1. المقالات
  2. أعمال القلوب
  3. قناديل الحكم (1)

قناديل الحكم (1)

الكاتب : د. صفية الودغيري
تحت قسم : أعمال القلوب
1917 2016/05/30 2024/03/29

لا تُحَلِّل كلَّ ما تشعرُ به، وتخصِّص له مساحةً كبيرة في داخلك؛ فالمشاعر تنمو وتُزْهِر إذا كانت حُرَّةً خارج طَوْقِ التَّفكير..

 

لا تَبْحَثْ عن راحَتِك خارج ذاتك؛ لأنَّ الرَّاحة هي شعورٌ يبدأُ من الدَّاخل، إلا أنَّك قد تشعرُ بالفرح والسَّعادة وحولك مَن تُحِب، وذاك الشعور ليس إلا شعورًا مؤقَّتًا..

تَعَلَّمْ ألا ترى نفسَك في مرآتك في جميع حالاتك، وإلا سترى كلَّ ما تقولُه أو تفعَلُه صائِبًا..

 

كُنْ مع الكبار؛ كي تطمَحَ إلى أن تكونَ كبيرًا وعظيمًا، تتمثَّل أجمل قيمة يحمِلونَها، ولا تكُنْ مع الصِّغار؛ فتظَلَّ خامِلًا، لا شيءَ يُغريكَ بالصُّعودِ إلى القِمَّة..

 

وأنتَ تتَلذَّذ بفَصلِ عُمرِكَ الرَّبيعي، وتتمتَّع بحُلَلِ الشَّباب وحَلْيِه، لا تَجعَل ذاك الحُسنَ والنَّضارةَ يسرقانِ منكَ أجمل قيمة تحملها..

 

نحن لا نتقَدَّم في طورٍ، ولا نتعَلَّم من فصلٍ واحد، ولا نولَدُ كبارًا، بل نولَدُ صغارًا، ثم نَكبَرُ بالتَّجارِب، والمِحَن، والاختبارات، والمواقف..

 

مَن خانَك فقد خانَ نفسَه وضميرَه الإنساني، أو لعلَّه لم يكُنْ يستَحِقُّ كلَّ ما وهَبتَه من اهتمامٍ وحُبٍّ زائد، أو ربما خانَتْه قوَّته وصموده عند مواجهة الظُّروف والمواقف، أو ربما خذلَتْه عواطفه عند تحدِّي المِحَن والشَّدائد، ورَدِّ طعناتِ الغدر، فما عاد بعدها كما كان يتمَثَّلُ أخلاقَهُ الحقيقية..


لا تنتظِرْ مِن غيرِك أن يهَبَك القيمة التي تستَحِقُّها، بل أنتَ من تمنَحُ نفسَك تلك القيمة التي تطمَحُ إلى أن تُدرِكَها؛ فالثِّقة والاعتزاز بذاتِك هي التي تفرض وجودك، واختياراتك، وقراراتك، وتسمَحُ لك بممارسة حرِّياتك المشروعة..

 

إنَّ الاحترامَ لا يوهَب عطاءً بخسًا، بل أنت مَن تكتَسِبُه عندما تشعُرُ بذاتك وكيانك الحر، وحين تختارُ ما تريده، وتقرِّر وَفقَ الأصول والثَّوابت، وحين لا تخالف قِيَمَك ومبادئك، وتظل متمسِّكًا بخِلالك وفضائلك، مهما كان أمامَك الطريق شاقًّا وطويلًا، ومهما بذَلتَ مِن تنازلاتٍ في حساباتِ الدُّنيا الفانِيَة..

 

أنتَ لا تُجبِر أحدًا على احترامك، إلا إذا كنتَ صادِقًا في التزامِك بمبادئ الدِّين، وتملِكُ ضميرًا صاحِيًا، وأهلًا للاتِّباع والاقتِداء، مِن خلال منهج تفكيرك، وأسلوب تعبيرك، وسلوكك ومعاملاتك؛ فالاحترام رسالة، والاحترام غايةٌ نبيلة، والاحترام سلوك ومعاملات، لا تُلزِم بها أحدًا قسرًا، بل هي اختيارٌ حُرٌّ نبيل..

