1. المقالات
  2. الرسول و أطفالنا
  3. الطفل من 10 حتى سن 14

الطفل من 10 حتى سن 14

15515 2007/11/13 2024/11/21

(64) ويدعوهم صلى الله عليه وسلم للنوم المبكر بعد صلاة العشاء :

 كان النبي صلى الله عليه وسلم   يؤخر صلاة العشاء هو وأصحابه ، فكان عمر رضي الله عنه  يعجلها لصبيانه ونسائه ليناموا بعدها مباشرة ، فإذا رقدوا ذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم   فقال : الصلاة يا رسول الله ، رقد النساء والصبيان ، فخرج صلى الله عليه وسلم   ورأسه يقطر ويقول : " لولا أن أشق على أمتي أو على الناس لأمرتهم بالصلاة هذه الساعة "
 

 ومن هدي النبي صلى الله عليه وسلم   في صلاة العشاء ما قاله أبو برزة الأسلمي رضي الله عنه  : ( أن رسول الله صلى الله عليه وسلم   كان يستحب أن يؤخر العشاء التي تدعونها العتمة ، وكان يكره النوم قبلها والحديث بعدها .. ) .
 

فكم يسهر كثير من الناس في أيامنا هذه بعد صلاة العشاء ؟ ! وكم من الشباب يقضون الليل سهراً لا يعلم به إلا الله ، ثم ينامون قبيل الفجر كالجيف ولا يستيقظون إلا ظهراً ؟ الله المستعان .

 

  (65) ويفرق صلى الله عليه وسلم بينهم في المضاجع من سن العاشرة :

 

في سن العاشرة تكون غريزة الطفل في طريقها للنمو والظهور ، فلا بد من الاحتياط بسد ذريعه الفساد ، وطريق الأنحراف والانحراف ، فلا ينامون تحت لحاف واحد ، وإنما كل واحد بلحافه ، وهذا هو مقتضى التفريق وطاعة النبي صلى الله عليه وسلم   كما قال : " مروا ابناءكم بالصلاة لسبع سنين واشربوهم عليها لعشر سنين ، وفرقوا بينهم في المضاجع . وإذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره فلا ينظر إلى شيء من عورته ، فإن ما اسفل من سرته على ركبته من عورته "

 

 (66) ويمنعهم صلى الله عليه وسلم من النوم على البطن :

 

عن يعيش بن طخفة الغفاري عن ابيه رضي الله عنه  قال : بينما أنا مضطجع في المسجد على بطني إذا رجل يحركني برجله فقال : " إن هذه ضجعة يبغضها الله " قال : فنظرت ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم   . وفي رواية : " هذه ضجعة أهل النار " . ولا شكل أن النوم على البطن فيه احتكاك مذموم ، يوقظ الشهوة ويحرك الغريزة

 

(67) ويعودهم صلى الله عليه وسلم على غض البصر وحفظ العورة :

 

 عن الفضل بن العباس رضي الله عنه   قال : كنت رديف رسول الله صلى الله عليه وسلم   من جمع ، إلى منى فبينا هو يسير إذا عرض له أعرابي مردفاً ابنه له جميلة ، وكان يسايره ، قال : فكنت أنظر إليها ، فنظر إلى رسول اله صلى الله عليه وسلم   فقلب ووجهي عن وجهها ، ثم أعدت النظر فقلب وجهي عن وجهها حتى فعل ذلك ثلاثاً ، وأنا لا أنتهي ، فلم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة .

 

 وفي رواية لابن خزيمة أنه قال له صلى الله عليه وسلم   :" ابن أخي ، إن هذا يوم من غض فيه بصرة وحفظ فرجه ولسانه غفر له " .

 

 (68) ولم يضرب صلى الله عليه وسلم صبياً ولا طفلاً أبداً ، لكنه  صلى الله عليه وسلم يبين أسس الضرب وقواعده :

 

إن الغرض من العقوبة في التربية الإسلامية إنما هو الإرشاد والإصلاح ، الانتقام والتشفي . ولهذا ينبغي أن يراعى طبيعة الفل ومزاجه قبل الإقدام على معاقبته ، ويشجع على أن يشترك بنفه في تفهم وإصلاح الخطأ الذي أخطأه ، وتغفر أخطاءه وهفواته بعد إصلاحها . 

