البحث
حكمته العظيمة في جوابه لملك الجبال
عن عائشة ’ أنها قالت لرسول اللَّه : يا رسول اللَّه هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد؟ فقال: ((لقد لقيت من قومك [ما لقيت]، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة، إذ عرضت نفسي على ابن
عبد ياليل بن عبد كلال([1])، فلم يجبني إلى ما أردت، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي، فلم أسْتَفِق إلا بقرن الثعالب([2])، فرفعت رأسي، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني، فنظرت فإذا فيها جبريل، فناداني: فقال: إن اللَّه قد سمع قول قومك لك، وما ردوا عليك، وقد بعث إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم، قال: فناداني ملك الجبال وسلم عليّ، ثم قال: يا محمد! إن اللَّه قد سمع قول قومك لك، وأنا ملك الجبال، وقد بعثني ربي إليك لتأمرني بأمرك فما شئت([3])؟ إن شئت أن أُطْبِق عليهم الأخشبين)). فقال لـه رسول اللَّه : ((بل أرجو أن يخرج اللَّه من أصلابهم من يعبد اللَّه وحده لا يشرك به شيئاً))([4]).
وفي هذا الجواب الذي أدلى به رسول اللَّه تتجلى شخصيته الفذة، وما كان عليه من الخُلق العظيم الذي أمده اللَّه به.
وفي ذلك بيان شفقته على قومه، ومزيد صبره وحلمه، وهذا موافق لقوله تعالى: ﴿فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ﴾ ([5])، وقوله تعالى: ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ﴾ ([6]). فصلوات اللَّه وسلامه عليه([7]).
وأقام بنخلة أياماً، وصمم على الرجوع إلى مكة، وعلى القيام باستئناف خطته الأولى في عرض الإسلام وإبلاغ رسالة اللَّه الخالدة، بنشاط جديد، وجد وحماس، وحينئذ قال لـه زيد بن حارثة: كيف تدخل عليهم وقد أخرجوك؟ فَرُوي عنه([8]) أنه قال: ((يا زيد، إن اللَّه جاعل لما ترى فرجاً ومخرجاً، وإن اللَّه ناصر دينه، ومظهر نبيه)).