البحث
الطفل من 4 سنوات وحتى 10 سنوات
(41) ويصحبهم صلى الله عليه وسلم في الطريق واعظاً ومعلماً على قدر عقولهم :
الطفل من حقة أن يصحب الكبار ليتعلم منهم ، فتتهذب نفسه ، ويتلقح عقله ، بلقاح العلم والحكمة ، والمعرفة والتجربة ، فتتهذب أخلاق ، وتتأصل عاداته . وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة في ذلك ، فعلمنا أنه صحب أنساً ، وكذلكم صحب أبناء جعفر ابن عمه ، والفضل ابن عمه . وها هو عبد الله بن عباس ، ابن عمه صلى الله عليه وسلم يسير بصحبه النبي صلى الله عليه وسلم على دابته ، فيستفيد النبي صلى الله عليه وسلم من تلك الصحبة في الهواء الطلق ، والذهن خال ، والقلب متفتح ، فيعلمه كلمات ، على قدر سنة واستيعابه ، في خطاب مختصر ومباشر وسهل ، مع ما يحمله من معان عظيمة يسهل على الطفل فهمها واستخلاصها ، يقول " يا غلام ، إني أعلمك كلمات ، احفظ الله يحفظك ، احفظ الله تجده تجاهك ، إذا سألت فاسأل الله ، و إذا استعنت فاستعن بالله ، و اعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء ؛ لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك ، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء ؛ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك ، رفعت الأقلام وجفت الصحف "
الراوي: عبدالله بن عباس - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2516
إن النبي صلى الله عليه وسلم وهو المعلم الأول ؛ يراعي عمر الطفل وقدراته العقلية ؛ فيعطيه الجرعة العلمية التي يستوعبها فهمه ، ويدركها عقله ، فيعتقدها قلبه ، وتظهر على سلوكه ؛ فيجتمع فيه العلم والعمل .
(42) ويستخدم صلى الله عليه وسلم العبارات الرقيقة في محادثتهم لاستماله قلوبهم :
من عوامل بناء الثقة في الطفل ، ورفع روحه المعنوية وحالته النفسية ؛ أن ينادي باسمه ؛ بل بأحسن أسمائه ، أو بكنيته أو بوصف حسن فيه . وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قدوة في ذلك ؛ فتارة ينادي الصبي بما يتناسب مع صغره ، فيقول :" ياغلام إني أعلمك كلمات . ويا غلام سم الله ، وكل بيمينك . ويا غلام أتأذن لي أن أعطي الأشياخ ؟ " وهكذا . وتارة يناديه بقوله : " يا بني " كما قال لأنس لما نزلت آية الحجاب : " وراءك يابني " .
وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أبناء جعفر ابن عمه أبي طالب : " ادعو لي بني أخي " ، وسأل أمهم عن صحتهم فقال : " ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة تصيبهم الحاجة ؟ " .
وقد بوب أبو داود باباً في ذلك قال : باب في الرجل يقول لابن غيره يابني . وتارة أخرى يناديهم رسول الله صلى الله عليه وسلم بالكنية ، فالكنية تكريم وتعظيم ، فكان يقول للطفل الصغير الفطيم : " يا أبا عمير ، ما فعل النغير ؟ " لطائر صغير كان يلعب به فمات الطائر .
وقد كان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ينادون من ولد في الإسلام من أب مسلم بقولهم: ياابن أخي . فقد مدح المسيب البراء بن عازب بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم وبيعته فقال له : يا ابن أخي ، إنك لا تدري ما أحدثنا بعده .
وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه يقول للشاب الذي سأله عن أبي جهل :يا ابن أخي وما تصنع به ؟ وكان يريد أن يقتله في غزوة بدر ، وقد كان.
(43) ويقدر صلى الله عليه وسلم للصغار لعبهم:
ماذا تقول أيها المربي حينما تعلم أن الحسين بن علي وهو طفل ؛ كان عنده جرو يتسلى به ، وأن أبا عمير بن أبي طلحة كان عنده عصفور يلعب به ، وأن عائشة رضي الله عنهما كان عندها لعب تلعب بها ؟
والجواب : أن هذا إقرار من النبي صلى الله عليه وسلم لحاجة الطفل إلى اللعب .
والجواب : أن هذا تقدير منه صلى الله عليه وسلم للعب الصبي ، لأنه ينمي عقله ، وبوسع مداركه ، ويشغل حواسه وأحاسيسه . وأن توفر اللعبة المفيدة لم يرفع عنه الحرمان ، ويعينه على بر الأبوية ، ويدخل السرور في في نفسه ، ويستجيب لميوله ويرضيه ، فينشأ طفلاً سوباً .