 

 مضار الضرب :

 يذكر ابن خلدون رحمه الله في مقدمته ما يفيد أنه ضد استعمال الشدة والقسوة في تربية الأطفال ، يقول : " من كان مرباه بالعسف والقهر من المتعلمين والمماليك أو الخدم ؛ سطا به القهر وضيق القهر على النفس في انبساطها ،وذهب بنشاطها ، ودعاه إلى الكسل ، وحمله على الكذب والخبث خوفاً من انبساط الأيدي بالقهر عليه ، وعلمه القهر المكر والخديعة ، فصارت له هذه عادة وخلقاً ، وفسدت معاني الإنسانية التي له " .

 

 ( ويجب ألا يمس نوع العقوبة كرامة الطفل ، وألا يكون فيها إهانة له ، كأن يضرب أمام الناس ، أو يعلن عندهم أنه سرق أو نحو هذا ، فإن للطفل شخصية يجب أن تراعى ، وكرامة يجب أن تصان .

 

وكثيراً ما أخطأ المربون الغرض من العقوبة فضلوا السبيل ، وظنوا مخلصين أن الشدة على البنين والبنات ؛ قد تأتي في ظنهم بخير ما يرجون ، وذلك لقلة يقظتهم للحقيقة المؤلمة ، فقد أدت الشدة إلى كثير من البلايا التي ولدت بعض المشاكل الاجتماعية التي يتألم منها المجتمع الإنساني ، فجعلت الطفل كائناً ميت النفس ، ضعيف الإرادة ، نحيف الجسم ، مضطرب الأعصاب ، غائر العزيمة ، قليل النشاط والحيوية .

 

 وإن كثر الضرب وشدته لا تزيد الطفل إلا بلاده وجموداً ، على أ، الطفل إذا وجد بجانبه من يبصره بالواجب بالحكمة والموعظة الحسنة ، ويستميله دائماً إلى العمل ؛ لم تكن هناك حاجة إلى هذه العقوبة القاسية ، وإذا كان الغرض من العقوبة الإصلاح فالضرب ليس بوسيلة للإصلاح ، وإن التفاهم على انفراد يؤدي إلىنتيجة أحسن من نتيجة السوط والعصا ، الخطأ أن تهدد الطفل بعقاب لن تقوم بتنفيذه ، أو لا يمكنك تنفيذه ، فقد يعودالطفل إلى الخطأ ؛ فتزداد الخطورة والمشكلة ) .

 

أقول : وإن هدي النبي صلى الله عليه وسلم   في ذلك هو أكمل الهدي ، ( وإن تطيعوه تهتدوا ) [ النور : 54] .

 

 عن عائشة رضي الله عنها قالت :" ما ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم   شيئاً قط بيده ، ولا أمراة ، ولا خادم ، إلا أن يجاهد في سبيل الله .. )) .

 

 وهذا شيء لا يفعله إلا أولوا العزم وأولوا الصبر ، فلكئي يكظم الإناسن غيظه عن ولده أو خادمه أو أمرأته فهذا لا يقدر عليه إلا الأقوياء الأشداء الذين قال عنهم النبي صلى الله عليه وسلم   : " ليس الشديد بالصرعة ، إنما الشديد الذي يملك نفسه عند الغضب .

 

 أما عن قواعد الضرب :

1- ألا يكون قبل سن العاشرة ، وهذا في شأن الصلاة التي هي الركن الأعظم بع الشهادتين ، فلا شك أن ما هو دون الصلاة من الأمور الحياتية والسلوكية والتربية فلا يضرب الطفل عليها قبل ذلك السن .

