البحث
صورة النبي صلى الله عليه وسلم كما يتخيلها الغرب
من خلال بحثي في عدد من المواقع وقفت على هذا الأمر الذي وددت أن أضعه بين أياديكم ليعي كل مسلم ومسلمة حقائق الأمور وخفايا المؤامرات.
صورة النبي صلى الله عليه وسلم كما يتخيلها الغرب
ليس هناك دين في العالم يسعى لتحقيق العدالة مثل الإسلام، وليس هناك شخصية تحلت بأحسن الصفات وأجود السمات وأرفع الخلال مثل شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم.ومع كل ذلك، فإن الإسلام هو الدين الأكثر تلقيًا للهجوم من كل صوب وناحية، من الداخل والخارج، وليس هناك شخصية تعرضت للهجوم بغير حق مثل شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم. ويأتي في السياق نفسه هجوم البابا (بينديكيت) السادس عشر - أعلى رأس في المسيحية اليوم - في شهر سبتمبر عام 2006م على الإسلام، وكذلك الرسوم الدنمركية، والفيلم الهولندي (الفتنة)، والفيلم الكرتوني الساخر الذي سيصدره قريبًا أحد الإيرانيين في الغرب عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وزوجاته!وكذلك ما قاله القس الأمريكي (جيري فالويل) عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكذلك ما قاله القس (بات روبرتسون) والقس (فرانكلين جراهام) والقس (جيري فاينـز). كل ذلك الموقف السلبي المشين من النبي صلى الله عليه وآله وسلم ينبع من المخزون الثقافي والعقلي والديني والحضاري للغرب.
ولكي نعرف الامتدادات الثقافية والدينية لموقف الغرب من الإسلام ومن النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لا بد أن نعرف تاريخ التصورات الغربية عن شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وكيف كانت، وما هي دوافعها، وما هي مصادرها، وكيف تشكل، ومن شكلها، ولماذا؟
التصورات الغربية عن شخصية النبي صلى الله عليه وآله وسلم.
يمكن أن نَصف ظهور الإسلام للغرب بأنه كصدمة عنيفة، هزت الغرب من أعلاه إلى أسفله، وشككه في قدراته، وبعثرت أوراقه، وجعلته يعيد قراءة نفسه و (الآخر) من جديد.
لقد تمثل الإسلام للغرب في خطرين:
الأول:
خطر ديني، حيث اعتبروا ظهور الإسلام هو "التحدي الديني الأكبر" الذي يتطلب الرد والمقاومة والتدمير.
يقول المستشرق (منغمري وات) : (كان ظهور الإسلام بالنسبة للديانتين اليهودية والمسيحية نوعًا من التحدي الديني والتاريخي، لقد حطم الإسلام النظام البنيوي - اللاهوتي لأوروبا).
ثانيًا:
خطر دنيوي وثقافي، وتمثل في قوة تأثير الإسلام في القرون الوسطى، والذي قد عمَّ ميادين الحياة الغربية المختلفة: المعيشية، والتجارية، والاقتصادية، والسياسية، والأدبية، والعلمية، والفلسفية. وبعد أن استفاق الغرب من صدمته الأول، قرر اتخاذ الموقف المناسب من هذا الدين الجديد، ويمكن تلخيص موقف أوروبا من الإسلام في تلك المرحلة بأمرين:
أولاً: ضرورة التعلم منه، كونه الأقوى والأعلم من جهة.
ثانيًا: ضرورة التصارع معه والتصدي له كعقيدة غريبة ومعادية من جهة أخرى. يقول المستشرق (أليكسي جورافسكي): (كان موقف المسيحيين من الإسلام انفعاليًا وغير متسامح روحيًا، لأن الإسلام كان في تصورهم "تحديًا" تطلب ردًا ومقاومة واهتمامًا دائمًا به، وإنه من أجل إدارة الصراع بنجاح مع عقيدة هذا المنافس الخصم، القوي الخطير، لابد من دراسته).
