البحث
الحديث الثالث عشر: في كل ذات كبد رطبة أجر
الحديث الثالث عشر: في كل ذات كبد رطبة أجر
عن أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بينما رجل يمشي بطريق اشتد عليه العطش، فوجد بئرا فنزل فيها فشرب، ثم خرج فإذا كلب يلهث يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب، فشكر الله له فغفر له، قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجرا؟ فقال: نعم، في كل ذات كبد رطبة أجر متفق عليه.
في الحديث أن لداعي الخير أن يسوق الأخبار والقصص، ولا يثرب على من ذكر الأخبار والقصص، بشرط أن تكون قصصا حقة، وأن يفيد الناس بسوقه لها بذكر العبر والاعتبار، وفي الحديث أيضا، عند قوله: لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي فيه أن تذكر النعم يُعين على شكرها، وبخاصة إذا رأى من حُرِمَها، ودعاة الخير أولى الناس بهذا، إذا أنعم الله عليك بالعلم، ورأيت من جهل فاحمد الله، وبلغ العلم.
فإذا كان هذا الرجل لما شرب وارتوى سقى الكلب، وتذكر نعمة الله عليه، فسقى حيوانا فأُجِر عليه، ما بالك بمن علَّم أو سقى الناس حياة القلوب، الطعام حياة الأبدان، والعلم حياة القلوب، وحياة القلوب أعظم من حياة الأبدان، كما أن موت القلوب أعظم من موت الأبدان.
وفي الحديث أيضا: " السعي في عمل الخير مع كل أحد " التقرب إلى الله في عمل الخير، تقدم قبل قليل أن إماطتك الأذى صدقة، هنا مخلوق له كبد رطبة، روح، كلب تؤجر عليه، فمن باب أولى أن لا يسترخص الإنسان عملا فيه شيء من الخير، هنا صدقت نية الرجل، وأعطى الكلب لذاته، يعني لم يره أحد ولم ينتظر أجرا، بل أعطاه لأنه شعر أن الكلب قد بلغ منه العطش والألم كما بلغ به، فكان عاقبة أمره خيرا، وعاقبة أمره أجرا عظيما.
وفيه أن شكر الله تعالى يكون بالقول والفعل، وحتى تكون الفائدة كاملة، قالوا: شكر الله -جل وعلا- على أربعة أقسام: بالقول باللسان، وبالقلب، وبالجوارح، وبالنعمة ذاتها.
فباللسان يلهج لسانك بشكر الله تعالى، وبالقلب أن تعتقد أن كل ما تيسر لك من النعم فهو من فضل الله ورحمته، وبالجوارح أن تسخر جوارحك في طاعة الله وأن تكفها عن معصية الله، فهذا شكر لله بنعمة الجوارح، وبالنعمة ذاتها آتاك الله مالا أنفق في طاعة الله، آتاك الله علما علم الناس كما علمك الله، وفي قول الصحابة: يا رسول الله إن لنا في البهائم أجرا، فيه حرص الصحابة على جميع سبل الخير.
ومن ذلك أن على داعي الخير أن يحرص على كل سبيل يحصل به خيرا، وأن لا يسترخص شيئا من ذلك، وفي الحديث الرد على جمعيات الرفق بالحيوان، وطالب العلم ينبغي أن يكون على بينة فيما يُرمى به الإسلام من الشبهات والتضليل، وبخاصة أن كثيرا من ضعفاء النفوس من المسلمين ينساق وراء هذه الشبهات جهلا أو مرضا، مرضا قلبيا.
ففي هذا الحديث رد بليغ على جمعيات الرفق بالحيوان الزاعمة بأن الإسلام ظلم الحيوان، وهذه الجمعيات تنشط عند قدوم عيد ماذا؟ الأضحى، وبخاصة في البلاد التي فيها أقليات إسلامية، والإسلام العظيم قد أعطى الحيوان حقوقه، ولو تأملت في النصوص الشرعية لوجدت أن تلك الجمعيات قد ظلمت الإنسان والحيوان سويا.