 

2- أن يقلل منه ما أمكن ، بحيث يكون كالملح في الطعام ، وهو قليل لكنه يصلح الطعام ، فإذا كثر أفسد ، وكذلك فإن كثرة الضرب تقلل من هيبته ومفعوله ، وتعود الطفل عليه ثم على البلادة . قال صلى الله عليه وسلم   : " لا يجلد فوق عشر جلدات إلا في ضربات ، وهذا في حق البالغ المكف ؛ فما بالنا فيمن عشر ضربات ، وهذا في حق البالغ المكلف ؛ فما بالنا فيمن لم يبلغ سن التكليف ؟ لا شك أنه لن يضرب إلى العشرة ، وقد كان عمر بن عبد العزيزرحمه الله يكتب إلى الأمصار : لايقرن المعلم فوق ثلاث ، فإنها مخافة للطفل . والضرب هنا يسمى تأديباً وليس عقوبة .دليل ذلك وصية رسول الله صلى الله عليه وسلم   لمعاذ بن جبل رضي الله عنه   : " .. ولا ترفع عنهم عصاك أدباً ، وأخفهم في الله " .

 

ورأى القاضي شرح ألا يضرب الصبي على القرآن إلا ثلاثاً ، كما غط جبريل عليه السلام محمداً صلى الله عليه وسلم   ثلاثاً .

 

3- علماء التفسير على أن الضرب بالسوط ينبغي أن يصيب الجلد فقط ، ولا يعدوه إلى اللحم ، فكل ضرب يقطع اللحم أو ينزع الجلد ، وجرح اللحم فهو مخالف لحكم القرآن .والمقصود قوله تعالى  ( فاجلدوا ) وهو ظاهر البشرة من جسم الإنسان .

 

4-   ألا يكون السوط غليظاً أو به عقد لورود النهي عن ذلك .

 

فعن زيد بن أسلم رضي الله عنه  أن رجلاً اعترف على نفسه بالزنا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم   فدعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم   بسوط ، فأتي بسوط مكسور فقال : " فوق هذا " فأتي بسوط جديد لم تقطع ثمرته فقال : " دون هذا " فأتي بسوط قد ركب به ولان ، فأمر به رسول الله صلى الله عليه وسلم   فجلد ، ثم قال صلى الله عليه وسلم   : " أيها الناس ، قد آن لكم أن تنتهوا عن حدود الله ، من اصاب من هذه القاذورات شيئاً فليستتر بستر الله ، فإنه من يبدي لنا صفحته نقم عليه كتاب الله " .

 

5- ألا يرفع الضارب يده رفعاً عالياً كما قال عمر رضي الله عنه   للضارب : " لا ترفع إبطك . والمقصود في هذا ألا يكون الضرب مبرحاً أي قوياً وشديداً لهني النبي صلى الله عليه وسلم   عن ذلك كما سيأتي .

 

(69) ويأمر صلى الله عليه وسلم بوقف الضرب عن الطفل إذا استغاث بالله : قال الرسول صلى الله عليه وسلم   : " إذا ضرب أحدكم خادمه فذكر الله فارفعوا أيديكم . إذا كان هذا مطلوباً مع الخادم؛ فالطفل من باب أولى ، ولا عبرة بقول أهل الجدل أن الطفل ستخذها حيلة ومخرجاً من العقوبة في كل مرة ، لأن البركة والتوفيق والهداية كلها في طاعة النبي صلى الله عليه وسلم   . قال تعالى " ( وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين ) . [ النور:54] . وصحيح أنه يمكن أن يحتال بذلك بعض الأطفال ، لكن من الذي أوصلهم إلى هذه الدرجة وأضظرهم إلى الدهاء والمكر ؟ فلا بد من التراجع من المربي ، ومراجعة الأخطاء ، والأنطلاق من القاعدة شرعية تربوية علمية صحيحة حتى لا يحدث التعاون والتصادم في الجانب التربوي .

 

 ( وأعود فأقول : إنه لا ينبغي الإكثار من العقوبة لما يترتب على ذلك من الآثار السيئة ، " فالشدة المستمرة مع الأطفال مضرة بهم جسمياً ، وخلقياً ، واجتماعياً ، ووجدانياً ، ولا بد إذا من الأخذ بالحكمة القائلة ( الوقائية خير من العلاج ) . فالمربي الحازم هو الذي يبعد الطفل عن البيئة التي تشجعه على الأخطاء .. ) .

