البحث
حكم رسول الله في تحريم طلاق الحائض والنفساء
حكم رسول الله في تحريم طلاق الحائض والنفساء والموطوءة في طهرها وتحريم إيقاع جملة
في الصحيحين أن ابن عمر رضي الله عنه طلق امرأته وهي حائض على عهد رسول الله عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن ذلك رسول الله فقال مره فليراجعها ثم حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء أمسك بعد ذلك وإن شاء يطلق قبل أن يمس العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ..ولمسلم مرة فليراجعها ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا ..وفي لفظ إن شاء طلقها طاهرا قبل أن يمس فذلك الطلاق للعدة كما أمره الله تعالى لفظ للبخاري مره فليراجعها ثم ليطلقها في قبل عدتها
وفي لفظ لأحمد وأبي داود والنسائي عن ابن عمر رضي الله عنهما قال طلق عبدالله بن امرأته وهي حائض فردها عليه رسول الله ولم يرها شيئا وقال إذا طهرت فليطلق ليمسك وقال ابن عمر رضي الله عنه قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ ) (الطلاق: من الآية1) فتضمن هذا الحكم أن الطلاق على أربعة أوجه وجهان حلال ووجهان حرام فالحلالان أن يطلق امرأته طاهرا من غير جماع أو يطلقها حاملا مستبينا حملها والحرامان أن يطلقها وهي حائض أو يطلقها في طهر جامعها فيه هذا في طلاق المدخول وأما من لم يدخل بها فيجوز طلاقها حائضا وطاهرا كما قال تعالى (لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً ) (البقرة: من الآية236) ) البقرة 236
وقال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا) (الأحزاب: من الآية49) الأحزاب 49 وقد دل على هذا قوله ( فطلقوهن لعدتهن ) الطلاق 1 وهذه لا عدة لها ونبه عليه رسول الله بقوله العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء ولولا هاتان الآيتان اللتان فيهما الطلاق قبل الدخول لمنع من طلاق من لا عدة له عليها وفي سنن النسائي وغيره من حديث محمود بن لبيد قال أخبر رسول الله عن رجل طلق ثلاث تطليقات جميعا فقام غضبان فقال أيلعب بكتاب الله وأنا بين أظهركم حتى رجل فقال يا رسول الله أفلا أقتله ..
وفي الصحيحين عن ابن عمر رضي الله عنه أنه كان إذا سئل عن الطلاق قال أما أنت إن امرأتك مرة أو مرتين فإن رسول الله أمرني بهذا وإن كنت طلقتها ثلاثا فقد عليك حتى تنكح زوجا غيرك وعصيت الله فيما أمرك من طلاق امرأتك فتضمنت هذه النصوص أن المطلقة نوعان مدخول بها وغير مدخول بها وكلاهما لا يجوز ثلاثا مجموعة ويجوز تطليق غير المدخول بها طاهرا وحائضا وأما المدخول بها فإن كانت حائضا أو نفساء حرم طلاقها وإن طاهرا فإن كانت مستبينة الحمل جاز طلاقها بعد الوطء وقبله وإن كانت حائلا لم طلاقها بعد الوطء في طهر الإصابة ويجوز قبله هذا الذي شرعه الله على لسان رسوله من الطلاق وأجمع المسلمون على وقوع الطلاق أذن الله فيه وأباحه إذا كان من مكلف مختار عالم بمدلول اللفظ قاصد له واختلفوا في وقوع المحرم من ذلك وفيه مسألتان
المسألة الأولى الطلاق في الحيض أو في الطهر الذي واقعها فيه ، المسألة الثانية في جمع الثلاث ونحن نذكر المسألتين تحريرا وتقريرا كما ذكرناهما ونذكر حجج الفريقين ومنتهى أقدام الطائفتين مع العلم بأن المقلد المتعصب لا من قلده ولو جاءته كل آية وأن طالب الدليل لا يأتم بسواه ولا يحكم إلا إياه من الناس مورد لا يتعداه وسبيل لا يتخطاه ولقد عذر من حمل ما انتهت إليه قواه إلى حيث انتهت إليه خطاه فأما المسألة الأولى فإن الخلاف في وقوع الطلاق المحرم لم يزل ثابتا بين السلف وقد وهم من ادعى الإجماع على وقوعه وقال بمبلغ علمه وخفي عليه من الخلاف ما عليه غيره وقد قال الإمام أحمد من ادعى الإجماع فهو كاذب وما يدريه لعل الناس ،كيف والخلاف بين الناس في هذه المسألة معلوم الثبوت عن المتقدمين والمتأخرين قال بن عبدالسلام الخشني حدثنا محمد بن بشار حدثنا عبدالوهاب بن عبد المجيد حدثنا عبيدالله بن عمر عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر رضي الله عنه أنه في رجل طلق امرأته وهي حائض
