البحث
معجزات رسول الشاهد الله وأعظمها الكتاب الذي أنزل عليه
هدى للعالمين – القرآن الكريم-
القرآن الكريم: المعجزة الباقية
فضله وأثره:
إن الذين أذعنوا للدعوة المحمدية دوافعهم مختلفة: فمنهم من أذعن لها واستجاب؛ لأنه رآها دعوة فطرية تتمشى مع العقل، وتتفق مع المنطق، وتحقق الخير للفرد والمجتمع.([1])
ومنهم من أذعن لها واستجاب؛ لأنه فشل في مقاومتها واقتنع بتأييد الله سبحانه وتعالى لها.([2])
وهناك فريق آخر آمن بها بعد أن بهرته بلاغة كتابها- القرآن الكريم- وروعة معانيه ودقة ائتلاف ألفاظه ومبانيه وسمو أهدافه ومراميه.([3])
ويلزمنا هنا أن نبين ما امتاز به القرآن الكريم من ميزات كان بها أعمق الأثر في نفوس الذين قرءوه أو سمعوه أو درسوه.([4])
1- يمتاز بأنه بلغ غاية الكمال في البلاغة حتى حير العرب في زمن عظم فيه شأن البيان وعرفوا فيه باللسن والفصاحة، حيرهم وأعجزهم، فهو كلام الله سبحانه وتعالى، لقد حاولوا أن يطفئوا هذا النور ويحطموا هذه الدعوة بإعلان الحرب عليها وقتل الداعين لها.([5])
فما الذي يحوجهم إلى استخدام السنان لو كانوا يستطيعون القضاء عليه باللسان؟!([6])
ألم يكن من الأسهل عليهم أن يعارضوه بسورة أو آيات يسيرة ليقطعوا حجته ويدحضوا معجزته؟([7])
فما بالهم لم يفعلوا، وقد نكسوا رءوسهم، وأشهروا إفلاسهم، ورجعوا إليه خاضعين مستسلمين، دون أن يأخذوا عليه عيبًا في أسلوبه، أو خللا في تركيبه، أو ضعفًا في مبانيه، أو فسادًا في معانيه، أو نقصًا في أهدافه، ومراميه؟!([8])
لقد صدق الله العظيم إذ يقول: (قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) [الإسراء: ٨٨].
2- يمتاز بأنه جمع كل ما يحتاج إليه الخلائق في معاشهم ومعادهم، فجاء بالعقائد الصافية والعبادات الهادية والمعاملات السليمة والأخلاق الكريمة والسياسة الرحيمة.([9])
وجاء بالمعارف الرائعة والتوجيهات النافعة والحجج الساطعة، فلا تجد أمرًا من أمور الحياة إلا وقد تعرض له القرآن الكريم بطريق العبارة أو الإشارة أو التلميح، فيه خبر الأولين وتاريخهم، وفيه خبر الآخرين.([10])
والقرآن الكريم يُشير إلى حقائق علمية مبهرة، كان له السبق في الإشارة إليها منذ أكثر من ألف وأربعمائة (1400) عام والتي لم يتوصل إليها العلم الحديث إلا منذ القليل من السنوات.
فالقرآن الكريم هو المعجزة الباقية إلى قيام الساعة للعرب وغير العرب، للناس كافة في كل مكان وزمان لا تنقضي عجائبه.
مما جعل الكثير والكثير من علماء الغرب في شتى المجالات؛ فلك، طب، جيولوجيا... يذعنون له ويستجيبون.
ويؤمنون به لما رأوا فيه من حقائق كونية لم تكن معروفة من قبل، أشار إليها القرآن الكريم بدقة وشمول، فتيقنوا من أن القرآن الكريم لا يمكن أن يكون صناعة بشرية.
وأن القرآن الكريم هو كلام رب العالمين، وأن هذا الرسول الخاتم محمد r كان متصلًا بالوحي، معلمًا من قِبَل هذا الخالق العظيم؛ الله رب العالمين.
فيقول أحد علماء الغرب في مجال الطب؛ علم الأجنحة وهو كيث مور:
إن التعبيرات القرآنية تبلغ من الدقة والشمول ما لم يبلغه العلم الحديث، وكان ذلك في حديث صحفي بموسكو.
وغيره الكثير والكثير ممن شهد لهذا الرسول الخاتم محمد r بالرسالة بعدما تيقنوا من أن القرآن الكريم هو وحي الله عز وجل، الذي أوحاه إلى رسوله r ، وسوف يأتي أقوال عدد منهم فيما بعد.
3- يمتاز القرآن الكريم بأن ما احتواه من تشاريع يجرى على سنن وسط، هدفه تحقيق الخير وتوقي الشر، وصلاح العالم، بلا إفراط ولا تفريط، ولا إثم ولا رذيلة، ولا خراب ولا فساد.([11])
وقد شهد بفضله رجال الدساتير والقوانين، والعصريون على اختلاف آرائهم.
4- يمتاز القرآن الكريم بأن شريعته خالدة، ألزم الله بها العالمين إلى أن تقوم الساعة، ومن أجل ذلك تولى الله عز وجل حفظه بنفسه، فلم يترك مهمة حفظه إلى أحد من خلقه ذلك؛ لأن الناس من شأنهم التغيير والتبديل، ومن قبل استحفظهم الله التوراة فحرفوها.([12])
ونتيجة لتكفل الله سبحانه وتعالى بحفظ القرآن الكريم على سبيل التأكيد ظل القرآن الكريم في مأمن من عدوان الخلائق.
قال الله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: ٩].
