى ومهما امتطى فإنه لا يفلح...

لأن الله تعالى أعادها أربع مرات في القرآن الكريم: -قال الله ﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾، سنة كررها في أربعة مواضع لتأكيدها، مرتين في الأنعام، وثالثة في يوسف، ورابعة في القصص.

ومعنى الفلاح يعني البقاء في النعيم، ويعني أنه مستحيل أن ينجوَ ظالم أو يفلح، فيومُ المظلوم على الظالم أشد من يوم الظالم على المظلوم...

مستحيل أن يبقى ظالم في نعيم، قد نرى الظالم يعلو يوماً لكنه سيسقط دوماً، قد نراه يرتقي اليوم لكنه سيهبط غدا، قد نراه يزهو في الدنيا لكنه سيهوي في الآخرة، وصدق الله

﴿إِنَّهُ لَا يُفْلِحُ الظَّالِمُونَ﴾

[الأنعام 21]

فليراجع كل إنسان نفسه خشية ان يكون ظالماُ لأحد لأن القرار صدر بأن الظالم لا يفلح...

عن علي رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((يقول الله: اشتد غضبي على من ظلم من لا يجد ناصرا غيري)).

القرار صدر لا يفلح الظالمون...السنة الأولى في الظلم والظالمين: لا يفلح الظالمون..

السنة الثانية: هلاك الأمم بظلمها

وتلك سنة مخوّفة من سنن الله المطردة مع الظالمين، فالله يهلك الأمم إذا عم فيها الظلم...إذا ظلم القوي الضعيف، إذا اعتدى الغني على الفقير، إذا بغى القادر على العاجز، إذا تحكم صاحب الجاه بمن لا جاه لهم فقد أشرفت هذه الأمة على الهلاك...وفي بيان هذه السنة آيات كثيرة في كتاب الله العزيز:

﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾

[الأنعام 45]

وقال جل شأنه

﴿هَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الظَّالِمُونَ﴾

[الأنعام 47]

ويقول سبحانه

﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمَّا ظَلَمُوا﴾

[يونس 13]

ويؤكد جل جلاله

﴿وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً وَأَنْشَأْنَا بَعْدَهَا قَوْمًا آخَرِينَ﴾

[الأنبياء11]

فمن أسباب هلاك الأمم ظلمها، ولعل سائلاً يسأل لكننا نرى كثيرا ظالماً يتمادى ولم يهلكْهُ الله!!؟ نرى أمةً تطغى ولا يقهرها الله... فيجيب الله على هذا التساؤل لتهدأ النفوس وتطمئن القلوب

فيقول الله

﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ﴾

[الأعراف 34]

بل ويشف الله صدور قوم مظلومين

بقوله تعالى

﴿وَلَا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّمَا يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ﴾

[إبراهيم42]

فهلاك الأمم واقع بظلمها حتماً لكن بأجل يحدده الله تعالى...

السنة الثالثة: تبقى الأمة مع الكفر، لكنها لا تبقى أبداً مع الظلم

قد يُبقي الله أمة كافرة كلُّها لا تؤمن به أصلاً لكن يتعاملون فيما بينهم بالمعروف، لكنه لا يرضى أبداً أن يبقي أمة يشيع فيها الظلم.. تبقى الدول مع الكفر، ولا تبقى مع الظلم...

هذه السنة أقرتها سورة هود، فيقول الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ﴾ -يعني بكفر- ﴿وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ﴾ ليس من سننه ولا من قوانينه أن يهلك أمة أهلها مصلحون ولو كانت كافرة..

وما كان ربك ليهلك القرى بكفر إذا كان أهلها مصلحون في المعاملات فيما بينهم، لكن إذا ظلم بعضهم بعض أهلكهم...

فالله تعالى لم يكن ليهلكهم بالكفر وحده حتى يضاف إليه الفساد... ولا يهلكهم إذا تناصفوا وإن كانوا مشركين وإنما يهلكهم إذا تظالموا وإن كانوا مسلمين، فالظلم من أمارات فساد الفطرة الإنسانية، ومن دلائل الانحراف عن الصراط السوي في حياة البشرية، وما شاع الظلم في أمة إلا وكان عاقبتها الهلاك والدمار، ولا شيء أسرع في فساد الأرض ولا أفسد لضمائر الخلق من الظلم،

وقد ندب الله تعالى الخلق إلى العدل وحثهم عليه فقال

﴿إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ﴾

[النحل 90]

قال الحسن: إن الله تعالى جمع الخير كله والشر كله في هذه الآية..

السنة الرابعة: يمهل الله الظالم ولا يهمله.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله يمهل الظالم حتى إذا أخذه لم يفلته)) ثم تلا: ﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾

وقال الله تعالى في معنى هذه السنة الإلهية

﴿وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ﴾

[النحل 61]

العباد يظلمون ولو آخذهم الله مباشرة لما ترك عليها من دابة ولكن يؤخرهم إلى أجل مسمى...