قال ابن عمر لا يعتد بذلك ذكره أبو محمد بن في المحلى بإسناده إليه وقال عبدالرزاق في مصنفه عن ابن جريج عن ابن طاووس عن أبيه أنه قال كان لا يرى ما خالف وجه الطلاق ووجه العدة وكان يقول وجه الطلاق أن يطلقها طاهرا من غير وإذا استبان حملها وقال الخشني حدثنا محمد بن المثنى حدثنا عبدالرحمن بن مهدي حدثنا همام بن يحيى عن عن خلاس بن عمرو أنه قال في الرجل يطلق امرأته وهي حائض قال لا يعتد بها قال محمد بن حزم والعجب من جرأة من ادعى الإجماع على خلاف هذا وهو لا يجد فيما قوله في إمضاء الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه كلمة عن أحد من الصحابة الله عنهم غير رواية عن ابن عمر قد عارضها ما هو أحسن منها عن ابن عمر ساقطتين عن عثمان وزيد بن ثابت رضي الله عنهما إحداهما رويناها من طريق وهب عن ابن سمعان عن رجل أخبره أن عثمان بن عفان رضي الله عنه كان يقضي في التي يطلقها زوجها وهي حائض أنها لا تعتد بحيضتها تلك وتعتد بعدها بثلاثة قلت وابن سمعان هو عبدالله بن زياد بن سمعان الكذاب وقد رواه عن مجهول لا قال أبو محمد والأخرى من طريق عبدالرزاق عن هشام بن حسان عن قيس بن سعد مولى علقمة عن رجل سماه عن زيد بن ثابت أنه قال فيمن طلق امرأته وهي حائض الطلاق وتعتد بثلاث حيض سوى تلك الحيضة
قال أبو محمد بل نحن أسعد بدعوى الإجماع هاهنا لو استجزنا ما يستجيزون ونعوذ من ذلك وذلك أنه لا خلاف بين أحد من أهل العلم قاطبة ومن جملتهم جميع لنا في ذلك أن الطلاق في الحيض أو في طهر جامعها فيه بدعة نهى عنها رسول مخالفة لأمره فإذا كان لا شك في هذا عندهم فكيف يستجيزون الحكم بتجويز التي يقرون أنها بدعة وضلالة أليس بحكم المشاهدة مجيز البدعة مخالفا لإجماع بأنها بدعة قال أبو محمد وحتى لو لم يبلغنا الخلاف لكان القاطع على جميع الإسلام بما لا يقين عنده ولا بلغه عن جميعهم كاذبا على جميعهم قال المانعون من وقوع الطلاق المحرم لا يزال النكاح المتيقن إلا بيقين مثله من أو سنة أو إجماع متيقن فإذا أوجدتمونا واحدا من هذه الثلاثة رفعنا حكم النكاح ولا سبيل إلى رفعه بغير ذلك قالوا وكيف والأدلة المتكاثرة تدل على عدم وقوعه هذا طلاق لم يشرعه الله تعالى ألبتة ولا أذن فيه فليس من شرعه فكيف يقال وصحته قالوا وإنما يقع من الطلاق المحرم ما ملكه الله تعالى للمطلق ولهذا لا يقع به لأنه لم يملكها إياه ومن المعلوم أنه لم يملكه الطلاق المحرم ولا أذن له فلا يصح ولا يقع
قالوا ولو وكل وكيلا أن يطلق امرأته طلاقا جائزا فطلق طلاقا محرما لم يقع لأنه مأذون له فيه فكيف كان إذن المخلوق معتبرا في صحة إيقاع الطلاق دون إذن الشارع المعلوم أن المكلف إنما يتصرف بالإذن فلما لم يأذن به الله ورسوله لا يكون للتصرف ألبتة قالوا وأيضا فالشارع قد حجر على الزوج أن يطلق في حال الحيض بعد الوطء في الطهر فلو صح طلاقه لم يكن لحجر الشارع معنى وكان حجر القاضي على منعه التصرف أقوى من حجر الشارع حيث يبطل التصرف بحجره قالوا وبهذا أبطلنا البيع وقت النداء يوم الجمعة لأنه بيع حجر الشارع على بائعه الوقت فلا يجوز تنفيذه وتصحيحه قالوا ولأنه طلاق محرم منهي عنه فالنهي يقتضي فساد المنهي عنه فلو صححناه لكان لا بين المنهي عنه والمأذون فيه من جهة الصحة والفساد قالوا وأيضا فالشارع إنما نهى عنه وحرمه لأنه يبغضه ولا يحب وقوعه بل وقوعه مكروه فحرمه لئلا يقع ما يبغضه ويكرهه وفي تصحيحه وتنفيذه ضد هذا المقصود قالوا وإذا كان النكاح المنهي عنه لا يصح لأجل النهي فما الفرق بينه وبين الطلاق أبطلتم ما نهى الله عنه من النكاح وصححتم ما حرمه ونهى عنه من الطلاق والنهي البطلان في الموضعين
