1. المقالات
  2. الرسول و أطفالنا
  3. الصبي من سن 15 إلى سن 18

الصبي من سن 15 إلى سن 18

10680 2007/11/13 2024/11/24

 

 

 

(94) ويحثهم صلى الله عليه وسلم على الاستفادة من وقت البكور :


عن عثمان بن عفان قال :قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " الصبحة تمنع الرزق وعن جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " اللهم بارك لأمتي في بكورها " . فالاستيقاظ المبكر وعدم النوم صباحاً ، سبب في زيادة الرزق ، وقد رأى ابن عباس ابناً له نائماً نومه الصبح فقال له : " قم ، أتنام في الساعة التي تقسم فيها الأرزاق " .

 


 (95) ويحل لهم صلى الله عليه وسلم مشكلة الفراغ :


وذلك بحثهم على استغلال الوقت فيما يفيد كتعلم الرماية .قال سلمة بن الأكوع رضي الله عنه: مر رسول الله صلى الله عليه وسلم على نفر من أسلم ينتضلون فقال لهم أرموا يا بني إسماعيل ، فإن أباكم كان رامياً "


 وكذلك بمسابقات الجري وركوب الخيل والسباحة ، وكلها رياضيات تعلم الشجاعة والقوة والجراءة وتطرد الخوف والانطواء ، وتجعل الغلام المسلم جاهزاً دائماً لمنازلة الاعداء والقتال في سبيل الله ، وقد سبق الكلام أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يصف الشباب ليتسابقوا في الجري .


 وعن ملاء الفراغ عبادياً ارشد النبي صلى الله عليه وسلم  ابن عمر إلى قيام الليل ، وقد سبق بيان ذلك . كذلك يدلهم صلى الله عليه وسلم على أشياء هي من اللهو المباح الذي يتلهى به المسلم ويروح عن نفسه مستفيداً من ذلك فيما ينفعه . عن عبد الرحمن بن حسين رضي الله عنه  أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " .. كل ما يلهو به الرجل باطل إلا رمية بقوسه وتأديبه فرسه ، وملاعبته أهله ، فإنهن من الحق " .

 

 


أهمية مراعاة جوانب نبوغ الطفل وميوله واستعدادته :


إن الواجب الأساسي الذي لا يجوز التفريط فيه هو تعليم الأولاد أولاً فروض العين التي لا يعذر أحد بتركها ، وتلك هي أصول الإيمان وأركان الإسلام ، وواجباته ، كالطهارة والصلاة والصيام والحج وبر الوالدين ونحوها، فإذا ما علم الصبي ذلك وربي عليه ، نظر وليه في تصرفاته ورغباته ،فإن وجده مقبلاً على علوم الإسلام راغباً في حفظها والتضلع منها ، فعلهي أن يهيئ له الفرصة بالمعلم الكفء والكتاب والكفاءة لكل حاجاته ليفرغه لهذا الغرض العظيم ، حتى يصبح من علماء الإسلام ودعاة الحق .


وإن وجده مقبلاً على غيرذلك من الصناعات والمهن الاخرى المباحة غير الدنيئة وجهه إلى ما يراه راغباً فيه وأعانه بسبلها التي يتمكن بها من تحصيلها ، ولا ينبغي أن يجبره على علم لا رغبه له فيه ولا يرى عنده استعداداً له ، فإن ذلك يعوقه ويحرمه من سلوك الطريق الذي خلق مهياً له .


 وجوب تهيئة ما يوافق الطفل من الأعمال :


قال ابن القيم رحمه الله : (ومما ينبغي أن يعتمد حال الصبي وما هو مستعد له من الأعمال ومهيأ له منها ، فيعلم أنه مخلوق له ، فلا يحمله على غيره ، ما كان مأذوناً فيه شرعاً ، فإنه إن حمل على غير ما هو مستعد له لم يفلح فيه ، وفاته ما هو مهيأ له ، فإذا رآه حسن الفهم صحيح الإدراك ، جيد الحفظ واعياً ، فهذه من علامات قبوله و تهيئهُ للعلم ، لينقشه في لوح قلبه ، ما دام خالياً ، فإنه يتمكن فيه ويستقر ويزكو معه ، وإن رآه بخلاف ذلك من كل وجه ، وهو مستعد للفروسية واسبابها ، من الركوب والرمي واللعب بالرمح ، وأنه لا نفاذ له في العلم ولم يخلق له ، مكنه من أسباب الفروسية والتمرن  لذلك ، و إن رأى عينه مفتوحة إلى صنعة من الصنائع مستعداً لها قابلاً لها ، وهي صناعة مباحة نافعة للناس فليمكنه منها هذا كله بعد تعليمه ما يحتاج إليه في دينه ، فإن ذلك ميسر على كل أحد، لتقوم حجة الله على العبد ، فإن لله على عبادة الحجة البالغة ،كما له عليهم النعمة السابغة ) .