 

(70) ويمنع صلى الله عليه وسلم من ضربه في الأماكن الحساسة وعند الغضب:

 لاشك أن الذي يعاقب طفله وهو غضبان ستكون العقوةب أولاً : غير مجدية ، ثانياً : منفرة وستورث في الطفل الكراهية ، ثالثاً : يكون الضرب ساعتها ليس للتربية وإنما للتشفي وإخراج غل الصدر كله على الطفل المسكين ، رابعاً : فإن الغاضب بهذا الوصف في الغالب أنه لن يراعي حدود الله  تعالى في الضرب ، فربما ضرب الوجه ، أو ضرب أماكن حساساة كالرأس والرقبة والفرج ؛ فإنها أماكن لا يجوز ضربها ، وربما سببت ضربة عاهة مستديمة ، بل ربما أودت بحياة الطفل او الطفلة ؛ والأمثلة كثيرة ، والمآسي مثيرة .

 

 وقد أتي علي رضي الله عنه  برجل سكران أو في حد ، فقال : اضرب وأعط كل عضو حقه ، وأتق الوجه والمذاكرين وقال رضي الله عنه  : " إذا ضرب أحدكم فليتق الوجه " . ومن هنا ندرك قيمة تكرار النبي صلى الله عليه وسلم  الوصية لرجل كلما قال أوصني قال : " لا تغضب " ، قال الرجل : ففكرت حين قال النبي صلى الله عليه وسلم ما قال ؛ فإذا الغضب يجمع الشركله .

 

 (71) ويمنع صلى الله عليه وسلم تدليل الطفل وتمييعه لما له من مضرة :

 

وكما أمر الإسلام بالحنان مع الطفل والرأفة ؛ فقد نهى عن الإفراط والغدو في هذا الحنان ، فلا مفر في بعض الاوقات من الحزم والتخويف لترتد نفس الطفل عن التمادي في الغي أو الانحراف ، وكثير من الأطفال يردعهم مجرد رؤية العصا أو السوط ، ويلزمهم ظهور أداة العقوبة ، فيسارعو إلى تجنب التعرض لها ، فتستوي تصرفاتهم وتحح مسارهم . لذلك أوص النبي صلى الله عليه وسلم معاذ بن جبل أن يلق لأولاده العصار في البيت قال معاذ رضي الله عنه  : أوصاني رسول الله صلى الله عليه وسلم بعشر كلمات ..وكذر منها : " ... وأنفق على عيالك من طولك ، ولا ترفع عنهم عصاك أدباً ، وأخفهم في الله " 

 

وعن ابن عباس رضي الله عنه  عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " علقوا السوط حيث يراه أهل البيت " .

 

 فالنبي صلوات الله وسلامه عليه لا يريد أن يكون من وراء حب الطفل والحنان عليه تدليل وتفريط ، ومجاراة للطفل في جميع أهوائه ، فيفعل ما يشاء ويقضي ما هو قاض ؛ فإن ذلك جناية كبرى على الولد . والنبي صلى الله عليه وسلم يقول " ألا لا يجني جان إلاعلى نفسه ، ولا يجني والد على ولده ، ولا يجني ولد على والده " .

 

فإذا فعل الإنسان ما يوجب العذاب على غيره ؛ فهذه هي الجناية علىالغيرة ، كما يتسبب بعض الآباء في عذاب الله لأبنائهم بسبب تدليلهم وحبهم  المفرط ؛ الذي ينتج عنه عدم الاخذ على أيديهم لتعويدهم طاعة الله والوقوف عند حدوده ، والله تعالى أمر مثل هؤلاء الآباء وأمثالهم ، بل وسائر الذين آمنوا بقوله جل وعلا"( يا أيها الذين أمنوا قوا أنفسكم وأهليكم ناراً وقودها الناس والحجارة عليها ملائكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون [ التحريم : 6 ].