وقد نصح الغزالي رحمه الله أن يسمح للطفل باللعب اليسير لا باللعب الشاق بعد الانتهاء من دروسه لتجديد نشاطه ، بشرط ألا يتعب نفسه . قال " " وينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من الكتاب أن يلعب نفسه . قال : " وينبغي أن يؤذن له بعد الانصراف من الكتاب أن يلعب لعباً جميلاً يستريح إليه من تعب المكتب ، فإن منع الصبي من اللعب وإرهاقه بالتعلم دائماً يميت قلبه ، ويبطل ذكاءه ، وينغص عليه العيش ، حتى يطلب الحيلة في الخلاص منه رأساً " . وقال : " ويعود الصبي في بعض النهار المشي والحركة والرياضة حتى لا يغلب عليه الكسل " اهـ .
إن اللعب للأطفال كالعمل للرجال . والطفل الصحيح الجسم لا يستطيع أن يجلس ساكناً خمس دقائق؛ فتراه ينقب في كل شيء تقع عليه عينه ، ويقلبه ويضعه في فمه ، وقد يفكه ويحله ليبحث عما في داخله .
وقد ثبت في علم النفس أن هناك صلة كبيرة بين الجسم والعقل ، فما يؤثر في الجسم يؤثر في العقل ، وما يؤثر في العقل يؤثر في الجسم ، ولكي يستطيع الإنسان القيام بأعباء الحياة يجب أن يكون قوياً في جسمه ، سليماً في بدنه .
(44) ولا يفرق جماعتهم صلى الله عليه وسلم وهم يلعبون :
يحدث أحياناً أن يمر البعض منا على الصبيان وهم يلعبون فيقول لهم : أما عندكم شغل ؟ أو : ما لكم بيوت تأويكم ؟ إلخ ..خاصة إذا لم يعجبه شيء من لعبهم ، لكن رسولنا محمداً صلى الله عليه وسلم لم يكن كذلك أبداً ، فكيف كان إذا ؟ يقول أنس رضي الله عنه : خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً حتى إذا رأيت أني قد فرغت من خدمة ، قلت : يقيل رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت إلى صبيان يلعبون ، فجئت أنظر إلى لعبهم ، فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم على الصبيان وهم يلعبون فدعاني فبعثني إلى حاجة له ، فذهبت فيها ، وجلس صلى الله عليه وسلم في فيء حتى أتيته .. الحديث
والنبي صلى الله عليه وسلم يراعي ظروف الطفل وتلبية رغباته النفسية بعيداً عن الكبت الذي يولد الانفجار ، فسلم أولا على الصبيان ، وهذا تقدير لهم ، وتعويد على إلقاء وإفشاء السلام ، ثم جلس في الظل عندهم ينتظر أنساً ، وكلما رأوه وهو يتابعهم وينظر إليهم ويعجب ببهجتهم وحركتهم ؛ فيزداودن فرحة وسروراً ، فينشئون على حبه صلى الله عليه وسلم وهذا الذي يريد أن يغرسه فيهم عليه الصلاة والسلام .
(45) وينهي صلى الله عليه وسلم عن التفريق بينهم وبين أهليهم :
عن أبي عبد الرحمن الحبلي أن أبا أيوب كان في جيش ففرق بين الصبيان وبين أمهاتهم ، فرآهم يبكون فجعل يرد الصبي إلى أمه ويقول : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " ملعون من فرق بين الوالدة وولدها ، وبين الأخ وأخيه
" الراوي: عمران بن حصين - خلاصة الدرجة: صحيح - المحدث: محمد جار الله الصعدي - المصدر: النوافح العطرة - الصفحة أو الرقم: 337
بل إن النبي صلى الله عليه وسلم يمنع من الجلوس بين الطفل وأبيه في المجلس ، وهذا بلاشك أدب هام وعظيم من آداب مجلس الأطفال مع الكبار . لأن أهل الطفل هم أعرف الناس بميوله وعاداته ، وإيجابياته وسلبياته ، وخطئه وصوابه ، وهم الأقدر على توجيه وإرشاده ، كما أن الطفل إذا فرق بينه وبين أبيه في المجلس فإنه يشعر بالخجل والحرج وبظل شارداً بذهنه ، منتظراً متى ينتهي هذا المجلس ، فلا يستفيد من جلسته مع الكبار شيئاً ، لذلك رحم الرسول صلى الله عليه وسلم شعور الطفل ونفسيته من تلك المعاناة فقال : " لا يجلس الرجل بين الرجل وابنه في المجلس " ( اخرجه الطبراني ) .