قالوا ويكفينا من هذا حكم رسول الله العام الذي لا تخصيص فيه برد ما خالف أمره وإلغاءه كما في الصحيح عنه من حديث عائشة رضي الله عنها كل عمل ليس عليه فهو رد وفي رواية من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد وهذا صريح أن هذا المحرم الذي ليس عليه أمره مردود باطل فيكف يقال إنه صحيح لازم نافذ فأين من الحكم برده
قالوا وأيضا فإنه طلاق لم يشرعه الله أبدا وكان مردودا باطلا كطلاق الأجنبية ولا الفرق بأن الأجنبية ليست محلا للطلاق بخلاف الزوجة فإن هذه الزوجة ليست للطلاق المحرم ولا هو مما ملكه الشارع إياه قالوا وأيضا فإن الله سبحانه إنما أمر بالتسريح بإحسان ولا أشر من التسريح الذي الله ورسوله وموجب عقد النكاح أحد أمرين إما إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان المحرم أمر ثالث غيرهما فلا عبرة به ألبتة
قالوا وقد قال الله تعالى ( يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) وصح النبي المبين عن الله مراده من كلامه أن الطلاق المشروع المأذون فيه هو في زمن الطهر الذي لم يجامع فيه أو بعد استبانة الحمل وما عداهما فليس للعدة في حق المدخول بها فلا يكون طلاقا فكيف تحرم المرأة به قالوا وقد قال تعالى (الطلاق مرتان ) البقرة 269 ومعلوم أنه إنما أراد الطلاق فيه وهو الطلاق للعدة فدل على أن ما عداه ليس من الطلاق فإنه حصر الطلاق المأذون فيه الذي يملك به الرجعة في مرتين فلا يكون ما عداه طلاقا قالوا كان الصحابة رضي الله عنهم يقولون إنهم لا طاقة لهم بالفتوى في الطلاق كما روى ابن وهب عن جرير بن حازم عن الأعمش أن ابن مسعود رضي الله عنه قال طلق كما أمره الله فقد بين الله له ومن خالف فإنا لا نطيق خلافه ولو وقع طلاق لم يكن الإفتاء به غير مطاق لهم ولم يكن للتفريق معنى إذا كان النوعان نافذين
وقال ابن مسعود رضي الله عنه أيضا من أتى الأمر على وجهه فقد بين الله له وإلا ما لنا طاقة بكل ما تحدثون وقال بعض الصحابة وقد سئل عن الطلاق الثلاث مجموعة من طلق كما أمر فقد بين له ومن تركناه وتلبيسه قالوا ويكفي من ذلك كله ما رواه أبو داود بالسند الصحيح الثابت حدثنا أحمد بن حدثنا عبدالرزاق حدثنا ابن جريج قال أخبرني أبو الزبير أنه سمع عبدالرحمن بن مولى عروة يسأل ابن عمر قال أبو الزبير وأنا أسمع كيف ترى في رجل طلق امرأته فقال طلق ابن عمر امرأته حائضا على عهد رسول الله فسأل عمر عن ذلك رسول فقال إن عبدالله بن عمر طلق امرأته وهي حائض قال عبدالله فردها علي ولم شيئا وقال إذا طهرت فليطلق أو ليمسك قال ابن عمر وقرأ رسول الله (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن ) في قبل عدتهن قالوا وهذا إسناد في غاية الصحة فإن الزبير غير مدفوع عن الحفظ والثقة وإنما يخشى من تدليسه فإذا قال سمعت أو زال محذور التدليس وزالت العلة المتوهمة وأكثر أهل الحديث يحتجون به إذا قال ولم يصرح بالسماع ومسلم يصحح ذلك من حديثه فأما إذا صرح بالسماع فقد زال وصح الحديث وقامت الحجة
قالوا ولا نعلم في خبر أبي الزبير هذا ما يوجب رده وإنما رده من رده استبعادا أنه خلاف الأحاديث الصحيحة ونحن نحكي كلام من رده ونبين أنه ليس فيه ما الرد
