1. المقالات
  2. الضوابط المنهجية لاتباع الرسول .أ.د صلاح سلطان
  3. المطلب الأول :الأساس الإيمانى لاتباع الرسول

المطلب الأول :الأساس الإيمانى لاتباع الرسول

 

قد يرضخ الإنسان لقانون خشية عقوباته، وقد يطيع حاكما أو رئيسا أو مديرا خشية نقمته، لكن اتباع النبي صلى الله عليه وسلم  أمر فريد؛ حيث يعتمد على ثوابت ورواسخ إيمانية، تجمع بين عمق الإيمان وقوة القناعة أن النبي صلى الله عليه وسلم  حقيق وجدير بأن يُتبع كما قال تعالى :" َقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً " [الأحزاب : 21].

 

 


ومن هذه الأسس في الاتباع ما يلي:


أولا:

 أنه أحب خلق الله إلى الله، لقوله تعالى :" قُلْ إِن كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ "  [الزخرف : 81].
وقد رأى الإمام علي  أن هذه أفضل آية امتدح ربنا فيها نبيه، وتفسيري لذلك أن غاية خلق الجن والإنس هي العبادة لقوله تعالى : " وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُــدُون" [الذاريات : 56]، فإذا كان النبي صلى الله عليه وسلم وصل إلى الذروة والقمة في العبادة، فهو أفضل الخلق أجمعين عند ربنا جل وعلا. وحسن الاتباع هو الدليل العملي على حب الله وحب النبي صلى الله عليه وسلم  لقوله تعالى : " قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ "  [آل عمران : من الآية 31].

 


ثانيا:

أنه أكمل خلق الله أخلاقا وأرفعهم قدرا، وقد وصفه الله في قرآنه بقوله:" وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ " [القلم : 4]، فعلا النبي صلى الله عليه وسلم  على الأخلاق حتى صارت تُستمنح منه، وتستقى من  فعاله ، وتقتدى من تصرفاته، وصار معيارا للمكارم الأخلاقية. كما قال الشاعر أحمد شوقي:


زانتك في الخلق العظيم شمائل          يُغرى بهن ويُولع الكرماء


وإذا كان الإنسان مولعاً بحب صديق أو زوجة أو أستاذ أو تلميذ، فعند السراء أو الضراء لا يفوت الإنسان ثلمة في خلق، أو فجوة في أدب، فيعالجها الإنسان بأن فيّ نقصا كما في غيري، فيحتمل الزوجان والأصدقاء والشركاء والآباء والأبناء من هذه السفاسف ما يحفظ للود البقاء.
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم  فكلما أمعَنت في سيرته، وأكَثرت من معرفة أخلاقه في العسر واليسر، والمرض والصحة، والسفر والحضر، فلن تجد إلا الكمال الأخلاقي في كل ما دقَّ وجلَّ.

 


ثالثا:

 أنه صاحب المعجزات الكبرى، وأهمها القرآن الكريم وهو المعجزة الإيمانية العلمية الأخلاقية التشريعية اللغوية البلاغية التي أعجزت الجن والإنس أن يأتوا بسورة مثله. ومن معجزاته أيضا: انشقاق القمر ونطق الحجر والشجر بين يديه، وكثرة الطعام والشراب بين أصابعه، والإسراء والمعراج، " ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (8) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (9) " [النجم]، ونزول المطر بعد قحط لما دعا ربه، وخروجه بين المتربصين لقتله فضرب التراب في وجوههم وخرج سليماً من بينهم، ومسح على عين علي بن أبي طالب لما اشتكى منها فبرأت، ورد عين قتادة عندما سقطت على وجنتيه فصارت أحدّ من العين الصحيحة، ومسح على رجل أبي بكر  لما لدغته حية في غار ثور فبرأت، ومسح على رجل عبدالله بن عتيك الأنصاري لما أصيب بها عند قتله رافع بن أبي الحقيق اليهودي فما اشتكى منها حتى مات، ودعا لأنس بن مالك  بكثرة المال والولد وطول العمر، فعاش نحو 100 عام وكثر نسله، وكان له نخل يثمر في كل سنة مرتين، ودعا على مجرمي قريش، وأشار إلى مصارعهم قبل غزوة بدر، فقتلوا في المواضع نفسها.

 


هذه بعض معجزاته صلى الله عليه وسلم  التي تضاعف الحب القلبي، واليقين العقلي أن الرسول النبي صلى الله عليه وسلم  جدير بحسن الاتباع والاقتداء بهديه، وفي واقعنا إذا رأى الناس من عالِم اختراعا، أو من رئيس إنجازا، أو من طالب تفوقا، أو من لاعب تميزا، أو من فنان مهارة، فإنهم يهيمون به، ويكثرون ذكره، ويقلدونه في كل شيء: في كلامه، ومشيته، وتسريحة شعره، وفي شكل لُباسه، وفي نوع ساعته، ونظارته، وحزامه، بل وحذائه!


أفلا يكون رسولنا صلى الله عليه وسلم الذي جمع هذه المعجزات الغفيرة المتنوعة الخارقة التي تستحيل على أحد أن يكررها، أفلا يكون جديرا بغاية الحب وحسن الاتباع لهديه صلى الله عليه وسلم ؟!

 


رابعا:

 أنه شديد الحب لأمته عظيم الشوق لرؤيتنا، لما روي عن أنس بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم  قال: "وددت أني لقيت إخواني ، فقال أصحابه : أوليس نحن إخوانك ؟ قال : أنتم أصحابي ، و لكن إخواني الذين آمنوا بي و لم يروني"، (سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، ص2888)،  وقد انفرد صلى الله عليه وسلم  بين الأنبياء في الدعوة المجابة، حيث تعجلوا في دعوتهم، لكنه صلى الله عليه وسلم  - شغفا بنا، وحرصا علينا، وإنقاذا لنا- أجّل دعوته المستجابة شفاعة لنا يوم القيامة، ولما وجهت له أرقى التحية ليلة المعراج في الملأ الأعلى: "السلامُ عليكَ أيها النبيُّ رحمة والله وبركاته" كان جوابه صلى الله عليه وسلم  رائعا حيث عطفنا عليه فقال: "السلامَ علينا وعلى عبادِ اللهِ الصالحين".

 


أفننساه في الملأ الأدنى، ذلك لعمري في القياس فظيع!
وأقول لإخواني وأخواتي إذا كان فينا قلب يشعر أو ينبض أو عقل يفكر فنجد هذا المستوى من الحب العميق من رسول الله لنا، لا يسعنا إلا أن نبادله حبا بحب وشوقا بشوق، وإنا نشهدك يارب الأرباب أننا نحب نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم  ونشتاق إلى لقائه فاجمع بيننا وبينه كما آمنا به ولم نره، ولاتفرق بيننا وبينه حتى تدخلنا مدخله.
 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day