الله يؤخرك إذا ظلمت لترجع، لتتوب، لترد الحقوق إلى أهلها، لتستأنف توبة وعملاً جديداً لكن هناك أجل إذا حان فلا مفر منه، إن الله يمهل الظالم ولا يهمله...

والتاريخ مليء بنماذج كثيرة تؤكد تلك السنن السابقة لقوم ظالمين معاندين، استكبروا في الأرض، وتجبروا على الخلق، وإذا بهم قد انقضت فترتهم، واستُؤصلت شأفتهم، وقطع دابرهم، وانتهوا عن آخرهم،

﴿فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُواْ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ﴾

[الأنعام45]

ولقد كان الظلم من أعظم أسباب نزول العذاب العام على هذه الأمم السالفة، والقرون الماضية، وهو أيضًا سبب سقوط الدول في كل زمان، وهلاك القرى في كل أوان،

﴿وَتِلْكَ الْقُرَى أَهْلَكْنَاهُمْ لَمَّا ظَلَمُوا وَجَعَلْنَا لِمَهْلِكِهِم مَّوْعِدًا﴾

[الكهف59]

ويقول جل شأنه

﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾

[هود102]

وغيرها من الآيات الكثير، فَكَثْرَةُ الْقُرَى الَّتِي قُصِمَتْ وَأُهْلِكَتْ وَعُذِّبَتْ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ سُنَّةَ الْإِهْلَاكِ وَالْعَذَابِ مَاضِيَةٌ، وَإِقْرَارُ المُعَذَّبِينَ بِالظُّلْمِ عِنْدَ رُؤْيَةِ بَوَادِرِ الْعَذَابِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا عُذِّبُوا وَأُهْلِكُوا بِظُلْمِهِمْ؛ لِتَكُونَ النَّتِيجَةُ: أَنَّ سُنَّةَ اللَّـهِ -تَعَالَى- مَاضِيَةٌ فِي عَذَابِ الظَّالمِينَ وَإِهْلَاكِهِمْ.

فليعتبر الطغاة والمتجبرون في الأرض، من مصارع هذه الأمم الغابرة، فـ "مَا مِنْ ذَنْبٍ أَحْرَى أَنْ يُعَجِّلَ لِصَاحِبِهِ الْعُقُوبَةَ، مَعَ مَا يُؤَخَّرُ لَهُ فِي الْآخِرَةِ، مِنْ بَغْيٍ، أَوْ قَطِيعَةِ رَحِمٍ"

فيا حسرة العاصين، ويا ذل مقام المتجبرين!!

أي قوة من الله تمنعهم، وأي حصون تنفعهم، حين ينزل عليهم عذابه، ويحل بهم عقابه؟!

﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا وَأَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعَذَابِ﴾

[البقرة165]

وفي الآخرة ويلات وويلات، وحسرات ما بعدها حسرات، حينها يبكي الظالم ألمًا، ويعض على يديه حسرة وندمًا، 

﴿وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلا * يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلانًا خَلِيلا ﴾

[الفرقان27-28]

 وهيهات ينفع الندم، وهيهات يجدي التوسل والاعتذار

﴿يَوْمَ لا يَنفَعُ الظَّالِمِينَ مَعْذِرَتُهُمْ وَلَهُمُ اللَّعْنَةُ وَلَهُمْ سُوءُ الدَّارِ﴾

[غافر52]

فقد حلَّ البأس، وتحقق الوعيد

﴿ فَأَذَّنَ مُؤَذِّنٌ بَيْنَهُمْ أَن لَّعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾

[الأعراف44]

.

وفي النار يرى الظالمون عاقبه ظلمهم، ويتجرعون مرارة طغيانهم

﴿إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلظَّالِمِينَ نَارًا أَحَاطَ بِهِمْ سُرَادِقُهَا وَإِن يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاء كَالْمُهْلِ يَشْوِي الْوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا﴾

[الكهف29]

فيا أيها الظالمون اعتبروا، وانتهوا، فوعد الله حق، وعقابه شديد، وعذابه أليم، وأمره كلمح البصر أو هو أقرب، وما يعلم جنود ربك إلا هو.

ويا أيها المظلومون.. ثقوا بربكم، وأمِّلوا خيرا، فإن الله منجز لكم ما وعد.

وما جرى لطواغيت الأمس من عذاب، وحلول النقم والمصائب، سيجري مثله لطواغيت اليوم، وجباريه، اليوم أو غداً، فهذه سنة الله التي لا تتحول ولا تتبدل.

فلا يحملنكم استبطاء النصر على اليأس من رحمة الله، فالله لا يعجل بعجلة أحد، ويملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، 

﴿وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ﴾

[هود102]

المقال السابق
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day