البحث
الليلة الخامسة غزوة بدر الكبرى الجزء الثالث
الليلة الخامسة غزوة بدر الكبرى الجزء الثالث
روى ابن كثير رحمه الله تعالى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خفق حفقة في العريش قم انتبه فقال : ( أبشر يا أبا بكر هذا جبريل معتجرٌّ بعمامته آخذٌ بعنان فرسه يقوده على ثناياه النقع ,أتاك نصر الله وعدته ) ..وروى ابن اسحاق عن ابن عباس قال :كانت سيماء الملائكة يوم بدر عمائم بيض قد أرخوها على ظهورهم ,إلا جبريل فإنه كان عليه عمامة صفراء .
أخرج مسلم أن ابن عباس قال :بينما رجل من المسلمين يومئذ يشتد في أثر رجل من المشركين أمامه إذ سمع ضربة بالسوط فوقه ,وصوت الفارس فوقه يقول :أقدم حيزوم ,إذ نظر إلى المشرك أمامه مستلقيا ,فنظر إليه ,فإذا هو قد خُطم أنفه وشق وجهه كضربة السوط فاخضر ذلك أجمع ,فجاء الأنصاري فحدث بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( صدقت ذلك من مدد السماء الثالثة ) .
ولقد حاز ملائكة الرحمن تلك المزية التي حازها صحابة رسول الله البدريين ,فقد روى البخاري أن جبريلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ماتعدون أهل بدر فيكم ؟ قال : ( من أفضل المسلمين )أو كلمة نحوها قال : وكذلك من شهد بدرا من الملائكة .
أنزل الله تعالى جنده من السماء تقاتل مع المسلمين ففتحوا عيونهم على بشاشة الفوز ,والفوز العظيم الذي رد عليهم الحياة والأمل والكرامة وخلصهم من أغلال ثقال ,قال تعالى : ( ولقد نصركم الله ببدر وأنتم أذلة فاتقوا الله لعلكم تشكرون ) 1.حاول أبو جهل أن يوقف سيل الهزيمة ولكنه خرّ صريعاً بسيوف المسلمين ,هو وسبعين من صناديد قريش على أيدي المسلمين ,وسقط في الأسر مثلهم ,وفر بقية الجيش يروون لمن خلفهم أن الظلم مرتعه وخيم , وأن البطر يجر في أعقابه الخزي والعار.
استشهد من المسلمين أربعة عشر رجلا ,ولما رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم قتلى المشركين ,أمر بهم فطرحوا في القليب فلما كان منتصف الليل خرج إليهم وقال لهم : ( يا أهل القليب ياعتبة بن ربيعة ,ياشيبة بن ربيعة ,يا أمية بن خلف يا أبا جهل بن هشام – فعدد من كان منهم في القليب – هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟ فإني قد وجدت ماوعدني ربي حقا ) فقال المسلمون : يارسول الله أتنادي قوما قد جيَّفوا ؟ فقال : ( ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لايستطيعون أن يجيبوني ) وناداهم في قليبهم : (يا أهل القليب بئس عشيرة النبي كنتم لنبيكم ,كذبتموني وصدقني الناس ,واخرجتموني وآواني الناس وقاتلتموني ونصرني الناس ) .وأهيل التراب على رفاتهم واستراح المسلمون من شرورهم , ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم إستعاد الالم الذي تعرض له منهم ,وكم ناشدهم الله وخوفهم إياه وتلا عليهم القرآن وهم يستهزئون .
أقام الرسول مع أصحابة في بدر ثلاثا بحمد الله ويشكره ,وعاد إلى المدينة يسوق أمامه الأسرى والغنائم ,وأرسل البشرى إلى المدينة ووصل بالنصر العظيم ,وشُده العرب قاطبة للنصر الحاسم في بدر ,واستنكر أهل مكة الخبر وحسبوه هذيان مجنون ,وماج بعضهم لما صعقوا بالفاجعة في بعض من هول المصاب .
قدمت هذه الغزوة دروس وعبر للمسلمين في كل زمان ومكان لقد أراد الله تعالى أن تكون هذه الموقعة بين الحق والباطل في خط سير التاريخ الإسلامي ,ومن ثم فرقانا في خط سير التاريخ الإنساني , أراد الله تعالى أن يعرف المسلمون على مدة التاريخ وعوامل النصر والهزيمة وأنها من الله عز وجل ,وليعلموا أن النصر ليس بالعدد والعتاد إنما بمقدار إتصال القلوب بقوة الله التي لاتقف لها قوة العباد ,وهي بهذا كتاب مفتوح تقرؤه الأجيال في كل زمان ,لاتتبدل دلالتها ولا تتغير طبيعتها ,فقد خلدها الله تعالى .
جدير بالمسلمين اليوم الوقف على هذه الغزوة كيف التقى الأباء بالابناء والأخة بالإخوة ,خالفت بينهم العقيدة وفصلت السيوف ,وغاضب الإبن المؤمن أباه الملحد ,فلا مجال للعلاقات والصلات الدنيوية إذا اختلفت العقيدة .
وفي هذه الغزوة يظهر الفرق فيما أراده المسلمون لأنفسهم وما أراده الله تعالى لهم فقد أرادوا المتاجر والعير ,وأراد الله تعالى لقاء النفير ,ليرى المسلمين مدة مابين إرادتهم بأنفسهم وإرادة الله يهم ولهم من فرق كبير , وليعلموا أن الخير دائما فيما اختاره الله سبحانه .
=-=-=
1- سورة آل عمران : 123.