5- يمتاز القرآن الكريم بأنه مهيمن على الكتب السابقة، حكمه فصل ليس بالهزل، فما ذكر أنه حق فهو حق، وما ذكر بأنه باطل فهو باطل.([13])
6- يمتاز بتأثيره العجيب الذي يملك على السامع لبه، ويجذب قلبه، ويستحوذ على أحاسيسه ومشاعره ووجدانه، فكان الكفار مع كفرهم يحبون أن يستمعوا إلى القرآن الكريم.([14])
وهذه المواقف التي سوف نذكرها تدلل على مدى الأثر البليغ للقرآن الكريم في نفوس مستمعيه وغيرها الكثير والكثير، ولكننا سوف نكتفي بما سوف نذكره.
ولا عجب! فالقرآن الكريم هو كلام الله سبحانه وتعالى، وصدق الله العظيم إذ يقول: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) [الحشر: ٢١].
1- موقف الكفار من أثر سماعهم للقرآن الكريم.
أ- أخرج ابن إسحاق والبيهقي في الدلائل عن الزهري رضي الله عنه قال: حدث أن أبا جهل وأبا سفيان والأخنس بن شريق- كانوا من كفار قريش- خرجوا ليلة يستمعون من رسول الله r، وهو يصلي بالليل في بيته، فأخذ كل رجل منهم مجلسًا يستمع فيه، وكل لا يعلم بمكان صاحبه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فتلاوموا، فقال بعضهم لبعض: لا تعودوا فلو رآكم بعض سفهاؤكم لأوقعتم في نفسه شيئًا ثم انصرفوا، حتى إذا كانت الليلة الثانية عاد كل رجل منهم إلى مجلسه فباتوا يستمعون له حتى إذا طلع الفجر تفرقوا فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض مثل ما قالوا أول مرة ثم انصرفوا، حتى إذا كانت الليلة الثالثة أخذ كل رجل منهم مجلسه فباتوا يستمعون له، حتى إذا طلع الفجر فجمعهم الطريق فقال بعضهم لبعض: لا نبرح حتى نتعاهد ألا نعود، فتعاهدوا على ذلك ثم تفرقوا.
هكذا كان القرآن الكريم يجذب المشركين إلى سماعه على الرغم من عداوتهم لرسول الله r وقد أسلم أبو سفيان في فتح مكة.
ب- النجاشي ملك الحبشة:
عندما سأل النجاشي ملك الحبشة جعفر بن أبي طالب، قال له: هل معك مما جاء به- يقصد رسول الله r - عن الله من شيء؟
فقال له جعفر: نعم.
فقال النجاشي: فاقرأه علي. فقرأ جعفر عليه صدرًا من «كهيعص» فبكى النجاشي ومن معه ثم قال: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة. ثم قال لرسولي قريش- جاءا ليطلبا من النجاشي تسليم المسلمين المهاجرين من أرضه لهم-: انطلقا، فوالله لا أسلمهم إليكما، وأقام المسلمون عنده بخير دار مع خير جار.
أرأيت إلى أثر القرآن في النجاشي وقومه؟
لقد بكى بكاءً حارًا عند سماعه للقرآن الكريم، وأسلم وآمن برسول الله r، وأعلن حمايته ورعايته لأتباعه.
جـ- الجن: ولقد تأثر الجن أيضًا بالقرآن الكريم عندما استمعوا إليه من رسول الله r وكان له أثر عميق في نفوسهم، فتأثروا به وانتفعوا بمواعظه من أول لحظة، ولم يكتفوا بأن ينتفعوا به، فعادوا إلى أهليهم يبلغونهم دعوة النبي r لينفعوهم وينذروهم.([15])
يطلبون منهم أن يؤمنوا بكتابه ويحذرونهم عاقبة كفرهم.
وصدق الله العظيم إذ يقول: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ* قَالُوا يَا قَوْمنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ* يَا قَوْمنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ* وَمَنْ لَا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ). [الأحقاف: 29-32].
د- رسول الله r وأصحابه:
كان رسول الله r وأصحابه يخشعون ويبكون عند تلاوتهم للقرآن الكريم واستماعهم له، والنماذج الدالة على هذا كثيرة، ولكننا سنكتفي بما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه،([16]) عن أبي مسعود قال: قال رسول الله : ((اقرأ علي القرآن)) قال: فقلت يا رسول الله، أقرأ عليك القرآن وعليك أنزل؟ قال: ((إني أشتهي أن أسمعه من غيري)) قال: فقرأت النساء (41) حتى إذا بلغت: (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيدًا) رفعت رأسي أو غمزني رجل إلى جنبي فرفعت رأسي فرأيت دموعه تسيل. [أخرجه مسلم].
ولنتأمل هذا الموقف فهو من رسول الله r الذي غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، تسيل دموعه عند سماعه للقرآن الكريم.([17])
لقد قام القرآن الكريم بتربية أصحاب رسول الله r خير تربية، فلا يوجد أصحاب لرسول أرسله الله سبحانه وتعالى كأصحاب خاتم الأنبياء والمرسلين محمد بن عبد الله r.
فلقد أثر القرآن الكريم والرسول r الذي كان وصفه لنا قرآنًا يمشي على الأرض أثر تطبيقه r لكل ما جاء به القرآن الكريم في جيل الصحابة ومسارعتهم في الخير، أزال عنهم الضلال والغمة، كانوا متعادين فألف الله سبحانه وتعالى بالقرآن الكريم وبرسوله r بين قلوبهم وأصلح ذات بينهم.([18])
وأصبح لهم حكومة وجيش ودستور ودولة وحضارة، بعد أن كانوا قبائل متناحرة متناثرة وكل هذا في أقل من 23 عامًا فقط منذ بعثة خاتم الأنبياء والمرسلين محمد r.([19])
فمحمد r هو رسول الله حقًّا وصدقًا.
([19])الرسالة المحمدية /محمود عبدالوهاب فايد