(96) ويعلمهم صلى الله عليه وسلم حب النبي وآله وأصحابه وتلاوة القرآن :


إن الفراغ الذي تحياه البشرية الآن ما هو إلا أثر من آثار فقدان القدوة الربانية الصحيحة وعلى رأسها محمد صلى الله عليه وسلم ، ولكي تعود البشرية إلى رشدها وتخرج من غيها فلا بد أن يلقن المربون أبناءهم حب النبي صلى الله عليه وسلم ويعرفهم عليه ويربطهم بشخصه الكريم ، وهذا الذي فعله أصحاب النبي مع أبنائهم ، فنشأوا على حب الرسول صلى الله عليه وسلم والتسابق على خدمته ، كأنس وابن عباس وغيرهم.

 

 


 وقد كان صلى الله عليه وسلم يربط قلوب اصحابه وأبنائهم رضوان الله عليهم بحبه ويعلمهم أن حبه من الإيمان . قال صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " .

 


 كما يربطهم بحب آل بيته ، فيقول صلى الله عليه وسلم عن الحسن والحسين أبني علي رضي الله عنهما :  اللهم إني أحبهما فأحببهما ، ومن أحبهما فقد أحبني " . ويقول صلى الله عليه وسلم عن ابيهما على رضي الله عنه   :  " وأبوهما خير منهما " .

 

 


وأما عن تعليمهم القرآن فعن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم وضع يده على كفي أو على منكبي ـ شك سعيد ـ ثم قال : " اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل" .  وقال ابن عباس : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم  وأنا ابن عشر سنين وقد قرأت المحكم . وقال أيضاً لسعيد بن جبير : جمعت المحكم في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم  فسأله وما المحكم ؟ قال : المفصل .

 

 


 قال ابن كثير رحمة الله : ( وعلى كل تقدير ففيه دلالة على جواز تعليمهم القرآن في الصبا ، بل قد يكون  مستحباً أو واجباً ، لأن في الصغر أولى من حفظه كبيراً ، وأشد علوقاً بخاطره وأرسخ وأثبت ، كما هو المعهود في حال الناس . وقد استحب بعض السلف أن يترك الصبي في ابتداء عمره قليلاً للعب ، ثم توفر همته على القراءة لئلا يلزم أولاً بالقراءة فيهملها  ويعدل عنها إلى اللعب ، وكره بعضهم تعليمه القرآن وهو لا يعقل ما يقال له ، ولكن يترك ، حتى إذا عقل وميز علم قليلا قليلاً بحسب همته ونهمته وحفظه وجودة ذهنه ، وأستحب عمر بن الخطاب رضي الله عنه  أن يلقن خمس آيات

 

 

 


 (97) وبين صلى الله عليه وسلم لهم منزلته في قلوب المؤمنين :


 يقول صلى الله عليه وسلم : " لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين " . وفي رواية : فقال عمر : يا رسول الله ، لأنت أحب إلى من كل شيء إلا نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لا والذي نفسي بيده حتى أكون أحب إليك من نفسك ، فقال له عمر : فإنه الآن والله لأنت أحب إلي من نفسي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " الآن يا عمر " يعني الآن تم إيمانك . ولما كنت هذه منزلته صلى الله عليه وسلم فكان لزاماً أن يكون مصاب المسلمين فيه عزاء في أي مصيبة أخرى، قال صلى الله عليه وسلم : " إذا " أصاب أحدكم مصيبة فليذكر مصيبته بي فإنها من أعظم المصائب " .

 

 


 (98) ويكون صلى الله عليه وسلم قدوتهم في حسن العشرة :


 قال أنس رضي الله عنه  : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من أحسن الناس خلقاً ، فأرسلني يوماً لحاجة ، فقلت : والله لا أذهب ، وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به نبي الله صلى الله عليه وسلم ، فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق ، فإذا برسول الله صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي فنظرت إليه ، وهو يضحك ، فقال : يا أنيس ، ذهبت حيث أمرتك؟ " قلت : نعم أنا أذهب يارسول الله ، قال أنس : والله لقد خدمته تسع سنين ، ما علمته قال لشيء صنعته : لم فعلت كذا أو كذا ؟ أو لشيء تركته : هلا فعلت كذا وكذا

 

 

 

 


(99) ويشجع فيهم صلى الله عليه وسلم الاعتماد على النفس والأكل من عمل أيديهم ، ويجنبهم البطالة والكسل :

 


 في هذا الشأن نرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يهتم بتنمية مواهب الطفل الاجتماعي والاقتصادي ، ويبني فبه جسور الثقة بالنفس ، والاعتماد عليها ، ليتعامل مع كثير من عناصر المجتمع ، ويتعامل مع شخصياته ، فينتفع بالتجربة ، وتزداد فيه الثقة، فتصبح حياته جادة ، ورجولته ممتدة ، فلا تعرف الميوعة إليه سبيلاً ، وتكون الرجولة عليه دليلاً . وعن عمرو بن حريث أن رسول الله صلى الله عليه وسلم مر بعبد الله بن جعفر وهو يبيع بيع الغلمان أي الصبيان قال : " اللهم بارك له في بيعه أو قال في صفقته " .