 

ضرر مخالطة الطفل لأهل الميوعة والدلال :

 ( قال الغزالي رحمه الله : " ينبغي أن يحفظ الصبي عن الصبيان الذين عودوا التنعم والراهية ، ولبس الثياب الفاخرة .

 وألا يسمح له بمخالطتهم . فإن الصبي إذا أهمل في بدء حياته خرج في الأغلب ردي الاخلاق ، كذاياً ، حسوداً ، سروقاً ، ذا فضول وكيدوجانبة .وإنما يحفظ عن جميع ذلك بحسن التأديب ، وكمال التربية " .

 

فينبغي ألا يسمح للطفل بمخالطة المدللين من الأطفال ؛ لأنهم لا يصلحون للحياة التي تنتظرهم ؛ فقد وجدوا الحياة سهلة ميسرة لهم ، كلها نعيم ورخاء ، اعتمدوا على ثروة آبائهم وأمهاتهم ، فناموا واستعذبوا النوم ، وصارت حياتهم كلها حياة خمول وكسل ، وجعلوا ليلهم نهاراً ، ونهارهم ليلاً ، وأصبحوا جرثومة من الفساد ، وإن المربين يرون أن أهم مرحلة في الحياة هي مرحلة الطفولة المبكرة ، في الخمس سنوات الأولى من حياته. فإذا أهمل في بدء حياته صار غالباً فاسد الخلق ، كثير الكذب ، كثير الحقد والحسد كثير السرقة والنميمة والالحاح ، فضولياً يتدخل فيما لا يعنيه ، ويكيد لغيره من زملائه ، ذا مجون لا يبالي بما يصنع ، الخلق ، ومن هذه الرذائل كلها إذا عنينا بتربيته كل العناية في طفولته وأطوار حياته ، ولا يستطيع أحد أن ينكر أثر في تربية الطفل .

 

(72) ويزورهم صلى الله عليه وسلم في مرضهم ويدعوهم ويقرأ عليهم :

 كان النبي صلى الله عليه وسلم غلام يهودي يخدمه ، فمرض ذلك الغلام ، فأتاه النبي صلى الله عليه وسلم يعوده فقعد عند رأسه ، فقال له : " أسلم " فنظر الغلام إلى أبيه وهو عنده ، فقال أبوه : أطع أبا القاسم ، فأسلم الغلام ثم مات ، فخرج النبي صلى الله عليه وسلم وهو يقول " الحمد لله الذي أنقذه بي من النار " . وجاءت امرأة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بولدها فقالت : يارسول الله ، إن به لمما وإنه يأخذه عند طعامنا ، فيفسد علينا طعامنا ، فمسح صلى الله عليه وسلم صدره ودعا له فثع فخرج من فيه مثل الجرو الأسود فشفى .

 

 وعن السائب بن بزيد قال : ذهبت بي خالتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ، إن ابن أختي وجع ، قال : فمسح رأسي ودعا لي بالبركة ، ثم توضاً فشربت من وضوئه ثم قمت خلف ظهره ، فنظرت إلى خاتم النبوة بين كتفيه مثل زر الحجلة .

 

 وعن البراء قال : دخلت على أبي بكر أول ما قدم المدينة فإذا عائشة ابنته مضطجعة قد أصابتها حمى ، فأتاها أبو بكر فقال لها : كيف أنت يا بنيه ؟ وقبل خدها .

 

 (73) ويصحح صلى الله عليه وسلم بالحكمة مفاهيمهم وأخطاءهم :

 

 عن رافع بن عمرو الغفاري رضي الله عنه  قال : كنت وأنا غلام أرمي نخلاً للأنصار ، فأتي النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: إن هاهنا غلاماً يرمي نخلنا ، فأتي بي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " يا غلام ، لم ترمي النخل ؟ " قلت : آكل ! قال : " فلا ترم النخل ، وكل ما يسقط في أسافلها " ثم مسح رأسي وقال : "اللهم أشبع بطنه " .