قال أبو داود والأحاديث كلها على خلاف ما قال أبو الزبير وقال الشافعي ونافع أثبت عن ابن عمر من أبي الزبير والأثبت من الحديثين أولى أن به إذا خالفه وقال الخطابي حديث يونس بن جبير أثبت من هذا يعني قوله مره فليراجعها وقوله أرأيت عجز واستحمق قال فمه ، قال ابن عبدالبر وهذا لم ينقله عنه أحد غير أبي الزبير وقد رواه عنه جماعة أجلة يقل ذلك أحد منهم وأبو الزبير ليس بحجة فيما خالفه فيه مثله فكيف بخلاف من هو منه ، وقال بعض أهل الحديث لم يرو أبو الزبير حديثا أنكر من هذا فهذا جملة ما رد به خبر أبي الزبير وهو عند التأمل لا يوجب رده ولا بطلانه أما قول أبي داود الأحاديث كلها على خلافه فليس بأيديكم سوى تقليد أبو داود وأنتم ترضون ذلك وتزعمون أن الحجة من جانبكم فدعوا التقليد وأخبرونا أين في الأحاديث ما يخالف حديث أبي الزبير فهل فيها حديث واحد أن رسول الله احتسب عليه الطلقة وأمره أن يعتد بها فإن كان ذلك فنعم والله هذا خلاف صريح لحديث أبي ولا تجدون إلى ذلك سبيلا وغاية ما بأيديكم مره فليراجعها والرجعة تستلزم الطلاق وقول ابن عمر وقد سئل أتعتد بتلك التطليقة فقال أرأيت إن عجز واستحمق نافع أو من دونه فحسبت من طلاقها وليس وراء ذلك حرف واحد يدل على وقوعها بها ولا ريب في صحة هذه الألفاظ ولا مطعن فيها وإنما الشأن كل الشأن في لقوله فردها علي ولم يرها شيئا عليه ومعارضتها لتلك الأدلة المتقدمة التي سقناها وعند الموازنة يظهر وعدم المقاومة ونحن نذكر ما في كلمة كلمة منها
أما قوله مره فليراجعها فالمراجعة قد وقعت في كلام الله ورسوله على ثلاث معان أحدها ابتداء النكاح كقوله تعالى ( فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ ) (البقرة: من الآية230)البقرة 230 ولا خلاف بين أحد من أهل العلم بالقرآن أن المطلق هو الزوج الثاني وأن التراجع بينها وبين الزوج الأول وذلك نكاح مبتدأ وثانيهما الرد الحسي إلى الحالة التي كان عليها أولا كقوله لأبي النعمان بن بشير نحل ابنه غلاما خصه به دون ولده رده فهذا رد ما لم تصح فيه الهبة الجائزة التي رسول الله جورا وأخبر أنها لا تصلح وأنها خلاف العدل كما سيأتي تقريره إن الله تعالى ومن هذا قوله لمن فرق بين جارية وولدها في البيع فنهاه عن ذلك ورد البيع وليس هذا مستلزما لصحة البيع فإنه بيع باطل بل هو رد شيئين إلى حالة اجتماعهما كما وهكذا الأمر بمراجعة ابن عمر امرأته ارتجاع ورد إلى حالة الاجتماع كما كانا الطلاق وليس في ذلك ما يقتضي وقوع الطلاق في الحيض ألبتة وأما قوله أرأيت إن عجز واستحمق فيا سبحان الله أين البيان في هذا اللفظ بأن تلك حسبها عليه رسول الله والأحكام لا تؤخذ بمثل هذا ولو كان رسول الله قد عليه واعتد عليه بها لم يعدل عن الجواب بفعله وشرعه إلى أرأيت وكان ابن عمر ما إليه أرأيت فكيف يعدل للسائل عن صريح السنة إلى لفظة أرأيت
على نوع من الرأي سببه عجز المطلق وحمقه عن إيقاع الطلاق على الوجه الذي الله له فيه والأظهر فيما هذه صفته أنه لا يعتد به وأنه ساقط من فعل فاعله ليس في دين الله تعالى حكم نافذ سببه العجز والحمق عن امتثال الأمر إلا أن فعلا لا يمكن رده بخلاف العقود المحرمة التي من عقدها على الوجه المحرم فقد واستحمق وحينئذ فيقال هذا أدل على الرد منه على الصحة واللزوم فإنه عقد عاجز على خلاف أمر الله ورسوله فيكون مردودا باطلا فهذا الرأي والقياس أدل على طلاق من عجز واستحمق منه على صحته واعتباره وأما قوله فحسبت من طلاقها ففعل مبني لما لم يسم فاعله فإذا سمي فاعله ظهر وتبين في حسبانه حجة أو لا وليس في حسبان الفاعل المجهول دليل ألبتة وسواء كان القائل ابن عمر أو نافعا أو من دونه وليس فيه بيان أن رسول الله هو الذي حسبها تلزم الحجة به وتحرم مخالفته فقد تبين أن سائر