أنفقت الأموال الطائلة على الحيوانات، وضيعت حقوق الإنسان، مساجد تهدم، وحيوانات تكرم، أطفال ييتمون، ونساء ترمل، ومدارس تهدم، وكلاب وقطط يعقد لها حفلات، ويعقد لها اجتماعات، بل أعجب ما قرأت وأستميحكم عذرا عن مصنع لعطر خاص للكلاب، فهنيئا للكلاب بالكلاب، وعزاء لك أيتها العقول، كنت في دولة أوروبية، كنت أعبر الشارع كان ورائي امرأة تقود كلبا بسلسلة، ومع الكلب صبي يمشي وراءه، المهم بعد ما عبرت الشارع سمعت صوت كوابح سيارة، فالتفت فإذا بالمرأة تتكلم بشدة على سائق السيارة، أنا لا أفهم تلك اللغة، فسألت المترجم، فقال: تقول له سأقيم عليك دعوى في المحكمة؛ لأنك عرضت حياة كلبي للموت. قلت: والطفل؟ قال: لم تذكر طفلها في الكلام.
نحمد الله على نعمة العقل، نعمة الفطرة؛ ولهذا أذكر لكم بعض عناية الإسلام بالحيوان، أذكر لكم بعضا من ذلك، قال صلى الله عليه وسلم: دخلت النار امرأة في هرة لاحظ، رتب دخول النار أو جعل من أسباب دخول النار تعذيب ماذا؟ الحيوان، بينما هنا غفر الله له بإكرامه أو بسقيه الحيوان، ودخل النبي عليه الصلاة والسلام -فيما رواه مسلم- حائطا أي بستانا، سمي بالحائط لأنه محوط، فإذا بجمل يأتي إلى النبي عليه السلام، ويبرك عند قدميه، وتذرف عينا الجمل، فقال عليه الصلاة والسلام: من صاحب هذا الجمل أو البعير، فجاء فتى للأنصار معه عصى غليظة، قال: أنا يا رسول الله، قال: اتق الله في بعيرك هذا، فإنه قد شكا لي أنك تجيعه وتدئبه -تضربه- وفي المسند: أن النبي -عليه السلام- كان في الصحراء مع بعض أصحابه جلوسا، فجاءت حمرة من طيور البر، تحوم فوق رأس النبي عليه الصلاة والسلام، فقال عليه الصلاة والسلام: من فجع هذه بولدها، قالوا أو قال بعض الصحابة: يا رسول الله، أنا أخذت بيضها، قال: رد عليها بيضها .
ورأى النبي -عليه الصلاة والسلام- رجلين يتكلمان وهم جالسان راكبان على حمارين، فقال: لا تتخذوا هذه الدواب كراسي وقال عليه الصلاة والسلام: إذا قتلتم فأحسنوا القتلة، وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبحة، وليحد أحدكم شفرته، وليرح ذبيحته وأوجب الفقهاء على من كان عنده بهيمة أن يطعمها، فإن كان عاجزا فليبعها أو ليذبحها، بل ذكر بعضهم إذا لجأت إلى بيته قطة عمياء أن يطعمها، وذكر بعض الشافعية أن على الطيان -الطيان من يطين الجدر- يجب عليه قبل أن يطين الشقوق أن يتأكد هل فيها ماذا؟ طيور من عصافير أو غيرها.
ورفع إلى بعض أئمة المالكية، القابسي، أن رجلا أراد أن يذبح تيسا فجرَّح مكان الذبح بالسكين يزيل الشعر، فقال: هذا يعزر ويذاق تعزيرا وجيعا حتى يتأدب، بهيمة، فهذه الأمور شيء يسير مما جعله الإسلام لحق الحيوان، فينبغي لطالب العلم أن يكون على بينة؛ لأن هذه الشبهات تثار في كل عام.