1. المقالات
  2. شرح الأربعين في التربية والمنهج_عبد العزيز بن محمد
  3. الحديث الرابع عشر: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية

الحديث الرابع عشر: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية

الحديث الرابع عشر: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وعليه برد نجراني غليظ الحاشية


عن أنس بن مالك -رضي الله تعالى عنه- قال:  كنت أمشي مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه برد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، حتى نظرت إلى صفحة عاتق رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قد أثرت بها حاشية البرد من شدة جبذته، ثم قال: يا محمد مر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم ضحك، ثم أمر له بعطاء  متفق عليه.

 

قوله: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيه تواضع النبي -صلى الله عليه وسلم- في مشيته مع الصغار، مع الشاب الصغير، مع الخادم، ودعاة الخير أولى الناس بهذا، يترفع بعض الناس، ويرى أنه إذا وقف مع صبي فإن ذلك من قلة هيبته ومن إنزاله عن منزلته، وهذا جهل، دعاة الخير أولى الناس بهذا الخلق، كما كان نبينا صلى الله عليه وسلم، وقوله: برد نجراني غليظ الحاشية، البرد نوع من اللباس، ونجران المعروفة هذه، فيه زهد النبي صلى الله عليه وسلم، في ترك الترفه في اللباس،  إن الله جميل يحب الجمال  كما سيأتي.

لكن بعض الناس يُعنى، يغلب جانب الاهتمام بملابسه على أمور أخرى، نعم، تجملْ في ملابسك، ولكن التجمل الذي لا يخرجك عن الحد، المخالف للشرع من الإسراف والبذخ، وجعل هذا هو القصد الأكبر.

وفي الحديث أيضا عناية الصحابة في نقل أخبار النبي عليه الصلاة والسلام، أنس كان شابا صغيرا ، وهذا حدث وقع في حضوره هذا الأمر، فمن باب أمانته في النقل نقل هذا الخبر، لعلمه بعظيم فائدته، وفي الحديث أيضا توطين دعاة الخير على تحمل أذى الناس، وبخاصة ممن قد يكون في خُلُقه غلظة أو جهالة، هنا يتميز طالب العلم وداعي الخير عن غيره، تحمل دعوة الناس، تحمل أخلاق الناس؛ لأن ذلك ينعكس عليهم، وعليك أنت، أنت مأجور، وهذا يهيئ نفوسهم لقبول دعوتك.

ولهذا قد يغلط عليك بعض الناس، فتحمل، في البخاري نهج عمر هذا النهج، نهج النبي عليه الصلاة والسلام، دخل على عمر رجل في خلافته، بل في مجلس خلافته، فقال: يا ابن الخطاب والله ما تعطينا الجزل، وما تحكم بيننا بالعدل، قال الراوي -أظنه ابن عباس- فقام عمر وهم أن يقع به، فقال الحر بن قيس: يا أمير المؤمنين، إن الله قال لنبيه صلى الله عليه وسلم:  خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ  وإن هذا من الجاهلين، قال ابن عباس: فوالله ما جاوزها عمر حين تلاها عليه، وكان وقافا عند حدود الله.

أنت يا داعي الخير يا طالب العلم أولى الناس بهذه الأخلاق، وقد رأينا من مشايخنا صبرا وتحملا لأمور لو حصلت لبعضنا قد يثور ويخرج من طوره، لكن الحلم والتخلق بهذه الأخلاق العظيمة يزيدك عند الله رفعة ثم عند الناس، وأيضا يهيئ الناس لقبول دعوتك.. أذكر أن رجلا في درس سماحة الشيخ ابن باز -رحمه الله تعالى- في عام اثنين وتسعين للهجرة بعد المائة الثالثة والألف سأل الشيخ سؤالا فكأن الشيخ ما سمع السؤال، أو أراد أن يستوضح عفوا من السائل، فقاطع الشيخ السائل ليستوضحه، فقال السائل وكان رجلا كفيفا كبير السن: اصبر يا شيخ، ثم أعاد السؤال فكأن الشيخ رحمه الله لبعد السائل عن الشيخ أراد الاستيضاح، فأيضا الشيخ قاطعه ليطلب منه الاستيضاح، فقال: يا شيخ لا تعجل، والثالثة أيضا أمر الشيخ بالاستيضاح، فقال: يا شيخ لا تعجل أنت مفتٍ لا تخطئ في الفهم اسمع السؤال كاملا ثم أجب، فقال الشيخ: خيرا إن شاء الله، لو قال هذا لبعضنا قد يكون ما لا تحمد عقباه.

في قوله: يا محمد، فيه ذم من كره أن ينادى باسمه العلم، بعض الناس قد يخطئ أو قد يناديه بعض الناس باسم، باسمه العلم، فيرى أن ذلك تنقص في حقه، يعني مثلا يقول: أيها الشيخ، أيها كذا، انظر مَن المخاطب أولا، مَن المخاطب لك، حتى ولو كان المخاطب لك ممن يعرف بالمشيخة، الأولى أن يعود الإنسان بخاصة داعي الخير نفسه. يا محمد مر لي من مال الله، بعض الناس يكره إلا أن يلقب بألقاب التفخيم، ينبغي أن تفرق بين المنادي لك، فإن كان من عامة الناس، أو ممن يجهل، أو ممن في خلقه جفاء أن تتحمل ذلك، والنبي -عليه السلام- هنا تبسم، في ذلك أن على دعاة الخير أن يفعلوا قبل إجابة السائل ما يُرغِّب السائل في قبول دعوتهم.

يلحظ في بعض مسائل أئمة الدعوة -عليهم رحمة الله- وبخاصة الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله، اعلم علمني الله وإياك، اعلم رحمك الله، اعلم أرشدك الله تعالى، هذا يهيئ النفس لقبول ما سيقال، من أساليب العرب أنها تستفهم في أول الكلام لتشوق السامع للكلام، كذلك أيضا من الأساليب المشوقة لقبول الكلام الدعاء، إذا أتاك رجلا يسأل، أو أردت أن تنصح فتقول: اسمع هداك الله، اسمع بارك الله فيك، جوابك رعاك الله كذا وكذا، أقول لك: غفر الله لك ولوالديك، هذا الكلام مقدمة يعقبه نتيجة، المقدمة هذه يعقبها التقبل والقبول من السامع لك.

أيضا فيه، الحديث، أن على داعي الخير أن يعطي السائل جواب سؤله ولو أساء الأدب، يشفع لإساءته جهله، فلا تحرمه أو فلا تجعله يصاب بأمرين: أساء الأدب معك، ولم يأخذ منك خيرا. ولكن إساءته الأدب هذا خطأ لكن أيضا حرمانه من الخير خطأ أكبر، فإياك أن تغفل هذا الأمر، احتسب أذيته لك، وفي المقابل احتسب تعليمك له.

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day