الأحاديث لا تخالف حديث أبي وأنه صريح في أن رسول الله لم يرها شيئا وسائر الأحاديث مجملة لا بيان قال الموقعون لقد ارتقيتم أيها المانعون مرتقى صعبا وأبطلتم أكثر طلاق المطلقين غالبه طلاق بدعي وجاهرتم بخلاف الأئمة ولم تنحاشوا خلاف الجمهور وشذذتم بهذا الذي أفتى جمهور الصحابة ومن بعدهم بخلافه والقرآن والسنن تدل على بطلانه تعالى (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره ) وهذا يعم كلطلاق قوله (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) البقرة 228 ولم يفرق وكذلك تعالى
( الطلاق مرتان ) وقوله ( وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقّاً عَلَى الْمُتَّقِينَ ) البقرة 241 وهذه مطلقة وهي عمومات لا يجوز تخصيصها إلا بنص أو إجماع قالوا وحديث ابن عمر دليل على وقوع الطلاق المحرم من وجوه أحدها الأمر بالمراجعة وهي لم شعث النكاح وإنما شعثه وقوع الطلاق
الثاني قول ابن عمر فراجعتها وحسبت لها التطليقة التي طلقها
وكيف يظن بابن عمر أنه يخالف رسول الله فيحسبها من طلاقها ورسول الله لم يرها الثالث قول ابن عمر لما قيل له أيحتسب بتلك التطليقة قال أرأيت إن عجز واستحمق أي وحمقه لا يكون عذرا له في عدم احتسابه بها
الرابع أن ابن عمر قال وما يمنعني أن أعتد بها وهذا إنكار منه لعدم الإعتداد بها يبطل تلك اللفظة التي رواها عنه أبو الزبير إذ كيف يقول ابن عمر وما يمنعني أعتد بها وهو يرى رسول الله قد ردها عليه ولم يرها شيئا الخامس أن مذهب ابن عمر الاعتداد بالطلاق في الحيض وهو صاحب القصة وأعلم الناس وأشدهم اتباعا للسنن وتحرجا من مخالفتها قالوا وقد روى ابن وهب في جامعه حدثنا أبي ذئب أن نافعا أخبرهم عن ابن عمر أنه طلق امرأته وهي حائض فسأل عمر رسول عن ذلك فقال مره فليراجعها ثم ليمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر ثم إن شاء بعد ذلك وإن شاء طلق قبل أن يمس فتلك العدة التي أمر الله أن تطلق لها النساء واحدة هذا لفظ حديثه
قالوا وروى عبدالرزاق عن ابن جريج قال أرسلنا إلى نافع وهو يترجل في دار الندوة إلى المدينة ونحن مع عطاء هل حسبت تطليقة عبدالله بن عمر امرأته حائضا على رسول الله قال نعم ..قالوا وروى حماد بن زيد عن عبدالعزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه قال قال رسول من طلق في بدعة ألزمناه بدعته رواه عبدالباقي بن قانع عن زكريا الساجي إسماعيل بن أمية الذارع حدثنا حماد فذكره ..قالوا وقد تقدم مذهب عثمان بن عفان وزيد بن ثابت في فتواهما بالوقوع
قالوا وتحريمه لا يمنع ترتب أثره وحكمه عليه كالظهار فإنه منكر من القول وزور وهو بلا شك وترتب أثره عليه وهو تحريم الزوجة إلى أن يكفر فهكذا الطلاق البدعي ويترتب عليه أثره إلى أن يراجع ولا فرق بينهما
قالوا وهذا ابن عمر يقول للمطلق ثلاثا حرمت عليك حتى تنكح زوجا غيرك وعصيت ربك أمرك به من طلاق امرأتك فأوقع عليه الطلاق الذي عصى به المطلق ربه عز وجل
قالوا وكذلك القذف محرم وترتب عليه أثره من الحد ورد الشهادة وغيرهما
قالوا والفرق بين النكاح المحرم والطلاق المحرم أن النكاح عقد يتضمن حل الزوجة بضعها فلا يكون إلا على الوجه المأذون فيه شرعا فإن الأبضاع في الأصل على ولا يباح منها إلا ما أباحه الشارع بخلاف الطلاق فإنه إسقاط لحقه وإزالة وذلك لا يتوقف على كون السبب المزيل مأذونا فيه شرعا كما يزول ملكه عن العين المحرم وبالإقرار الكاذب وبالتبرع المحرم كهبتها لمن يعلم أنه يستعين بها المعاصي والآثام
