البحث
الحديث العاشر: إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله
الحديث العاشر: إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله
وعن عائشة -رضي الله تعالى عنها- قالت: استأذن رهط من اليهود على النبي -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: السام عليكم، فقلت: بل عليكم السام واللعنة، فقال يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، قلت: أولم تسمع ما قالوا! قال: قلت: وعليكم أخرجه البخاري.
وعنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا عائشة إن الله رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه أخرجه مسلم.
قول اليهود: السام عليك فيه أن حقد اليهود عظيم، وفيه أن اليهود قوم بهت، وفيه عظيم بغض اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم، ولدينه، ولأمته عموما، وفيه أنه إذا كان أعداء الإسلام يقدحون في النبي -صلى الله عليه وسلم- في حياته بل وبمحضره فليس غريبا عليهم أن يقدحوا فيه بعد مماته؛ ولهذا ما حصل من قدح في النبي -عليه الصلاة والسلام- على تقادم الأزمان ليس غريبا، فقد قدحوا فيه بمحضره صلى الله عليه وسلم، وهذا دليل على عظم دينه، وعظم شأن النبي صلى الله عليه وسلم، وفيه أيضا أن شانئ النبي -عليه الصلاة والسلام- وأن القادح فيه والذامّ له أنه هو الخاسر، وليس هذا مقصورا على النبي عليه الصلاة والسلام، بل وفي حقه آكد، ثم أيضا في حق من نصر سنته واتبع هديه: وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ كل من آمن وسلك السبيل السوي.
وفيه أيضا عظيم كيد أهل الضلال، وأنهم قد يؤذون داعية الخير، ولو في عقر داره، انظر: جاءوا إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- في بيته، أضيافا عليه، وكان -عليه السلام- أكرم الناس، فأدخلهم في داره، ومع هذا آذوه بالقول، كما آذوه من قبل ومن بعد بالفعل، وعلى داعي الخير أن يوطن نفسه، قد يؤذى في بيته، يهان في شخصه، في سمعته، فإذا كان على خير فلا ضير، وفيه أيضا في قوله عليه الصلاة والسلام: إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله فيه أن من أسماء الله الرفيق: إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله وفيه فضل الرفق، والتأني في الأمر قبل القطع فيه، وبخاصة في دعاة الخير، تأنَّ قبل أن تدعو، تبصَّر فيما ستقول وفيما ستعمل، كم من إشاعة بنى عليها بعض الناس أمورا فزادوا الفساد فسادا، ولو أنهم ترفقوا وترووا وتأنوا لصلح العطب وزال الشر والفساد:
قـد يدرك المتأني بعض حاجته وقد يكون مع المستعجل الزلـل
وخير من قول الشاعر قول نبي الله صلى الله عليه وسلم: إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بأهل بيت خيرا أدخل عليهم الرفق وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: من يحرم الرفق يحرم الخير في الأمر كله وكذا قوله -صلى الله عليه وسلم- في حديث قاله ابن القيم في إعلام الموقعين إسناده جيد: التأني من الله، والعجلة من الشيطان وكذا قوله صلى الله عليه وسلم: التؤدة في كل شيء خير، إلا في أمر الآخرة التؤدة الترفق، وليس المراد أن تأخذ الأمور جزافا، ولكن تبادر وتسارع إلى فعل الخير ببصيرة، بعلم وبصيرة، وفيه إثبات صفة الرفق لله تعالى، والمحبة؛ إثبات صفة المحبة لله تعالى، يحب الرفق في الأمر كله، وفيه أن في الرفق حصول الخير للداعي والمدعوين، كما أن في العنف حصول الضرر للداعي والمدعوين، فعلى داعية الخير أن يترفق، وليس المراد أن يتقاعس وأن يتكاسل، لا، الترفق أن يأخذ الأمر بروية، وأن لا يتسرع فيندم ويعض أصابع الندم.