 


 وهذا لعمري لمن أعظم المواقف للنبي الكريم ، فعبد الله بن جعفر ابن عم النبي صلى الله عليه وسلم ، وأبوه قائد المسلمين وشهيدهم في غزوة مؤته ، وهو الطيار الذي يطير بجناحين في المدبوغة والقرب وغيرها ؛ فلم يخجل النبي من ذلك وهم أشرف الناس عند الله وعندالناس ، ولم يمنعه صلى الله عليه وسلم من البيع بل دعا له بالبركة والمزيد ،ولم يجعل كذلك خزانة بيت المال تحت تصرفه ، بل تركه يعتمد على نفسه ، كيف لا وهو القائل صلى الله عليه وسلم : " اللهم اجعل رزق آل محمد قوتاً " يعني رزق يوم بيوم . فليتعظ أئمة العالم من إمام العالمين !!

 

 


 إذا فالسعي على الرزق ،والأكل من عمل اليد ، والمهنة والحرفة عفة تعف المسلم عن الأخذ والسؤال . وفي باب الكسب والتجارة  والبحث على طلب الرزق عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " إن الله يحب المؤمن المحترف . وعن أمه سلمة قالت : لقد خرج أبو بكر على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم تاجرا إلى بصرى ، لم يمنع أبا بكر الضن برسول الله صلى الله عليه وسلم شحه . وقد كان نوح عليه الصلاة والسلام يصنع الفلك بأمر ربه عز وجل . وكان داود عليه الصلاة والسلام يجيد الحدادة وصناعة الدروع الحربية بتعليم الله عز وجل له . وكان المصطفى صلى الله عليه وسلم يجيد التجارة .

 

 


ومن الواجب على المسلمين أن يتقنوا الحرف والصناعات ويجيدوها ، فليس عاراً أن يجيد الإنسان صنعة من الصناعات أو حرفة من الحرف ،كما قيل :


 وليس على عبد تقي نقيصة       إذا صحح التقوى وإن حاك أو حجم


 

قال ابن القيم رحمة الله : ( ويجنبه الكسل والبطالة والدعة والراحة  بل يأخذه بأضدادها ، ولا يريحه إلا بما يجم نفسه وبدنه للشغل ، فإن للكسل والبطالة عواقب سوء ومغبة العقبى . فالسيادة في الدنيا والسعادة في العقبى لا يوصل إليها إلا على جسر من التعب )

 


قال الدكتور عبدالله قادري : وإن الذي يتأمل حال شباب المسلمين في هذا الزمان  من البطالة والكسل والراحة الجالبة للميوعة و الترهل ، بسبب الفراغ الذي أنعم الله به عليهم ، فلم يشكروا نعمته بملئه بما يعود عليهم وعلى مجتمعاتهم بالخير في الدنيا والآخرة ،وإنما ملؤوه باللهو واللعب والمتع المباحة أو المحرمة حتى أصبح كثير منهم مثل القطعان الحيوانية الضارة لأمن الناس على أموالهم ودمائهم وأعراضهم ، الذي يتأمل ذلك يبدو له جلياً ما عنته نصوص القرآن والسنة وأقوال العلماء من التحذير من الفراغ والبطالة والكسل ، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم

 

 


 (100) ويثبت صلى الله عليه وسلم حقهم في طلب العلم وتعلم القرآن :

 


المعلم نعم الأرواح وسلاح زان الأشباح . استحق طالبه استغفار الكائنات كلما غدا أو راح ، ورضا بما يصنع ؛ خفضت له الملائكة الجناح ، واستحق العلم أن يكون فرضاً من العليم الفتاح ، عن أنس بن مالك رضي الله عنه  قال : قال صلى الله عليه وسلم : " طلب العلم فريضة على كل مسلم ، 

 

 

 


 كيف وماذا يعلم الطفل في صغره ؟ 


( قال عبد الملك بن مروان لمؤدب  ولده : " علمهم الصدق كما تعلموهم القرآن ، وجنبهم السفلة ، فإنهم أسوأ الناس ورعاً ، وأقلهم أدباً . وجنبهم الخدم فإنهم لهم مفسدة ..  وأطعمهم اللحم يقووا ، وعلمهم الشعر يمجدوا وينجدوا ، ومرهم أن يستاكوا عرضاً ويمصوا الماء مصاً ، ولا يعبوه عباً ، وإذا احتجت أن تتناولهم بأدب فليكن ذلك في ستر لا يعلم به أحد من الفاشية فيهونوا عليه ) .


 وفي هذه الوصية لم يفكر عبد الملك بن مروان في التربية العلمية والدينية والأدبية وحده ؛ ولكنه فكر أيضاً في التربية الخلقية والجسمية واللسانية ، والتربية الصحية والتربية الاجتماعية . 