قالوا والإيمان أصل العقود وأجلها وأشرفها يزول بالكلام المحرم إذا كان كفرا فكيف يزول عقد النكاح بالطلاق المحرم الذي وضع لإزالته ..قالوا ولو لم يكن معنا في المسألة إلا طلاق الهازل فإنه يقع مع تحريمه لأنه لا له الهزل بآيات الله وقد قال النبي ما بال أقوام يتخذون آيات الله هزوا راجعتك طلقتك راجعتك فإذا وقع طلاق الهازل مع تحريمه فطلاق الجاد أولى أن مع تحريمه ..قالوا وفرق آخر بين النكاح المحرم والطلاق المحرم أن النكاح نعمة فلا تستباح وإزالته وخروج البضع عن ملكه نقمة فيجوز أن يكون سببها محرما ..قالوا وأيضا فإن الفروج يحتاط لها والاحتياط يقتضي وقوع الطلاق وتجديد الرجعة ..قالوا وقد عهدنا النكاح لا يدخل فيه إلا بالتشديد والتأكيد من الإيجاب والولي والشاهدين ورضى الزوجة المعتبر رضاها ويخرج منه بأيسر شيء فلا الخروج منه إلى شيء من ذلك بل يدخل فيه بالعزيمة ويخرج منه بالشبهة فأين من الآخر حتى يقاس عليه ..قالوا ولو لم يكن بأيدينا إلا قول حملة الشرع كلهم قديما وحديثا طلق امرأته وهي والطلاق نوعان طلاق سنة وطلاق بدعة وقول ابن عباس رضي الله عنه الطلاق على أوجه وجهان حلال ووجهان حرام فهذا الإطلاق والتقسيم دليل على أنه عندهم طلاق وشمول اسم الطلاق له كشموله للطلاق الحلال ولو كان لفظا مجردا لغوا لم يكن حقيقة ولا قيل طلق امرأته فإن هذا اللفظ إذا كان لغوا كان وجوده كعدمه ومثل هذا يقال فيه طلق ولا يقسم الطلاق وهو غير واقع إليه وإلى الواقع فإن الألفاظ التي ليس لها معان ثابتة لا تكون هي ومعانيها قسما من الحقيقة الثابتة فهذا أقصى ما تمسك به الموقعون وربما ادعى بعضهم الإجماع لعدم علمه بالنزاع
قال المانعون من الوقوع الكلام معكم في ثلاث مقامات بها يستبين الحق في المسألة المقام الأول بطلان ما زعمتم من الإجماع وأنه لا سبيل لكم إلى إثباته ألبتة بل بانتفائه معلوم المقام الثاني أن فتوى الجمهور بالقول لا يدل على صحته وقول الجمهور ليس بحجة المقام الثالث أن الطلاق المحرم لا يدخل تحت نصوص الطلاق المطلقة التي رتب الشارع أحكام الطلاق فإن ثبتت لنا هذه المقامات الثلاث كنا أسعد بالصواب منكم في فنقول أما المقام الأول فقد تقدم من حكاية النزاع ما يعلم معه بطلان دعوى الإجماع ولو لم يعلم ذلك لم يكن لكم سبيل إلى إثبات الإجماع الذي تقوم به الحجة وتنقطع المعذرة وتحرم معه المخالفة فإن الإجماع الذي يوجب ذلك هو الإجماع القطعي وأما المقام الثاني وهو أن الجمهور على هذا القول فأوجدونا في الأدلة الشرعية أن الجمهور حجة مضافة إلى كتاب الله وسنة رسوله وإجماع أمته ومن تأمل مذاهب العلماء قديما وحديثا من عهد الصحابة وإلى الآن واستقرأ أحوالهم مجمعين على تسويغ خلاف الجمهور ووجد لكل منهم أقوالا عديدة انفرد بها عن ولا يستثنى من ذلك أحد قط ولكن مستقل ومستكثر فمن شئتم سميتموه من الأئمة ما له من الأقوال التي خالف فيها الجمهور ولو تتبعنا ذلك وعددناه لطال به جدا ونحن نحيلكم على الكتب المتضمنة لمذاهب العلماء واختلافهم ومن له بمذاهبهم وطرائقهم يأخذ إجماعهم على ذلك من اختلافهم ولكن هذا في المسائل يسوغ فيها الإجتهاد ولا تدفعها السنة الصحيحة الصريحة وأما ما كان هذا سبيله كالمتفقين على إنكاره ورده وهذا هو المعلوم من مذاهبهم في الموضعين
وأما المقام الثالث وهو دعواكم دخول الطلاق المحرم تحت نصوص الطلاق وشمولها إلى آخر كلامكم فنسألكم ما تقولون فيمن دخول أنواع البيع المحرم والنكاح المحرم تحت نصوص البيع والنكاح وقال شمول للصحيح من ذلك والفاسد سواء بل وكذلك سائر العقود المحرمة إذا ادعى دخولها ألفاظ العقود الشرعية وكذلك العبادات المحرمة المنهي عنها إذا ادعى دخولها تحت الشرعية وحكم لها بالصحة لشمول الإسم لها هل تكون دعواه صحيحة أو باطلة قلتم صحيحة ولا سبيل لكم إلى ذلك كان قولا معلوم الفساد بالضرورة