تبعًا لذلك الموقف، ظهر ما يلي:
- ظهر مبدأ الصراع بين الشرق والغرب.
- ظهرت ترجمات القرآن بُغية التعرف على [الآخر الجديد] وتفكيك آلياته الفكرية.
- تفشي نزعات التبشير بالمسيحية بين المسلمين، ومن أوائل القسس مطران طليطلة الفرنسيسكاني (ريموند لول) الذي وضع خطة كاملة لكوادر التبشير المحترف.
- بداية التخطيط لشن حروب كونية [الحروب الصليبية] على البلاد الإسلامية وإخضاعهم بالقوة.
- ولادة ما يسمى بـ (علم الإسلاميات) الذي ولد في أحشاء المخططات الاستعمارية الاستراتيجية لتقاسم العالم الإسلامي.
بداية تكون التصورات الغربية عن الإسلام
كان ظهور الإسلام بحد ذاته تحديًا للغرب، وزادت الفوبيا الغربية عند الإطاحة بالدولة الرومانية في الشام ومصر وشمال أفريقيا، والبيزنطية في جنوب تركيا. لكن الكارثة العظمى –على حد وصف الغربيين أنفسهم- كانت مع بداية تحرير قبرص والأندلس، ثم انتشار المعارف الإسلامية في الجوار، وتأثيرها على العقل الأوربي.ويسجل التاريخ سنة 854م أن أسقف قرطبة اشتكى من كون المسيحيين الشباب يأخذون من الآداب العربية، ويُعجبون بالثقافة الإسلامية، مهملين الدراسات اللاهوتية المسيحية.
هذه الأمور مجتمعة دفعت الغرب لدراسة الإسلام، لأسباب، منها:
أولاً: الاستفادة من نقاط قوته.
ثانيًا: تفكيكه من الداخل.
ثالثًا: تشويه صورته داخل المجتمعات الغربية.
رابعًا: تشكيك المسلمين بدينهم.
لماذا ندرس التصورات الغربية القديمة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم؟
لا تستغرب –أخي القارئ- إذا علمتَ أن تصور الغرب للإسلام ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم في وقتنا الحاضر لا يزال رهينة التصورات القديمة!
ما هي العناصر البنيوية التي أسهمت في تشكيل هذه القوالب النمطية؟
أولاً: الميثالوجيا (الأساطير).
حيث كانت القصص والحكايات الخرافية والأساطير تُشكل المصادر الأساسي لتشكل صورة الإسلام في الغرب.
ثانيًا: الدراسات اللاهوتية (الحقد والكراهية).
باعتراف الغربيين فإن أعظم ما كُتب عن الإسلام كان بواسطة رجال الكنيسة الذين كتبوا تلك الكتب بدافع الكراهية والجهل واعتماد المصادر الميثالوجية والتي كانت أوروبا تعج بها، كقصص الحجاج والأبطال ورجال الدين الذين زاروا البلاد الإسلامية.وكان لرهبان وقسس بيزنطة دور فعال في ذلك كأمثال: (ثيوفانس الواعظ) والذين قدموا تصورات للإسلام مؤدلجة ومغلوطة، وكانت معظم معرفة أوروبا –كما يقول المستشرق جورافسكي- عن الإسلام عن طريق هؤلاء.
ثالثًا: الدراسات العقلانية (الخوف والقلق والارتباك).
وهي دراسات حاولت الاستفادة من الإنتاج العلمي الإسلامي، وفي أحيان كثيرة سرقته، لكنها في المقابل لم تخدم الصورة الإسلامية الصحيحة، بل وقعت فريسة لما كتبه رجال الدين.
رابعاً: ما كتبه نصارى المشرق عن الإسلام.
كأمثال: يوحنا الدمشقي، والذين كان يدفعهم الحقد والكراهية للإسلام ونبيه صلى الله عليه وآله وسلم، فإن ما كتبوه شكلَ مادة هامة للغربيين في تصورهم للإسلام، حيث أخذوا كلام نصارى المشرق بكل جديّة!