 

 وهذا أحد أصحابه صلى الله عليه وسلم وكان مولى من أهل فارس يقول : شهدت مع النبي صلى الله عليه وسلم غزوة أحد ، فضربت رجلاً من المشركين فقلت : خذها مني وأنا الغلام الفارسي ، فالتفت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : " هلاً قلت : خذها مني وأنا الغلام الأنصاري ؟ ! " .

 

فما أرو تعليم النبي صلى الله عليه وسلم  وهو يريد أن ينسب الغلام إلى الأنساب الشريفة ؛ أنساب الأنصار ؛ لا نسب فارس والروم . إن النبي صلى الله عليه وسلم حين يصحح الخطأ بصورة عملية ، ويدلل على تصحيحه بالقواعد العامة الشرعية ؛ يكون بذلك قد استأصل الخطأ من حذوره ؛ وحقق ربحاً هائلاً في منهج التربية الإسلامية ، وهذا الذي ينبغي أن يسير عليه ويقتدي به جميع المربين .

 

 وهذا ابن عمر رضي الله عنه  ينفذ القدوة في تصحيح خطأ الأطفال ، فقد مر بفتيان من قريش قد نصبوا طيراً ، وهم يرمون ، وقد جعلوا لصاحب الطير كل خاطئة من نبلهم ، فلما رأوا ابن عمر تفرقوا ، فقال ابن عمر : من فعل هذا ؟ لعن الله من فعل هذا ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعن من اتخذ شيئاً فيه الروح غرضا

 

 (74) ويعاونهم ويعلمهم صلى الله عليه وسلم بنفسه ما لم يحسنوا علمه :

فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه  قال : مر رسول الله صلى الله عليه وسلم بغلام يسلخ شاة ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : " تنح حتى أريك " ، فأدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم يده بين الجلد واللحم فدحس بها حتى توارت إلى الأبط ، وقال : " ياغلام ، هكذا فاسلخ " ، ثم مضى، وصلى للناس ولم يتوضأ .

 

 فلم يستنكف ويستكبر رسولالله صلى الله عليه وسلم أن يقف لدى ذلك الغلام ويساعده في علمه ، ويسهل له ما شق عليه ، ويعلمه ما لم يكن يعلم ، ولو كان خارجاً إلى الصلاة للناس ومتزيناً بزينه المسجد ، وصدق الله تعالى لما قال عنه : ( بالمؤمنين رءوف رحيم) [ التوبة : 129] .

 

 (75) ويدربهم صلى الله عليه وسلم على العلاج الطبيعي :

 

ذكر ابن الأثير في النهاية باب ( قحم)حديث عمر رضي الله عنه  أنه دخل على النبي صلى الله عليه وسلم وعنده غليم أسود يغمز ظهره صلى الله عليه وسلم ، فقال عمر : ما هذا ؟ قال : " إنه تقحمت بي الناقة الليلة " ، أي القتني في ورطة .

 

فالنبي صلى الله عليه وسلم هاجت به الناقة حتى ألقته في حفرة فتأثر ببعض الصدمات والكدمات ثم هو يعلم ذلك الغلام الصغير في جسمه الشريف الطاهر كيف يدلك عضلاته وكدماته ليخفف من إصاباته ، وكل أب ومربي بل وكل أم ومربية في حاجة ماسة إلى تدريب أبنائهم على ذلك العلاج الطبيعي الذي يعطي العضلات عافية من التقلص والألم .

 

 لقد أصابني البرد في الساقين ، فإذا وقفت بعض الوقت أو مشيت أحسست بآلام شاقة لا تزول إلا بالتدليك والطرق الخفيف على عضلات الساقين ، فأكلف أحد أبنائي بهذا العمل فأستريح جداً بعدها مباشرة والحمد لله ، لكني أحزن في نفس الوقت عندما أتذكر أن أمي ـ عليها سحائب رحمات الله عز وجل ـ كانت تعاني أيضاً من روماتيزم الألم خاصة إذا كان الجو بارداً ، وطلبت مني تدليك ساقيها فلا أنا  أعرف ولا هي أيضاً ، وكلما تذكرت ذلك تأثرت ، ومن هنا ندرك الفائدة العظيمة من تعليم النبي صلى الله عليه وسلم التدليك بجسمه الشريف للغلام الصغير .