 

 

 وقال هشام بن عبد الملك لسليمان الكلبي مؤدب ولده :

( إن أبني هذا هو جلده ما بين عيني ، وقد وليتك تأديبه ، فعليك بتقوى الله ، وأد الامانة ، وأول ما أوصيك به أن تأخذه بكتاب الله ، ثم روه من الشعر أحسنه ، ثم تخلل به في أيحاء العرب ، فخذ من صالح شعرهم ،وبصره طرفاً من الحلال والحرام ، والخطب والمغازي ) . وقال الرشيد لمعلم ولده محمد الأمين : ( إن أمير المؤمنين قد دفع إليك مهجة نفسه ، وثمرة قلبه ، فصير يدك عليه مبسوطة ، وطاعته لك واجبه . فكن بحيث وضعك أمير المؤمنين ، أقرئه القرآن ، وعرفة الأخبار ،  وأمنعه من الضحك إلا في أوقاته ، وخذه بتعظيم مشايخ بني هشام إذا دخلوا عليه ، ورفع مجالس القواد إذا حضروا مجلسه ،ولا تمرن بك ساعةإلا وأنت مغتنم فائدة تفيده إياها من غير أن تحزنه فتميت ذهنه ، ولا تمعن في مسامحته فيستحلي الفراغ ويألفه ، وقومه ما استطعت بالقرب والملاينة ، فإن أباهما فعليك بالشدة والغلظة ) .

 

 

 


 وأما من تعلم الأطفال كتاب الله تعالى فقد قال الحافظ السيوطي : ( تعلم الصبيان القرآن أصل من أصول الإسلام ؛ فينشؤون على الفطرة ، ويسبق إلى قلوبهم أنوار الحكمة قبل تمكن الاهواء منها ؛ ويسبق إلى قلوبهم الضلال ) ، وأكد ابن خلدون هذا المفهوم بقوله : تعليم الولدان للقرآن شعار من شعائر الدين أخذ به أهل الملة ، ودرجوا عليه في جميع أمصارهم ؛ لما يسبق إلى القلوب من رسوخ الإيمان وعقائده ؛ بسبب آيات القرآن ؛ ومتون الأحاديث ، وصار القرآن أصل التعليم ؛ الذي ينبغي عليه ما يحصل بعد من الملكات .


 

كذلك قال ابن سينا في كتاب السياسة باب سياسة الرجل ولده : فإذا تهيأ الصبي للتلقين ؛ ووعى سمعه أخذ في تعليم القرآن ، وصورت له حروفه الهجاء ولقن معالم الدين . ومن شدة حرص الصحابة رضوان الله تعالى عليهم على ارتباط أطفالهم بالقرآن أن أنس بن مالك رضي الله عنه  كان إذا ختم القرآن جمع أهله وولده فدعا لهم . وهذا ابن عباس رضي الله عنه  قرأ المحكم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو طفل صغير ، فقد ذكر ابن كثير في فضائل القرآن ، عن ابن عباس رضي الله عنه  قال : توفى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنا ابن عشر سنين ؛ وقد قرأت المحكم .

 

 

 


 وكذلك السلف الصالح رضوان الله عليهم كانوا يحرصون على تعلم أطفالهم القرآن حفظه في صغرهم ؛ فقد ذكر ابن سحنون في مقدمة كتاب المعلمين أن القاضي الورع عيسى بن مسكين كان يقرئ بناته وحفيداته .. فإذا كان بعد العصر دعا ابنتيه وبنات أخيه ليعلمهن القرآن والعلم، وكذلك كان يفعل قبله فاتح صقليه بابنته أسماء التي نالت من العلم درجة كبيرة . ويحسن أن يشرح المعلم للطفل شرحاً مبسطاً على قدر استيعابه ليفتح قلبه وعقله وتكبر هذه المعاني معه في كبره ، فهذا ابن عباس يقول لأصحابه: سلوني عن سورة النساء فإن قرأت وأنا صغير.

 

 

 


 وهذا المأمون رحمه الله تعالى يفهم فهما عجيباً في القرآن وهو صغير ، فقد كان يقرأ على معلمه الكسائي ، وكان من عادة الكسائي أن يخفض رأسه إذا قرأ المأمون ، فإذا أخطأ رفع رأسه ناظراً فيرجع إلى الصواب ، فقرأ المأمون يوماً سورة الصف ، ولما وصل إلى قول الله تعالى( يأيها الذين أمنوا لم تقولون ما لا تفعلون )[ الصف : 2] ؛ رفع الكسائي رأسه ، فنظر المأمون إليه وكرر الآية وهو يفتش عن خطئه فوجدها صحيحة ، فمضى في قراءته ، ولما أنصرف الكسائي دخل المأمون على أبيه قائلاً : هل وعدت الكسائي بشيء ؟ قال : كيف علمت بذلك يا بني ؟ فأخبره بالأمر ، فسر الرشيد لفطنة ولده وشدة ذكائه . وكذلك السنة ؛ فإن السلف رضوان الله عليهم كانوا يلقنون أبنائهم السنة مع القرآن لأنهما الركنان الأساسيان في بناء الطفل علمياً ، وهذا البخاري رحمه الله تعالى يقول : ألهمت حفظ الحديث وأنا في الكتاب ، فقيل له : كم أتى عليك إذ ذاك ؟ فقال : عشر سنين أو أقل .


