البحث
رحمته وشفقته صلى الله عليه وسلم في دعوته
☼ لم تكن دعوته صلى الله عليه وسلم بمعزل عن شفقته ورحمته بأمته صلى الله عليه وسلم.
☼ فعَنْ عَبْدِ الله بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ رضي الله عنه، أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم تَلَا قَوْلَ الله عَزَّ وَجَلَّ فِي إِبْرَاهِيمَ: " رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ" [إبراهيم: ٣٦] وَقَالَ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلام: " إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ "[المائدة: 118] فَرَفَعَ يَدَيْهِ وَقَالَ: «اللَّهُمَّ أُمَّتِي أُمَّتِي» وَبَكَى.
فَقَالَ الله عَزَّ وَجَلَّ: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ ـ وَرَبُّكَ أَعْلَمُ- فَسَلْهُ: مَا يُبْكِيكَ؟» فَأَتَاهُ جِبْرِيـلُ عَلَيْهِ السَّـلام فَسَأَلَهُ، فَأَخْبَرَهُ رَسُـولُ الله صلى الله عليه وسلمبِمَا قَالَ، وَهُوَ أَعْلَمُ؛ فَقَالَ الله: «يَا جِبْرِيلُ اذْهَبْ إِلَى مُحَمَّدٍ فَقُلْ: إِنَّا سَنُرْضِيكَ فِي أُمَّتِكَ وَلَا نَسُوؤُكَ» (مسلم) .
☼ بل لم تكـن دعوته صلى الله عليه وسلم بمعـزل عن شفقته ورحمته للعـالمين؛ فقام يدعو إلى الله عزَّ وجلَّ لا يكلُّ ولا يملُّ ولا يدخر في ذلك وسعًا؛ حتى كاد يهلك نفسه الشريفة صلى الله عليه وسلم حزنًا على المشركين، لتركهم الإيمان وبعدهم عنه!!
فقال له ربه تسلية له: " فَلَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ عَلَى آَثَارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهَذَا الْحَدِيثِ أَسَفًا" [الكهف: 6]، وقال له: " لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ" [الشعراء: 3]، وقال له: " فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ" [فاطر: 8].
وكأنه عتاب وإشفاق على رسول الله صلى الله عليه وسلم لشدة ضيقه وهمِّه بعدم إيمان قومه، وهو يوقن بما ينتظرهم بعد التكذيب، فتذوب نفسه عليهم وهم أهله وعشيرته وقومه، ويضيق صدره؛ فربُّه الرءوف الرحيم يرأف به، وينهنهه عن هذا الهمِّ القاتل، ويهون عليه الأمر!!
وياله من إخلاص وجدٍّ وعزمٍ وحرصٍ على هداية الخلق؛ حتى كاد يهلك نفسه لأجلهم رحمة بهم وشفقة عليهم!!
☼ فليت شعري أين دعاة اليوم -الذين يدعون محبته صلى الله عليه وسلم والذين يريدون نصرته- أين هم من مثل هذا الجد والعزم، وتلك الشفقة والرحمة بالخلق والحرص على دعوتهم وهدايتهم؟!!
☼ لقد قال له ربه عزَّ وجلَّ: " قُمْ فَأَنْذِرْ" [المدثر: 2]؛ فقامَ صلى الله عليه وسلم وظلَّ قائمًا أكثر من عشرين عامًا صلى الله عليه وسلم.
☼ قام رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يسترِحْ ولم يسْكُنْ، ولم يَعِشْ لنفسه أو أهله!!
☼ قام صلى الله عليه وسلم وظلَّ قائمًا يحمل على عاتقه عبءَ البشرية جميعًا، وعبءَ الأمانة الكبرى في هذه الأرض.
☼ قام فشملت دعوته عليه الصلاة والسلام جميعَ الخلق، فكان صلى الله عليه وسلم أكثرَ رسلِ الله دعوةً وبلاغـًا وجهادًا، لذا كان أكثرهم إيذاءً وابتلاءً، منذ بزوغ فجر دعوته إلى أن لحق بربِّه جلَّ وعلا.
☼ وكانت دعوته صلى الله عليه وسلم كلُّها رحمة وشفقة وإحسانًا، وحرصًا على جمع القلوب وهداية الناس جميعًا، مع الترفق بمن يخطئ أو يخالف الحق، والإحسان إليه، وتعليمه بأحسن أسلوب وألطف عبارة وأحسن إشارة، متمثلاً قول الله عزَّ وجلَّ: " ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ" [النحل: 125].
☼ ومن ذلك لما جاءه الفتى يستأذنه في الزنى؛ فعن أبي أُمامة رضي الله عنه، قال: إِنَّ فَتًى شَابًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ الله، ائْذَنْ لِي بِالزِّنَا. فَأَقْبَلَ الْقَوْمُ عَلَيْهِ فَزَجَرُوهُ قَالُوا: مَهْ مَهْ.
فقال له: «ادْنُهْ»، فَدَنَا مِنْهُ قَرِيبًا، قال: «أَتُحِبُّهُ لِأُمِّكَ؟» قال: لَا والله، يَا رَسُولَ الله، جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ. قال: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأُمَّهَاتِهِمْ».
قال: «أَفَتُحِبُّهُ لابْنَتِكَ؟» قال: لَا والله، يَا رَسُولَ الله، جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ. قال: «وَلَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِبَنَاتِهِمْ».
قال: «أَفَتُحِبُّهُ لِأُخْتِكَ؟» قال: لَا والله، جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ. قال: «ولَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِأَخَوَاتِهِمْ».
قال: «أَفَتُحِبُّهُ لِعَمَّتِكَ؟» قَالَ: لَا والله، جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ. قال: «ولَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِعَمَّاتِهِمْ».
قال: «أَفَتُحِبُّهُ لِخَالَتِكَ؟» قَالَ: لَا والله، جَعَلَنِي الله فِدَاءَكَ. قال: «ولَا النَّاسُ يُحِبُّونَهُ لِخَالَاتِهِمْ».
قال: فَوَضَعَ يَدَهُ عَلَيْهِ، وقال: «اللَّهُمَّ اغْفِرْ ذَنْبَهُ وَطَهِّرْ قَلْبَهُ وَحَصِّنْ فَرْجَهُ» فَلَمْ يَكُنْ بَعْدُ ذَلِكَ الْفَتَى يَلْتَفِتُ إِلَى شَيْءٍ (أخرجه أحمد وصححه الألباني).
و(مَهْ مَهْ): كلمة زجر وإنكار بمعنى: اكفف.
وصدق الله: " وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ".
* * *