 

(76) وإذا عاقب الطفل عاقبة برفق ولطف صلى الله عليه وسلم :

قال النووي : روينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن بسر المازني الصحابي رضي الله عنه  قال : بعثتني أمي بقطف من عنب إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم ،فأكلت منه قبل أن أبلغه إياه ، فلما جئت أخذ بأذني وقال : " يا غدر " .

 

  (76) وإذا عاقب الطفل عاقبة برفق ولطف صلى الله عليه وسلم :

قال النووي : روينا في كتاب ابن السني عن عبد الله بن بسر المازني الصحابي رضي الله عنه  قال : بعثتني أمي بقطف من عنب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأكلت منه قبل أن أبلغه أياه ، فلما جئت أخذ بأذني وقال : " يا غدر .

 

 وقد يرى البعض أن الغلام ربما اشتهى العنب فأكل منه فليست مشكلة ؛ وهذا هو الظاهر مما حدث أنه اشتهاه ،ولكن رغم هذا هل يترك النبي صلى الله عليه وسلم الموقف يمر ولا يستفيد الطفل تعلم الأمانة والصبر وتوصيل الأمانات إلى أهلها ؟ كلا، إن إشفاق النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك الصبي أن يكون أميناً ؛ أعظم من إشفاقه على بطن الطفل إشفاقاً عليه ليذهب إلى المدرسة مستريحاً بعد أن أخذ قسطاً من النوم كافياً ، والبعض لا يرده عن أكل حرام أو سرقة لأنهيراه صغيراً لا لوم عليه ولا عتاب !! فلماذا أخرج النبي صلى الله عليه وسلم التمرة من فم الحسن إذن وقال له : " كخ .. كخ " ؟ إن المتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم لا يكون عرضة لهذه الأخطاء التي تؤثر سلباً على الطفل .

 

(77) ويخالطهم صلى الله عليه وسلم ويحدثهم عن مخالطته الكبار وهو غلام مثلهم :

          قال أنس : " إن كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ليخالطنا " .

 ويحدثهم صلى الله عليه وسلم عن حضوره مجالس الكبار وهو صغير ليرتسم في أذهانهم مخالطة الشباب للكبراء الصلحاء ، فيقول : " أشهدت حلف المطيبين ، مع عمومتي وأنا غلام ، فما أحب أن لي حمر النعم وأني أنكثه " .

 

قال الزهري : من يصب الإسلام حلفاً إلا زاده شدة ، ولا حلف في الإسلام ، وقد ألف رسول الله صلى الله عليه وسلم بين قريش والأنصار . وحلف المطيبين هو معاهدة ومعاقدة التعاضد والتساعد على نصرة المظلوم تحالفت فيه بنو هشام وبنو زهرة وتيم في دار ابن جدعان في الجاهلية ، وجعلوا طيباً في جفنة وغمسوا أيديهم فيه ، وتحالفوا على التناصر والأخذ للمظلوم من الظلم ، فسموا بذلك المطيبين . وما كان من الجاهلين من حلف على الفتن والقتال بين القبائل والغارات ؛ فذلك الذي ورد النهي عنه في قوله صلى الله عليه وسلم : "لا حلف في الإسلام " ، وما كان كحلف المطيبين وما جرى مجراه فذلك الذي قال فيه صلى الله عليه وسلم صلى الله عليه وسلم " وأيما حلف كان في الجاهلية لم يزده الإسلام إلا شدة " وبذلك يجتمع الحديثان .

 

  (78) ويسلم عليهم وهم يلعبون توقيراً لهم ولتعليمهم سنة السلام :

 

عن أنس رضي الله عنه  أنه مر على صبيان يلعبون فسلم عليهم ، وقال : كان النبي صلى الله عليه وسلم يفعله . وقد مر الحديث : " فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسلم على الصبيان وهم يلعبون" .

 

  إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يعلم أن قوة هذه الأمة في قوة شبابها وصلاحة ، لذلك فهو يبني البناء النفسي الصحيح  للأطفال ، ويربي تربية على منهج علمي دقيق ومدروس وليس عشوائياً ؛ حتى لا يشب الشباب مشوه النفسية ، محطم الشخصية .