 وهذا الشافعي رحمه الله يقول : حفظت القرآن وأنا ابن سبع سنين وحفظت الموطأ وأنا ابن عشر سنين . ويقول سهل بن عبد الله التستوي :مضيت إلى الكتاب فتعلمت القرآن وحفظته وأنا ابن ست سنين أو سبع سنين .وهذا ابن خلدون حفظ القرآن وهو ابن سبع سنين وتعلم العلوم الكثيرة في اللغة والأدب والفقه والاصول والتفسير والحديث ونبغ في كل ما تعلمه وهو لم يبلغ العشرين من عمره . وكذلك ابن سيناء كان عالماً وطبيباً بارعاً وهو ابن 16 سنة .

 

 


تعليم الأولاد الشعر :

 

عن ابن عباس رضي الله عنه  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إن من الشعر حكمة وإذا التبس عليكم شيء من القرآن فالتمسوه من الشعر فإنه عربي " . وعنه قال : إذا قرأ أحدكم شيئاً من القرآن فلم يدر ما تفسيره فليلتمسه في الشعر فإنه ديوان العرب هذا هو الصحيح موقوف .


 وعنه أيضا رضي الله عنه  أنه سئل عن قوله عز وجل : ( يوم يكشف عن ساق ). قال : إذا خفي عليكم شيء من القرآن فابتغوه في الشعر فإنه ديوان العرب ، أما سمعتم قول الشاعر :


أصبر عناق إنه شر باق                      قد سن قوم ضرب الأعناق


وقامت الحرب بنا عن ساق  قال ابن عباس : هذا يوم كرب وشدة .


 وعن محمد بن سيرين قال : كان شعراء اصحاب محمد صلى الله عليه وسلم  عبد الله بن رواحة ، وحسان بن ثابت ، وكعب بن مالك رضي الله عنه  .


 وليس الأمر قاصراً على الرجال ، بل من النساء من لهن في ذلك اروع الأمثلة . فهذه حفصة بنت سيرين حفظت القرآن وهي بنت ثنتي عشرة سنة ، وكان أخوها محمد بن سيرين إذا أشكل عليه شيء من القرآن قال : أذهبوا فأسألوا حفصة كيف تقرأ


 وأيضاً سلمى بنت محمد بن الجزري ؛ وكنيتها أم الخير ، يقول عنها والدها شيخ الإفراء .. هي ابنتي نفع الله بها .. وعرضتها ومقدمة النحو ، ثم حفظت الألفية ،وعرضت القرآن حفظاً بالقراءة العشر ، وأكملته في الثاني عشر من ربيع الأول سنة 832هـ ، قراءة صحيحة مجودة مشتملة على جميع وجوه القراءة ؛ بحيث وصلت في الاستحضار إلى غاية لا يشاركها فيها أحد في وقتها ، وتعلمت العروض ، والعربية ، وكتبت الخط الجيد ، ونظمت بالعربي والفارسي ، وقرأت بنفسها الحديث ، وسمعت مني وعلي كثيراً ، بحيث صار لها فيه أهلية وافرة ، فالله يسعدها ويوفقها لخير الدنيا والآخرة . والأمثلة كثيرة ونكتفي لعدم الإطالة ، والله الموفق .

 

 

فطلب العلم فرض على جميع المسلمين ، رجالاً ونساءً ، صغاراً وكباراً ، والصغار يقوم به لهم كبارهم خاصة أن فترة الطفولة هي أثر وأغنى وأخصب الفترات للحفظ واتحصيل والاستفادة .

 

 

 


 وكذلك السيرة من العلوم العظيمة التي يجب أن يتعلمها الطفل ويتلقنها ؛ لأن في السيرة والقصة مشاهدة الواقع الإسلامي ومعايشته ، والتأثر به ، والقصة لها دون كبير في شد انتباه الطفل ، فهي من الأساليب المؤثرة في عقله ونموه الفكري لما لها من متعة تسهل إفادة الطفل تعليمياً باستخلاص النتائج والعبر ، قال الله تعالى وهو أصدق القائلين : ( لقد كان في قصصهم عبرة لأولى الألباب ) [ يوسف : 111] . فعن إسماعيل بن محمد بن سعد بن أبي وقاص قال : كان أبي يعلمنا المغازي والسرايا ، ويقول : يا بني ، إنها شرف آبائكم ، فلا تضيعوا ذكرها . وقال زين العابدين بن الحسين بن علي رضي الله عنهم : كنا نعلم مغازي رسول الله كما نعلم السورة من القرآن . وقال السمعاني : يجب على الآباء تعليم أولادهم أن النبي صلى الله عليه وسلم بعث بمكة إلى كافة الثقلين ،ودفن بالمدينة ، وأنه واجب الطاعة والمحبة .