ما هي صورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم كما يراها الغرب في القرون الوسطى؟
تشكلت صورة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الغرب من خلال مادة تاريخية خليط، مكونة من الأساطير والخرافات، ومن ما كتبه رجال الدين المؤدلجين الذين كان محرضهم الأساس هو الكراهية، بالإضافة إلى المادة الخصبة التي كتابها نصارى الشرق بدافع الانتقام، فكانت مادة مزورة ومشوهة باعتراف كبار المستشرقين.
الصورة الأولى: نبي الإسلام كان مسيحيًا!
حاول النصارى أن يجدوا سندًا مسيحياً للنبي صلى الله عليه وسلم، فزعموا أنه كان قسيساً مسيحياً ثم ارتد عنها!
الصورة الثانية: اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالسحر.
الصورة الثانية للنبي صلى الله عليه وآله وسلم في الذهنية الغربية كانت تتمثل في وصفه بأنه ساحر معاد للمسيح.
الصورة الثالثة: اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه الشيطان أو المسيح الدجال.
الصورة الرابعة: اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بأنه داعية الانحلال الجنسي.
وهذا (دانتي أليجييري) الإيطالي من أدباء القرن الثالث عشر، يتحدث عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في كتابه (الكوميديا الإلهية- الجحيم) فيقول: "موميتو من ناشري الفضيحة والفتنة" ثم يسترسل في وصفه مجسدًا النبي صلى الله عليه وآله وسلم في تركيب سلالي متصلب من الشرور، "موميتو إلى الأبد يقطعه الشيطان في جهنم إلى نصفين من ذقنه إلى دبره، مثل برميل تمزق أضلاعه" لنشره الشهوانية المقرفة.
الصورة الخامسة: اتهام النبي صلى الله عليه وسلم بالدجل.
ومن الصور الرائجة في أوروبا في القرون الوسطى عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم تلك الصورة التي تتهمه بأن كان دجالاً ممخرقاً، يأتي بآلاعيب وحركات خفيَّة.
هل تغيرت الصورة في القرن الثامن عشر وما بعده؟
للأسف الشديد أن الصورة النمطية عن النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- في الغرب لم تتغير، فنفس الصورة التي كانت سائدة في القرون الوسطى انتقلت كما هي للقرون المتأخرة.
ما هو ملخص التصورات الغربية؟
يقول المستشرق الشهير (مونتغمري وات) في كتابه (تأثير الإسلام على أوروبا في القرون الوسطى): (وبشكل عام، فقد تكونت في وعي الأوربيين في القرون الوسطى ملامح اللوحة التالية عن الإسلام: إنه عقيدة ابتدعها محمد، وهي تتسم بالكذب والتشويه المتعمد للحقائق، إنها دين الجبر، والانحلال الأخلاقي، والتساهل مع الملذات والشهوات الحسية،نن إنها ديانة العنف والقسوة).
والسؤال الأخير: هل تغيرت الصورة في زمننا هذا؟
كلمة أخيرة.. الإسلام أتى بما يُعظم المسيح عليه السلام وأمه عليها السلام والقرآن جاءت فيه سورة تحمل اسم (مريم) تقديرًا وتبجيلاً لها ولابنها، ولم يأت القرآن الكريم بسورة تحمل اسم (آمنة)! أتى الإسلام ليمنع شتم الآلهة الباطلة حتى لا يُشتم الله، والإسلام منع شتم وسب صناديد الكفر حتى لا يؤذى بشتمهم الأحياء من ابنائهم! أتى الإسلام ليغفر ويسامح أشد أعدائه. فما بال الغرب المتمدن والمتحضر اليوم لا يختلف في تصوراته وأحكامه عما كان أيام القرون الوسطى؟
اللهم أنت حسب نبيك الأجل الأكرم وحبيبك الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم، وأنت القائل (إنا كفيناك المستهزئين) ولا نقول إلا (إنا لله وإنا إليه راجعون، ولا حول ولا قوة إلا بالله.