من الدين وإن دعواه باطلة تركتم قولكم ورجعتم إلى ما قلناه وإن قلتم تقبل في موضع وترد في قيل لكم ففرقوا بفرقان صحيح مطرد منعكس معكم به برهان من الله بين ما يدخل من المحرمة تحت ألفاظ النصوص فيثبت له حكم الصحة وبين ما لا يدخل تحتها فيثبت حكم البطلان وإن عجزتم عن ذلك فاعلموا أنه ليس بأيديكم سوى الدعوى التي يحسن كل مقابلتها بمثلها أو الاعتماد على من يحتج لقوله لا بقوله وإذا كشف الغطاء عما في هذه الطريق وجد عين محل النزاع فقد جعلتموه مقدمة في الدليل وذلك عين على المطلوب فهل وقع النزاع إلا في دخول الطلاق المحرم المنهي عنه تحت (وللمطلقات متاع ) وتحت قوله (والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء ) وأمثال وهل سلم لكم منازعوكم قط ذلك حتى تجعلوه مقدمة لدليلكم
قالوا وأما استدلالكم بحديث ابن عمر فهو إلى أن يكون حجة عليكم أقرب منه إلى أن حجة لكم من وجوه أحدها صريح قوله فردها علي ولم يرها شيئا وقد تقدم بيان صحته قالوا فهذا الصريح ليس بأيديكم ما يقاومه في الموضعين بل جميع تلك الألفاظ إما صحيحة غير وإما صريحة غير صحيحة كما ستقفون عليه
الثاني أنه قد صح عن ابن عمر رضي الله عنه بإسناد كالشمس من رواية عبيدالله عن عنه في الرجل يطلق امرأته وهي حائض قال لا يعتد بذلك وقد تقدم الثالث أنه لو كان صريحا في الاعتداد به لما عدل به إلى مجرد الرأي وقوله للسائل
الرابع أن الألفاظ قد اضطربت عن ابن عمر في ذلك اضطرابا شديدا وكلها صحيحة عنه يدل على أنه لم يكن عنده نص صريح عن رسول الله في وقوع تلك الطلقة بها وإذا تعارضت تلك الألفاظ نظرنا إلى مذهب ابن عمر وفتواه فوجدناه في عدم الوقوع ووجدنا أحد ألفاظ حديثه صريحا في ذلك فقد اجتمع صريح روايته على عدم الاعتداد وخالف في ذلك ألفاظ مجملة مضطربة كما تقدم بيانه وأما قول ابن عمر رضي الله عنه ومالي لا أعتد بها وقوله أرأيت إن عجز واستحمق هذا أن يكون رواية صريحة عنه بالوقوع ويكون عنه روايتان وقولكم كيف يفتي بالوقوع وهو يعلم أن رسول الله قد ردها عليه ولم يعتد عليه فليس هذا بأول حديث خالفه راويه وله بغيره من الأحاديث التي خالفها راويها حسنة في تقديم رواية الصحابي ومن بعده على رأيه
وقد روى ابن عباس حديث بريرة وأن بيع الأمة ليس بطلاقها وأفتى بخلافه فأخذ الناس وتركوا رأيه وهذا هو الصواب فإن الرواية معصومة عن معصوم والرأي بخلافها وأصرح الروايتين موافقته لما رواه من عدم الوقوع على أن في هذا فقها دقيقا إنما يعرفه من له على أقوال الصحابة ومذاهبهم وفهمهم عن الله ورسوله واحتياطهم للأمة ولعلك تراه عند الكلام على حكمه في إيقاع الطلاق الثلاث جملة
وأما قوله في حديث ابن وهب عن ابن أبي ذئب في آخره وهي واحدة فلعمر الله لو كانت اللفظة من كلام رسول الله ما قدمنا عليها شيئا ولصرنا إليها بأول وهلة ولكن ندري أقالها ابن وهب من عنده أم ابن أبي ذئب أم نافع فلا يجوز أن يضاف إلى رسول ما لا يتيقن أنه من كلامه ويشهد به عليه وترتب عليه الأحكام ويقال هذا من الله بالوهم والاحتمال والظاهر أنها من قول من دون ابن عمر رضي الله عنه بها أن ابن عمر إنما طلقها طلقة واحدة ولم يكن ذلك منه ثلاثا أي طلق ابن رضي الله عنه امرأته واحدة على عهد رسول الله فذكره وأما حديث ابن جريج عن عطاء عن نافع أن تطليقة عبدالله حسبت عليه فهذا غايته أن من كلام نافع ولا يعرف من الذي حسبها أهو عبدالله نفسه أو أبوه عمر أو رسول ولا يجوز أن يشهد على رسول الله بالوهم والحسبان وكيف يعارض صريح قوله يرها شيئا بهذا المجمل والله يشهد وكفى بالله شهيدا أنا لو تيقنا أن رسول الله هو الذي حسبها عليه لم نتعد ذلك ولم نذهب إلى سواه ..