 

 

 


 الرحلة في طلب العلم :


 عن كثير بن قيس قال : كنت جالساً مع أبي الدرداء في مسجد دمشق فأتاه رجل فقال : يا أبا الدرداء إني أتيتك من مدينة الرسول في حديث بلغني أنك تحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال أبو الدرداء : أما جئت لحاجة ؟ أما جئت لتجارة ؟ أما جئت إلا لهذا الحديث ؟ قال : نعم ، قال : فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً من طرق الجنة ، والملائكة تضع أجنحتها رضي لطالب العلم ، وإن العالم يستغفر له من في السماوات ومن في الأرض والحيتان في الماء وفضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب ، إن العلماء ورثة الأنبياء إن الانبياء لم يورثوا ديناراً ولا درهماً وأورثوا العلم فمن أخذه أخذ بحظ وافر


 وعن ابن شهاب عن ابن عباس قال : " كان يبلغنا الحديث عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فلو اشاء أن أرسل إليه حتى يجيئني فيحدثني فعلت، فأقبل على بابه حتى يخرج إلى في حدثني "  . وهذا رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم رحل إلى فضالة بن عبيد وهو بمصر ، قد عليه .. فقال يا فضالة ، إني لم آتك زائراً ، ولاني سمعت أنا وأنت حديثاً من رسول الله صلى الله عليه وسلم رجوت أن يكون عندك منه علم ، قال : وما هو ؟ قال : كذا وكذا .

 


  وصية لقمان الحكيم لطالب العلم :


  تحمل هذه الوصية آداباً عالية لا غنى أبداً لطالب العلم عنها . يقول شهر بن حوشب : أن لقمان الحكيم قال لابنه : يا بني ، لا تعلم العلم لتباهي به العلماء ، أو لتماري به السفهاء ، أوترائي به في المجالس ، ولا تترك العلم زهداً فيه ورغبة في الجهالة. يا بني ، أختر المجالس على عينك ، وإذا رأيت قوماً يذكرون الله فاجلس معهم ، فإنك إن تكن عالماً ينفعك علمك ، أو تكن جاهلاً علموك ، ولعل الله أن يطلع عليهم برحمته فيصيبك بها معهم . وإذا رأيت قوماً لا يذكرون الله فلا تجلس معهم ، فإنك إن تكن عالماً لم ينفعك علمك ، وإن تكن جاهلاً زادوك غيا ، ولعل الله أن يطلع علهيم بعذاب فيصيبك معهم .

 

 


 وصية الغزالي لطالب العلم :


1-  يجب على طالب العلم التحلي بمكارم الأخلاق ، والبعد عن مذموم الصفات كالغضب ، والشهوة ، والحقد ، والحسد ، والكبر ، والعجب ، كل هذه ظلمات تحجب نور العلم . وليس العلم بكثرة الرواية وما تعيه الحافظة ، وإنما هو نور البصيرة بها تميز بين الحق والباطل ، والضار والنافع ، والخير والشر ، والهدى والضلال .

 


2-      يجب أن يقلل طالب العلم من شواغله ، وما يصرفه عن التحصيل وتكريس الوقت ؛ إذ ما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه .

 


3-  ألا يتكبر المتعلم على العلم ، ولا يتآمر على المعلم ، بل يدعن لنصيحته أذعان المريض الجاهل للطبيب المشفق الحاذق . وينبغي أن يتواضع لمعلمه ، ويطلب ثواب الشرف بخدمته ، ولا ينال العلم إلا بالتواضع والانتباه وإلقاء السمع ، قال تعالى : ( إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو القى السمع وهو شهيد ) [ ق : 37] .

 


4- ألا يدع طالب العلم فناً في العلوم المحمودة ، ولا نوعاً من أنواعها إلا وينظر فيه نظراً به على مقصده وغايته .

 

 


5-ألا يخوض المتعلم في فن من فنون العلم دفعة واحدة بل يراعي الترتيب ، ويبتدئ بالأهم .

 

 


6-  ألا يخوض المتعلم في فن حتى يستوفي الفن الذي قبله ، فإن العلوم مرتبة ترتيباً ضرورياً ، وبعضها طريق إلى بعض . والموفق من راعي ذلك الترتيب والتدريج . قال الله تعالى ( الذين أتيناهم الكتب يتلونه حق تلاوته ) أي لا يجاوزون فناً حتى يحكموه علماً وعملاً .

 

 


7- اشرف العلوم العلم بالله عز وجل وملائكته وكتبه ورسله ، والعلم بالطريق الموصل لهذه العلوم .


8- أن يكون قصد المتعلم في الحال تحلية باطنة وتجميله بالفضيلة ، وفي المآل القرب من الله سبحان وتعالى ، ....


ولا يقصد به الرياسة والمال والجاه ومماراة السفهاء ، ومباهاة الأفراد .. قال الله تعالى : ( يرفع الله الذين أمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات ) .

