البحث
توفير المأوى لأسري و عدم التعرّض لهم بالأذى
2835
2012/06/20
2024/11/15
المطلب الثالث: توفير المأوى لهم:
حتى يتمّ النظر في شأن الأسرى كان المسلمون يجعلونهم في أحد مكانين إما المسجد وهو أشرف مكان عند المسلمين، وإما بيوت الصحابة رضوان الله عليهم .
وكان المستهدف من إبقاء الأسرى في المسجد أن يَرَوْا أخلاق المسلمين وعبادتهم لعلهم يتأثّرون بها، فيدخل الإيمان في قلوبهم، وقد حدث هذا بالفعل مع بعضهم كثمامة بن أثال رضي الله عنه [1].
وأما إبقاء الأسرى في منازل الصحابة رضي الله عنهم فكان هذا إكرامًا كبيرًا من المسلمين لهؤلاء الأسرى؛ فعن الحسن البصري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يُؤتَى بالأسير فيدفعه إلى بعض المسلمين فيقول: "أَحْسِنْ إليه"، فيكون عنده اليومين والثلاثة، فَيُؤْثِرُهُ على نفسه[2].
المطلب الرابع: عدم التعرّض لهم بالأذى
الفطرة السليمة تأبى التعذيب للنفوس البشريّة، بل إنها لا ترضى بتعذيب الحيوان أو الطير، وقد ربَّى الرسول صلى الله عليه وسلم صحابته الكرام رضي الله عنهم على الرحمة، فقد روى جرير بن عبد الله رضي الله عنه أن رسول الله قال: "مَنْ لَا يَرْحَمْ النَّاسَ لَا يَرْحَمْهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ"[3]، فكان الصحابة رضوان الله عليهم نماذج عملية في الرحمة ببني البشر جميعًا مسلمين وغير مسلمين، وقد ذُكِر قبل ذلك إنكار الرسول صلى الله عليه وسلم ضرب غلامي قريش في أحداث بدر وقوله صلى الله عليه وسلم : "إِذَا صَدَقَاكُمْ ضَرَبْتُمُوهُمَا، وَإِذَا كَذَبَاكُمْ تَرَكْتُمُوهُمَا، صَدَقَا وَاللهِ إِنَّهُمَا لِقُرَيْش.."[4]، مع أن هذين الغلامين اللذين ضُرِبَا من الجيش المعادي – جيش المشركين – ويمدَّان الجيش بالماء.
بل إن شريعة الإسلام تذهب إلى ما هو أبعد من ذلك، حيث تمنع تعذيب الأسير للإدلاء بمعلومات عن العدو، وقد قيل للإمام مالك: أَيُعذَّبُ الأسيرُ إن رُجِيَ أن يدلّ على عورة العدو؟ قال: "ما سمعت بذلك"[5].
--------------------------
[1] البخاري: كتاب أبواب المساجد، باب الاغتسال إذا أسلم (450)، ومسلم: كتاب الجهاد والسير، باب ربط الأسير وحبسه (1764)، ورواه أبو داود (2679)، ورواه النسائي مختصرًا (712 )، ورواه ابن خزيمة في صحيحه (252).
[2] الألوسي: روح المعاني في تفسير القرآن العظيم والسبع المثاني 29/ 155، والحديث من مراسيل الحسن البصري.
[3] البخاري: كتاب التوحيد، باب قول الله: "قل ادعوا الله" (6941)، ومسلم: في الفضائل، باب رحمته صلى الله عليه وسلم بالصبيان (2319)، والترمذي (1922)، وأحمد (19189).
[4] ابن هشام: السيرة النبوية 1/ 616،617 ، وانظر الصالحي الشامي: سبل الهدى والرشاد 4/27، والسهيلي: الروض الأنف 3/58 .
[5] محمد بن يوسف المواق: التاج والإكليل: 3/353.