 

(79) ويعلمهم صلى الله عليه وسلم آداب الدخول على أهلهم :

 

 قال أنس : قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم : " يا بني ، إذا دخلت على أهلك فسل ، يكن بركة عليك وعلى أهلك " . بل يعلمهم ضوابط التسليم فيقول : " يسلم الراكب على الماشي ، والماشي على القاعد ، والقليل علىالكثير ، والصغير على الكبير .

 

إن تربية الشباب منظومة متكاملة ، تشمل داخل البيت وخارجة ، في المسجد أو في المدرسة ، في السوق أو في ميدان اللعب ، وتتصل بالأهل والجيران وسائر الناس ، كل هذه لابد أن تتجه أتجاهاً واحداً ، تتضافر فيه جهودها ، وتتوحد فيه أهدافها ، وتتفق وسائلها وأساليبنها ، مستندة في ذلك إلى قدوة حسنة وسلف صالح ، حتى لا ينشأ الجيل ضحية صراع المتناقضات ، فيرى الهدم والبناء في وقت واحد ، ويرى السب والثناء في شخص واحد ، وهو بمفرده لا يستطيع الفصل بين تلك المتاقضات فلا يملك إلا تقليد كل حالة على حدة ، ومن هنا يأتي انضمام الشخصية .

 

(80) ويشجعهم صلى الله عليه وسلم على حضور الأفراح وزيادة الأقارب لأخذ التجارب :

 

 عن عبدالعزيز بن صهيب عن أنس رضي الله عنه  قال : رأى النبي صلى الله عليه وسلم الصبيان والنساء مقبلينحسبت أنه قال : من عرس ، فقام ممثلاً . وفي رواية : ممتنا ، فقال : "اللهم أنتم من أحب الناس إلى .. قالها ثلاث مرار" ، يعني الأنصار .

 

وبهذا يتم تكوين الطفل اجتماعياً بأخذه إلى الأماكن العامة والأفراح بشرط عدم مخالطة التبرج والسفور ، ولا الجلوس مع مرتكبي المخالفات الشرعية كالمدخنين والمغنين أهل الفسق .

 

 وكذلك فإن التردد على صالحي الأقارب فوق أنه قربة لله تعالى ؛ فإن فيه الاستفادة . وابن عباس رضي الله عنه  يحدثنا عن ذلك فيقول : بت في بيت خالتي ميمونة بنت الحارث رضي الله عنها ، زوج النبي صلى الله عليه وسلم فرقبت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يصلي ، فقام فبال ثم غسل وجهه وكفيه ثم نام ، ثم قام فعمد إلى القربة فأطلق شناقها ثم صب في الجفنة أو القصعة وأكب يده عليها ثم توضأ وضوءاً حسناً بين الوضوئين ، ثم قام يصلي ، فقمت عن يساره فأخذني فأقامني عن يمينه ، فتكاملت صلاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث عشرة ركعة ، قال : ثم نام حتى نفخ وكنا نعرفه إذا نام بنفخه ، ثم خرج إلى الصلاة فصلى فجعل يقول في صلاته أو في سجوده : " اللهم اجعل في قلبي نوراً ، وفي سمعي نوراً .." الحديث .

 

(81) ويحثهم صلى الله عليه وسلم على مجالس العلماء والتأدب معهم :

 

عن أبي أمامة قال : قال صلى الله عليه وسلم : إن لقمان قال لابنه : ( يا بني عليك بمجالسة العلماء ، واسمع كلام الحكماء ،فإن الله يحيي القلب الميت بنور الحكمة كما يحيي الأرض الميتة بوابل المطر ) .

 

  وعن أبي جحيفة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " جالسوا الكبراء ، وسائلوا العلماء ، وخالطوا الحكماء " .

 

 وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه  أنه كان يقول : المتقون سادة ، والفقهاء قادة ،ومجالستهم زيادة .

 

 وحث النبي صلى الل

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day