 

 


(101) ويؤكد صلى الله عليه وسلم على اختبار المعلم الصالح :


     لا شك أن الطفل أو المتعلم عامة يحدث بينه وبين معلمه بطول الوقت والخلطة نوع من التداخل والتقليد والموافقة والمشاكلة والخلة ، لذلك أمر النبي صلى الله عليه وسلم  باختيار الخليل الناجح والجليس الصالح ، وبالأولى في اختيار المدرس والعلم . قال رسو الله صلى الله عليه وسلم : " المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل " وعن محمد بن سيرين رضي الله عنه  قال : ( المرء على دين خليلة فلينظر أحدكم من يخالل) وعن محمد بن سيرين رضي الله عنه  قال " ( إن هذا العلم دين ، فانظروا عمن تأخذوا دينكم ) . 

 

 


 وقال الماوردي : ( يجب أن يجتهد في اختيار المعلم والمؤدي ؛ الاجتهاد في اختيار الوالدة والظئر ـ المرضعة ـ بل أشد منه ؛ فإن الولد يأخذ من مؤدبه من الاخلاق والشمائل والآداب والعادات أكثر مما يأخذ من والده ، لأن مجالسته له أكثر ، ومدارسته معه أطول ، والولد قد أمر حيث سلم إلى المدرس بالاقتداء به جملة ، والائتمار له دفعة ، وإذا كان هكذا فيجب ألا يقتصر من المعلم والمؤدب على ان يكون قارئاً للقرآن وحافظاً للغة ، أو راوياً للشعر حتى يكون تقياً ، ورعاً ، عفيفاً  ، فاضل الاخلاق ، أديب النفس ، نقي الجيب ، عالمأً بالخلاق الملوك وآدابهم ، عارفا بجوامع أصول الدين والفقه ، وافياً بما ذكرنا أنه يحتاج أن يعلمه على الترتيب ، فإن فاته شيء مما ذكرنا ، فلا يفوته التقى والدين والفقه ) .


 وقد كان السلف يحرصون على اختيار المعلم والمدرس الصالح ، ولو كلفهم ذلك السفر والانتقال على أقطار بعيدة ، وأموال عديدة .  قال ابن سينا : ( ينبغي أن يكون للصبي مؤدب عاقل ، ذو دين ، بصير برياضة الأخلاق ، حاذق بتخريج الصبيان ، وقور، رزين بعيد عن الخفة والسخط ،قليل التبذل والاسترسال بحضرة الصبي ، وأن يكون حلوا لبيباً ، ذا مروءة ونظافة ونزاهة ) . وروي أن عتبة بن أبي سفيان قال لمؤدب ولده : ( يا عبد الصمد ، فالحسن عندهم ما استحسنت ، والقبيح عندهم ما ستقبحت . وعلمهم كتاب الله ، ولا تستكرههم عليه فيملوه ، ولا تتركهم منه فيهجروه ، وروهم من الشعر أعفه ، و من الحديث أشرفه ، ولا تخرجهم من علم إلى علم حتى يحكموه ، ، فإن أزدحام الكلام في السمع مضلة للفهم  ، وأدبهم دوني ، ولكن لهم كالطبيب الرفيق لا يضع الدواء إلا بعد معرفة الداء ، وروهم سير الملوك ، وجنبهم محادثة النساء ، ولا تتكلن على عذر مني ، فإن أتكلت على كفاية منك . واستزدني بزيادتك إياهم ، أزدك إن شاء الله ) .


     وقد لخص أبو شامة الشافعي في كتاب فقال : يبدأ بإصلاح نفسه ؛ فإن أعينهم إليه ناظرة ، وآذانهم إليه مصغية ، فما استحسنه فهو عندهم احسن ، وما استقبحه فهو عندهم القبيح ، ويلزم الصمت في جلسته.. ويكون معظم تأديبه بالرهبة . ولا يكثر الضرب والتعذيب .. ولا يمازح بين أيديهم أحداً ..ويقبح عندهم الغيبة ، ويوحش عندهم الكذب والنميمة ، ولا يكثر الطلب من أهلهم .

 

 

 وفي المقابل يوجه الشيخ محمد الخضر حسين رحمه الله 


ـ شيخ الأزهر سابقاً ـ تحذيراً إلى المسلمين من القذف بأبنائهم بين براثن المدارس والمعلمين الذين يضللونهم ويفسدون عقائدهم ، ويقول : ( من الذي يستطيع أن يهيئ لولده عيشاً راضياً ، وينبته نباتاً حسناً فينشأ سليم القلب ، طاهر اللسان صديقاً لا سرته ، عاملاً إعلاء شأن أمته ؟ ! ولكنه يأبى أن يفعل هذا الذي ينصح به لولده ، وجني ثمار الحمد من عواقبه ، فيعمد إليه وهو صافي الفطرة ، فيلقيه في بيئة يتولاه فيها من لا يرقبون إلا ولا ذمة . فلا يزالون يلقنونه زيفاً ، ويبذرون في نفسه شراً ، والذي خبث لا يخرج إلا نكداً .. ذلك مثل المسلم الذي يهبه الله ولداً ليسلك به هداية ، ويعده لأن يكون عضواً يرتاح لسعادة قومه ، ويتألم لشقائهم ، فإذا هو يبعث به إلى مدارس أسست لمحاربه الدين الحنيف ، ولقتل العاطفة الإسلامية ، وهي المدارس التي تنشئها في بلادنا الجمعيات التي يقال لها : جمعيات التبشير .