وأما حديث أنس من طلق في بدعة ألزمناه بدعته فحديث باطل على رسول الله ونحن بالله أنه حديث باطل عليه ولم يروه أحد من الثقات من أصحاب حماد بن زيد وإنما من حديث إسماعيل أمية الذارع الكذاب الذي يذرع ويفصل ثم الراوي له عنه عبدالباقي بن قانع وقد البرقاني وغيره وكان قد اختلط في آخر عمره وقال الدارقطني يخطيء كثيرا ومثل إذا تفرد بحديث لم يكن حديثه حجة وأما إفتاء عثمان بن عفان وزيد بن ثابت رضي الله عنهما بالوقوع فلو صح ذلك ولا أبدا فإن أثر عثمان فيه كذاب عن مجهول لا يعرف عينه ولا حاله فإنه من رواية سمعان عن رجل وأثر زيد فيه مجهول عن مجهول قيس بن سعد عن رجل سماه عن زيد العجب أين هاتان الروايتان من رواية عبدالوهاب بن عبدالمجيد الثقفي عن حافظ الأمة عن نافع عن ابن عمر أنه قال لا يعتد بها فلو كان هذا الأثر من لصلتم به وجلتم
وأما قولكم إن تحريمه لا يمنع ترتب أثره عليه كالظهار فيقال أولا هذا قياس يدفعه ذكرناه من النص وسائر تلك الأدلة التي هي أرجح منه ثم يقال ثانيا هذا معارض سواء معارضة القلب بأن يقال تحريمه يمنع ترتب أثره عليه كالنكاح ويقال ثالثا للظهار جهتان جهة حل وجهة حرمة بل كله حرام فإنه منكر من القول وزور فلا يمكن ينقسم إلى حلال جائز وحرام باطل بل هو بمنزلة القذف من الأجنبي والردة فإذا وجد يوجد إلا مع مفسدته فلا يتصور أن يقال منه حلال صحيح وحرام باطل بخلاف النكاح والبيع فالظهار نظير الأفعال المحرمة التي إذا وقعت قارنتها مفاسدها عليها أحكامها وإلحاق الطلاق بالنكاح والبيع والإجازة والعقود المنقسمة إلى وحرام وصحيح وباطل أولى
وأما قولكم إن النكاح عقد يملك به البضع والطلاق عقد يخرج به فنعم من أين لكم من الله ورسوله بالفرق بين العقدين في اعتبار حكم أحدهما والإلزام به وإلغاء الآخر وإبطاله وأما زوال ملكه عن العين بالإتلاف المحرم فذلك ملك قد زال حسا ولم يبق له محل زواله بالإقرار الكاذب فأبعد وأبعد فإنا صدقناه ظاهرا في إقراره وأزلنا ملكه المصدق فيه وإن كان كاذبا وأما زوال الإيمان بالكلام الذي هو كفر فقد تقدم جوابه وأنه ليس في الكفر حلال وأما طلاق الهازل فإنما وقع لأنه صادف محلا وهو طهر لم يجامع فيه فنفذ وكونه هزل إرادة منه أن لا يترتب أثره عليه وذلك ليس إليه بل إلى الشارع فهو قد أتى التام وأراد ألا يكون سببه فلم ينفعه ذلك بخلاف من طلق في غير زمن الطلاق لم يأت بالسبب الذي نصبه الله سبحانه مفضيا إلى وقوع الطلاق وإنما أتى بسبب عنده وجعله هو مفضيا إلى حكمه وذلك ليس إليه وأما قولكم إن النكاح نعمة فلا يكون سببه إلا طاعة بخلاف الطلاق فإنه من باب النعم فيجوز أن يكون سببه معصية فيقال قد يكون الطلاق من أكبر النعم التي بها المطلق الغل من عنقه والقيد من رجله فليس كل طلاق نقمة بل من تمام نعمة على عباده أن مكنهم من المفارقة بالطلاق إذا أراد أحدهم استبدال زوج مكان زوج ممن لا يحبها ولا يلائمها فلم ير للمتحابين مثل النكاح ولا للمتباغضين مثل
ثم كيف يكون نقمة والله تعالى يقول (لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم ) البقرة 236 ويقول (يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن ) 1 وأما قولكم إن الفروج يحتاط لها فنعم وهكذا قلنا سواء فإنا احتطنا وأبقينا على يقين النكاح حتى يأتي ما يزيله بيقين فإذا أخطأنا فخطؤنا في جهة واحدة أصبنا فصوابنا في جهتين جهة الزوج الأول وجهة الثاني وأنتم ترتكبون أمرين الفرج على من كان حلالا له بيقين وإحلاله لغيره فإن كان خطأ فهو خطأ من فتبين أنا أولى بالاحتياط منكم وقد قال الإمام أحمد في رواية أبي طالب في السكران نظير هذا الاحتياط سواء فقال الذي لا يأمر بالطلاق إنما أتى خصلة والذي يأمر بالطلاق أتى خصلتين حرمها عليه وأحلها لغيره فهذا خير من هذا وأما قولكم إن النكاح يدخل فيه بالعزيمة والإحتياط ويخرج منه بأدنى شيء قلنا ولكن يخرج منه إلا بما نصبه الله سببا يخرج به منه وأذن فيه وأما ما ينصبه المؤمن ويجعله هو سببا للخروج منه فكلا فهذا منتهى أقدام الطائفتين في هذه المسألة المعترك الوعرة المسلك التي يتجاذب أعنة أدلتها الفرسان وتتضاءل لدى صولتها الشجعان وإنما نبهنا على مأخذها وأدلتها ليعلم الغر الذي بضاعته من العلم أن هناك شيئا آخر وراء ما عنده وأنه إذا كان ممن قصر في العلم باعه فضعف خلف وتقاصر عن جني ثماره ذراعه فليعذر من شمر عن ساق عزمه وحام حول آثار رسول وتحكيمها والتحاكم إليها بكل همة وإن كان غير عاذر لمنازعه في قصوره ورغبته هذا الشأن البعيد فليعذر منازعه في رغبته عما ارتضاه لنفسه من محض التقليد مع نفسه أيهما هو المعذور وأي السعيين أحق بأن يكون هو السعي المشكور والله وعليه التكلان وهو الموفق للصواب الفاتح لمن أم بابه طالبا لمرضاته من كل باب