 

إنَّ غِناك الحقيقيَّ هو غِنَى نفسك، الطَّاهرةِ من الآثام والذُّنوب والمعاصي، الزَّاهدة في مُتَعِ الدنيا الزَّائدة عن حَدِّ الاحتِياج، وإنَّ غِناك الحقيقيَّ يهَبُك حياةً مُضاعَفَة، وشعورًا بالأمان والسَّلام، فإذا استَغنى قلبُك بالله فلا شيءَ يُفقِرُه، وإذا افتقَر قلبُكَ لغير الله، فلا شيءَ يُغْنيه بعد ذلك..

 

لا تُصَدِّقِ الوُعودَ الزَّائفة، التي لا تكاد تفارِقُ الشِّفاهَ المُطبقَة على ابتسامةٍ ماكرة، فما أشجى دَندنَةَ الكلماتِ الصَّادِحَة على قِيثارةِ القلب الكسير! إلا أنَّ التَّغريدَ يرحَلُ مع الطُّيورِ المهاجرة، ولا يستقِرُّ على غصنٍ ولا شجر، وليس له أرضٌ ولا وطن..

 

العقل يُلجِمُه العلم، وبه يستقيم على الفهم الحق، الذي يميزُه عن الجهل، ويَصرِفُه عن الباطل، وعن الحُكم بلا دليلٍ ولا معرفة، ولا اعتقادٍ صحيح، ولا منهجٍ قويم..

 

العقول الكبيرة لا تُقاس بالأعمار، بل تُقاس بطريقة التَّفكير، ومنهجِ الشَّرحِ والتَّحليل، وأسلوبِ المنطِق واللسان والتعبير، ومن خلال الحوار والنِّقاش والنقد..

 

إذا تعلَّمتَ ثقافة الحوار والنِّقاش، ستتقَبَّل الرَّأيَ المخالِف، الذي سيحرِّك مخاضًا بعقلك، وسيبعث طاقةً بتفكيرك تدعوك للرَّد والتَّحليل، ولن تدرك هذه الثقافة إلا إذا تحَرَّرت مِن تعَصُّبِك للأفكار والأشخاص، وتحرَّيتَ في نقدِك أن يكون بنَّاءً ووَفْقَ الأصول والقواعد، وانتصَرتَ للحق والصواب حيث كان وممَّن كان..

 

إذا غاب الطِّفل الذي يسكُنُنا نتحَوَّل إلى أشرار؛ لهذا فالإنسان الشِّرير قد مات ذاك الطِّفل الذي بداخله..

 

يَخرَسُ الكلامُ حين يكونُ ما بداخِلِك أعمَقَ مِن أن تُعَبِّر عنه باللِّسان، فيظلُّ أَنينُ صمتِك هو روحَ منطقِك، وأنفاسَ حروفِك وكلماتك..

 

كلما ارتقَتِ الأحلام في عقولِ الكبار، فقَدوا الشُّعورَ والتَّفكير في التَّفاصيل، وانفَصلوا عن ارتباطهم الشَّديد بالفروع الزَّائِدة، والأشياء التَّافِهة، التي تَشغَلُ عقول الصِّغار..

 

لا تَنتظِر من سيحلمُ معَك، أو من سيُشارِكُك أحلامك الجميلة، بل تعلَّمْ كيف تحلم لأجل تلك الأنا التي بداخلك، بلا قيود ولا شروط تحصد أحلامك، وتعلَّم كيف تصنعُ أحلامك بكفاحِك، ونضالك، وجهادك في الحياة..

 

لا تتنازَلْ للآخَر إلا بدافع الحُبِّ، والاحترام، والثِّقة المُتبادَلَة، ولا تتنازَل إلا في مُقابِل تنازُلٍ يماثِلُه في القيمة، والمحتوى، والجوهر؛ حتى لا تشعُرَ بطَبائِع الاستبداد، ومشاعر القهر..

 

إذا أردتَ أن تغضَبَ انتِصارًا للحق، لا تتَأخَّر لفصولٍ من عُمرِك كي تغضبَ؛ لأنَّك بعدها لن يُجديَكَ أن تغضَب..

 

لا تُبالِغْ في ممارسَةِ اللَّومِ والعِتاب، وجَلدِ نفسك حين تفشل، أو حين يخونُك الأحِبَّة والأهل والأصدقاء؛ لأنَّك ستجد تلك الأنا التي بداخلك تتمَثَّل أخلاقَك، وطباعَك، في كلِّ المواقف، وإن تكرَّرَت معاناتك، وتجرَّعتَ كؤوسَ الخيانة والخِذلان..

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day