النهي عن الفساد في الأرض الجزء الاول

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

أيها المسلمون، اتقوا الله تعالى وراقبوه، وأطيعوه ولا تعصوه، واعلموا أن الله أمر بالإصلاح ونهى عن الفساد، قال شعيب عليه السلام لقومه

ووعد الله المصلحين ثوابا عظيما فقال

كما وعد الله أن لا يُهلك قرية أهلها مصلحون قائمون بأمر الله فقال

أيها المسلمون، وضد الإصلاح الفساد، وقد مقت الله تعالى الفساد والمفسدين فقال

ونهى عن ارتكابه فقال

وتوعد المفسدين فقال

وأهلك أمما مفسدة كثيرة، فقال عن فرعون

كما وصف المنافقين بالمفسدين، وبَـيَّـن أنهم يسمون فسادهم إصلاحا فقال:

وقد فرَّق الله بين المصلحين والمفسدين فقال

أيها المؤمنون، والفساد يتناول العقائد والعبادات والأخلاق والمعاملات، فمن صورِ فساد العقائد؛ التعلقُ بغير الله، والحلف بغير الله، والتحاكم لغير شرع الله.

ومن صور الفسادِ في العبادات؛ صلاةُ الفجر متعمدا بعد طلوع الشمس، والتقرب إلى الله بالبدع والمحدثات، كالمولد النبوي.

ومن صور الفساد في الأخلاق؛ التبرجُ والاختلاطُ بين الرجال والنساء في ميادين العمل، والوقوع في آفات اللسان، والاستماع للمعازف والأغاني، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الـحِـرَ (أي الفرج الحرام) والحرير والخمر والمعازف.[1]

ولعن النبي الكريم صلى الله عليه وسلم آكل الربا فقال: لعن الله آكل الربا ومُـــوكله وكاتبه وشاهديه. وقال: هم سواء. أي في اللعن ، لأنهم متعاونون على ذلك، والـمُوكل هو المعطي للربا.

ومن صور الفساد في المعاملات وأكثرها انتشارا؛ التعاملُ بالرشوة، وصورتها أن يدفع شخصٌ مالا لشخص ليحصل على ما ليس من حقه، أو ليُسقط حقا عليه، فعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما قَالَ: (لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الرَّاشِي وَالْمُرْتَشِي)[2].

والراشي هو معطي الرشوة، والمرتشي هو آخذها.

ومعنى الحديث: من جعلناه على عمل وأعطيناه على ذلك مالاً؛ فلا يحل له أن يأخذ شيئاً بعد ذلك، فإن أخذ فهو غُلول، والغُلولُ هو الخيانة في الغنيمة وفي بيت مال المسلمين .

ففي هذا الحديث دليل على أنه لا يجوز لمن كان موظفاً يأخذ راتباً من دائرته الحكومية أو الخاصة أن يقبل مالاً أو هدية من أحدٍ بسبب وظيفته ، فإن فعل كان غُلولاً .

وينبغي التنبيه إلى أن تغيير اسم الرشوة لا يغير في الحقيقة شيئا، فمن تعاطى الرشوة وسماها هدية أو إكرامية فهو مرتشٍ في الحقيقة، لأن العبرة بالحقائق لا المسميات.

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه كان للتوابين غفورا.