 

 


  إن الذي يقذف بولده بين جدران هذه المدارس ، لا تكون جريمته من جريمة أولئك الذين كانوا يقتلون أولادهم خشية إملاق ببعيد.. ألم يقم الدليل إثر الدليل على أن القائمين بأمر التعليم يلقنون أبناء المسلمين معتقدات ديانة غير إسلامية ، ويحملونهم على تقاليدها ن ويتعرضون للطعن في شريعة الإسلام بطرق شأنها أن تؤثر على الأطفال ، ومن هم بمنزلة الأطفال في عدم معرفتهم بحقائق الدين معرفة تقيهم من شر ذلك الإغواء .

 

 


ليس الذي يزج بابنه في مدارس التبشير بالذي يقتل نفساً واحدة ، ولكنه يقتل خلقاً كثيراً ، ويجني بعد هذا على الأمة بأجمعها ، ولا أقول هذه مبالغة ، فقد يصير هذا الولد أستاذاً من بعد ويفسد على طائفة عظيمة من أبناء المسلمين أمر دينهم ، ووطنيتهم ، كما أفسد عليه أولئك القُسس أمر دينه وظنيته ، وقد أرتنا الليالي أن من المتخرجين من هذه المدرسة من يملك سلطة على قوم مسلمين ، فيجدون فيه الغلظة والمكر وعدم احترام الشريعة ؛ ما لا يجدونه في الناشئ على غير الإسلام ، وقد ينال الطالب في هذه المدارس علماً ، وليس هذا العلم في جانب ما يخسره من دينه وما يفوته من الإخلاص لأمته بالشيء الذي يثقل وزنه ، ولكنها الأهواء التي أخذت القلوب ، فتبعث الرجل على أن يأخذ أبنه ، وهو كالملاك طهراً وطيبه ، ويقوده إلى حيث يشهد ازدراء قومه والطعن في الحنيفية السمحة ، فلا يلبث أن ينقلب ذلك الطهر رجساً ، وذلك الطيب الطيب خبثاً ، وتكون العاقبة ما نسمعه عن كثير من المتخرجين من هذه المدارس ، وما نرى ) .


واجبات المعلم نحو تلاميذه :

 


1- أن يشفق على المتعلمين ويجريهم مجرى بنيه . قال صلى الله عليه وسلم : " إنما أنا لكم مثل الوالد لولده أعلمكم .. " .


2- ألا يقصد بالتعليم جزاءاً ولا شكراً ، بل يقصد به وجه الله والتقرب إليه .


3-ألا يدع من نصح المتعلم شيئاًٍ ، بل ينتهز كل فرصة لنصحه وإرشاده .


4-  أن يزجر المتعلم عن سوء الأخلاق بطريق التعريض ما أمكن ، ولا يصرح ، وبطريق الرحمة لا يطريق التوبيخ .


5-  أن يراعي مستوى الأطفال من الناحية العقلية ، ويخاطبهم على قدر عقولهم ، ولا يلقي إليهم فوق مستوى إدراكهم حتى لا ينفروا من التعلم ويتخبطوا فيما لا يفهمون .


6- ألا يقبح في نفس المتعلم علوم غيره ، وينبغي أن يوسع على المتعلم طريق التعلم في غير علمه .


7-   ينبغي أن يلقي إلى المتعلم القاصر العلم الجلي اللائق به ، ولا يذكر له أن وراءه تدقيقاً وهو يدخره عنه حتى لا يفتر رغبته ويضطرب عقله .


8-أن يعمل المعلم بعلمه ، فلا يكذب قوله فعله . قال الله تعالى ( أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم ) ، ( كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون ) . 


 


( 102) ويعودهم صلى الله عليه وسلم على غض البصر وحفظ العورة :


  عن الفضل بن العباس رضي الله عنهما قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم من جمع إلى منى ، فبينا هو يسير إذ عرض له أعرابي مردفاً ابنة له جميلة ، وكان يسايره ، قال : فكنت أنظر إليها ، فنظر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلب وجهي عن وجهها ، ثم أعدت انظر فقلب وجهي عن وجهها حتى فعل ذلك ثلاثاً ، وأنا لا أنتهي ، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة . وفي رواية لا بن خزيمة أن قال له صلى الله عليه وسلم : " ابن أخي ، إن هذا يوم من غض فيه بصره وحفظ فرجه ولسانه غفر له " .

 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day