البحث
( َو مَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ .....(آل عمران : 144 -148)
ولم يناد ربُّ العالمين النبيَّ خاتمَ المرسلين باسمه محمد ، وهذا الإسم الشريف ورد في أربع آيات من تنزيل الحكيم الحميد...كما ورد اسمه أحمد في آية واحدة...وهذا تفسير هذه الآيات :
1-(و َمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِن مَّاتَ أَوْ قُتِلَ انقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَن يَنقَلِبْ عَلَىَ عَقِبَيْهِ فَلَن يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَسَيَجْزِي اللّهُ الشَّاكِرِينَ * وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاَّ بِإِذْنِ الله كِتَاباً مُّؤَجَّلاً وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَن يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ * وَكَأَيِّن مِّن نَّبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ*وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلاَّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ * فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ *) (آل عمران : 144 -148)
قال السعدي رحمه الله :
" وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل " أي : ليس ببدع من الرسل بل هو من جنس الرسل الذين قبله وظيفتهم تبليغ رسالة ربهم وتنفيذ أوامره ليسوا بمخلدين وليس بقاؤهم شرطا في امتثال أوامر الله بل الواجب على الأمم عبادة ربهم في كل وقت وبكل حال ولهذا قال : " أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم " بترك ما جاءكم به من إيمان أو جهاد أو غير ذلك قال تعالى : " ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا " إنما يضر نفسه وإلا فالله تعالى غني عنه وسيقيم دينه ويعز عباده المؤمنين فلما وبخ تعالى من انقلب على عقبيه مدح من ثبت مع رسوله وامتثل أمر ربه فقال : " وسيجزي الله الشاكرين "والشكر لا يكون إلا بالقيام بعبودية الله تعالى على كل حال...
*وفي هذه الآية الكريمة إرشاد من الله تعالى لعباده أن يكونوا بحالة لا يُزعزعهم عن إيمانهم أو عن بعض لوازمه فَقْدُ رئيسٍ ولو عظم وما ذاك إلا بالاستعداد في كل أمر من أمور الدين بعدة أناس من أهل الكفاءة فيه إذا فُقِدَ أحدُهم قام به غيره وأن يكون عموم المؤمنين قصدهم إقامة دين الله والجهاد عنه بحسب الإمكان لا يكون لهم قصد في رئيس دون رئيس فبهذه الحال يستتب لهم أمرهم وتستقيم أمورهم ..
*وفي هذه الآية أيضا أعظم دليل على فضيلة الصديق الأكبر أبي بكر وأصحابه الذين قاتلوا المرتدين بعد رسول لأنهم هم سادات الشاكرين ..
ثم أخبر تعالى أن النفوس جميعها معلقة بآجالها بإذن الله وقدره وقضائه: فمن حتم عليه بالقدر أن يموت مات ولو بغير سبب ؛ ومن أراد بقاءه فلو وقع من الأسباب كل سبب لم يضره ذلك قبل بلوغ أجله وذلك أن الله قضاه وقدره وكتبه إلى أجل مسمى : " إذا جاء أجلهم فلا يستأخرون ساعة ولا يستقدمون " ثم أخبر تعالى أنه يعطي الناس من ثواب الدنيا الآخرة ما تعلقت به إراداتهم فقال : " ومن يرد ثواب الدنيا نؤته منها ومن يرد ثواب الآخرة نؤته منها "
قال الله تعالى : " (كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُوراً* أنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلاً * ) (الإسراء : 20 +21)
" وسنجزي الشاكرين " ولم يذكر جزاءهم ليدل ذلك على كثرته وعظمته وليعلم أن الجزاء على قدر الشكر قلة وكثرة وحسنا ...
وقال الله تعالى " وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين "
هذا تسلية للمؤمنين وحث على الاقتداء بهم والفعل كفعلهم وأن هذا أمر قد كان متقدما لم تزل سنة الله جارية بذلك فقال :
" وكأين من نبي " أي : وكم من نبي .." قاتل معه ربيون كثير " أي : جماعات كثيرون من أتباعهم الذين قد ربتهم الأنبياء بالإيمان والأعمال الصالحة فأصابهم قتل وجراح وغير ذلك ..." فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا " أي : ما ضعفت قلوبهم ولا وهنت أبدانهم ولا استكانوا أي : ذلوا لعدوهم بل صبروا وثبتوا وشجعوا أنفسهم ولهذا قال : " والله يحب الصابرين " ثم ذكر قولهم واستنصارهم لربهم فقال : " وما كان قولهم " أي : في تلك المواطن الصعبة " إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا " والإسراف هو مجاوزة الحد إلى ما حرم علموا أن الذنوب والإسراف من أعظم أسباب الخذلان وأن التخلي منها من أسباب النصر فسألوا ربهم مغفرتها ثم إنهم لم يتكلوا على ما بذلوا جهدهم به من الصبر بل اعتمدوا على الله وسألوه أن يثبت أقدامهم عند ملاقاة الأعداء الكافرين وأن ينصرهم عليهم فجمعوا بين الصبر وترك ضده والتوبة والاستغفار والاستنصار بربهم لا جرم أن الله نصرهم وجعل لهم العاقبة في الدنيا والآخرة ولهذا قال : " فآتاهم الله ثواب الدنيا " من النصر والظفر والغنيمة .." وحسن ثواب الآخرة "وهو الفوز برضا ربهم والنعيم المقيم الذي قد سلم من جميع المنكدات وما ذاك إلا أنهم أحسنوا له الأعمال فجازاهم بأحسن الجزاء فلهذا قال : "والله يحب المحسنين " في عبادة الخالق ومعاملة الخلق ومن الإحسان أن يفعل عند جهاد الأعداء كفعل هؤلاء المؤمنين...