(46) ويبتعد كثيراً عن لومهم وعتابه صلى الله عليه وسلم :
إن كثرة الملامة تجر إلى الندامة ، والإسراف في التوبيخ والتأنيب يزيد من فعل القبيح المعيب. وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عن ذلك ، فما كان يكثر العتاب للطفل واللوم على تصرفات ما ، وهو بهذا المسلك صلى الله عليه وسلم إنما يزرع في نفس الطفل روح الحياء ، وينمي فيه فضيلة الانتباه والملاحظة ، والارتباط بذلك الخلق العظيم ، وكل هذا ظهر في أنس رضي الله عنه الذي يصف التربية العالية التي رباه عليها الرسول صلى الله عليه وسلم فيقول : خدمت النبي صلى الله عليه وسلم عشر سنين ، والله ما قال لي أف ، ولا : لم صنعت ؟ ، ولا : ألا صنعت ؟ .
وفي رواية : فما أمرني بأمر فتوانيت عنه أو ضيعته فلامني أحد من أهل بيته قال : "دعوه ، فلو قدر أو قضى أن يكون كان " . وقد يقول قائل : ونحن لو فعلنا هكذا فإن الولد سيتجرأ ولن نستطيع أن نسيطر عليه أو نرشده ! ولكني أقول : فلم لم يتجرأ أنس ، أو ابن عباس ، أو زيد بن حارثة وابنه أسامة بن زيد ، وأبناء جعفر ، وأبناء عمه العباس ، وغيرهم ممن تربوا على يد المصطفى صلى الله عليه وسلم وصاروا أعلاماً للناس وأئمة للهدى ؟ لماذا لم يتجرأ هؤلاء أو بعضهم ؟ !!
والخمارين ويخرجون من أمامه راشدين ، وله شاهدين ، بأنهم ما رأو معلماً ألين ولا أحسن تعليماً منه ، كلهم عاملهم صلى الله عليه وسلم باللين والحكمة وكانت النتيجة إيجابية مائة بالمائة ولكن الفارق فعلاً أننا نتعجل ونستعجل النتائج ولا نصبر والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " فاصبر عليهم " . "فأحسن صحبتهم " .
نصيحة الغزالي :
وللإمام الغزالي رحمه الله تعالى هنا نصيحة غالية يوجهها إلى المربين : يقول : ولا نكثر القول عليه بالعتاب في كل حين ؛ فإنه يهون عليه سماع الملامة ، وركوب القبائح ، ويسقط وقع الكلام من قلبه ، وليكن الأب حافظاً هيبه الكلام معه ؛ فلا يوبخه إلا أحياناً ، والأم تخوفه بالأب ، وتزجره عن القبائح .
(47) وبحنان الأبوة يرشدهم صلى الله عليه وسلم إلى مكارم الأخلاق .
عن أنس رضي الله عنه قال : قال لي النبي صلى الله عليه وسلم : " يا بني إذا قدرت أن تصبح وتمسي ، ليس في قلبك غش لأحد فافعل " ، ثم قال لي : " يا بني ، وذلك من سنتي ، ومن أحيا سنتي فقد أحبني ، ومن أحبني كان معي في الجنة " .
الراوي: أنس بن مالك - خلاصة الدرجة: حسن غريب من هذا الوجه - المحدث: الترمذي - المصدر: سنن الترمذي - الصفحة أو الرقم: 2678
أنظروا رحمكم الله ، على أي شيء يربي النبي صلى الله عليه وسلم الأطفال حين يمسون وحين يصبحون ؟ إنه يربيهم على قول الله جل وعلا : ( فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون * وله الحمد في السماوات والأرض وعشياً وحين تُظهرون ) فيصبحهم ويمسيهم صلى الله عليه وسلم على طهارة القلب ونظافة السريرة ، وسلامة الصدر ، استعداداً ليوم لا ينفع فيه مال ولا بنون إلا من أتى بقلب سليم .
فما بالنا معاشر المسلمين نربي أبناءنا هذه الأيام مساء وصباحاً على ما لا يضر و لا ينفع
معاشر المسلمين ، هل تعلمون معنى تربية الجيل على أن يصبح ويمسي ليس في قلبه غش لأحد ؟ اقرأوا الحديث التالي تعرفوا .