1. المقالات
  2. أعمال القلوب
  3. مشاهد من قصة نبى الله موسى وفرعون

مشاهد من قصة نبى الله موسى وفرعون

الكاتب : سعيد عبد العظيم
تحت قسم : أعمال القلوب
1778 2017/04/15 2024/03/19

قصة نبى الله موسى و فرعون ذات مغزى، ولها دلالات وعِبر، يقرؤها اللبيب فتضئ له الطريق، ويبصر مواضع الأقدام {لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى} [يوسف: 111].

 

مشاهدها كثيرة، وفى كل مشهد منها إجابة على أسئلة حائرة، ففى مصر يولد موسى –عليه الصلاة و السلام- فى بيئة قاتمة خانقة قد أطبقت على بنى إسرائيل فأذاقتهم الهوان، حاضر شقى ومستقبل مظلم، وقلة عدد، وفقر وسائل، وذلة نفوس، عدو قاهر و سُخرة ظالمة، لا قوة تدافع ولا دولة تحمى، أمة مصيرها معلوم و مصيرها محتوم، و كأنها ما خلقت إلا للشقاء، قال تعالى {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [القصص: 4].

 


فهل من أمل وهل من سبيل للخلاص؟
فالنفوس تتوق للإفلات من هذا العناء فى التو واللحظة، لا فى قابل الأيام، و هنا يولد نبى الله موسى، وولادته كلها تحد لفلسفة الأسباب، و منطق الأشياء والرب قدير لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه، و إذا أراد أمراً هيأ له أسبابه التى تحار فيها العقول، قال تعالى {وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ} [القصص: 7] و ينشأ موسى –عليه الصلاة و السلام- فى حضانة العدو، و رعاية القاتل.

و سبحان الله الحكيم العليم..


و هذا هو المشهد الأول.

 

::المشهد الثانى::

 انتقال موسى إلى قصر الفرعون، و السعيد من أحبه طبعاً و شرعاً، ولذلك قالت امرأة فرعون {قُرَّةُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لَا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [القصص: 9]، تربى موسى فى قصر فرعون و نام على سريره و أكل من طعامه، ثم كان هلاك فرعون على يديه و هذا من عجائب التدبير، و تدبير الكافر تدميره، و كيده دائماً يرتد إلى نحره.

 

خرج موسى من مصر بعد أن علم بطلبهم له لقتله و توجه إلى مدين {وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ} [القصص: 20].

 

وفى مدين يستقى الماء لابنتى شعيب، وكان ضاوياً خاوى البطن لثلاث ليال فيتوجه إلى ربه {رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ ﴿24﴾ فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ} [القصص: 24- 25] يجد الضيافة الكريمة، والزواج من ابنة شعيب، و يرجع بأهله فيلفه الليل المظلم و الطريق الموحش، وتتمخض زوجته فيطلب لها ناراً تصطلى بها فيجد نوراً يسعد به بنو اسرائيل ويهتدى به العالم.


يطلب النجدة و المدد لامرأة واحدة فيجد النجدة و المدد للإنسانية كلها، و يُكرم بالنبوة و الرسالة.


وهكذا فالرب لا يضيع أوليائه و عطيته هى أفضل العطايا و أهناها، والمؤمن الذى يتابع منهج الأنبياء و المرسلين لا ينسى دوره و مهمته فى ابلاغ الحق للخلق و يعلم أن حله و ترحاله، نقضه و إبرامه، وصله وهجره............. يجب أن يكون لله و فى سبيل الله.

 

::المشهد الثالث::
خرج موسى من مصر خائفاً يترقب، فقد قتل رجلاً من شيعة فرعون، وسيحكم عليه قضاء فرعون، و لا ينتظر، و لا يتصور من ورائه عدالة، فهو يأتمر بأمر فرعون {إِنهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ}.

 

رجل يقول {مَا أُرِيكُمْ إِلاَّ مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلاَّ سَبِيلَ الرَّشَادِ} ويدَعى الربوبية والألوهية، وبالتالى فالقضاء على شاكلته، أى إلى الظلم أقرب، موسى مطلوب لعدالة بلا شرع و لا دين، وويل لقاضى الأرض من قاضى السماء، ولعدالة الأرض من عدالة السماء.


قال المؤمن الذى كان يجالس الفرعون و يعرف مؤامرته {يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ}. 


وهكذا فالمؤمن ينصح، لا يخون ولا يغش ولا يتآمر، والمسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه ولا يخذله، و بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم، فخرج موسى إلى مدين بعد أن تمهدت أسباب الخوف، وقضى بمدين ما لا يقل عن عشر سنوات، وهو أتم الأجلين، مستأجراً عند شعيب، وكان ذلك مهر زواجه من ابنة شعيب؛ لا يملك من حطام الدنيا وقت خروجه و فى زواجه إلا الدعوات الصالحات و قلب معلق بالله.


ويدخل موسى على فرعون فى أبهته و سلطانه و فى ملئه و أعوانه، وهو المطلوب بالأمس قد تحققت عليه الجناية، و فى لسانه حبسه وفى موقفه ضعف، فيقهر فرعون و ملأه بدعوته و إيمانه و حجته و بيانه، و يؤمن سحرة فرعون برب موسى و هارون و رب العالمين، متحدِين فرعون و أعوانه قال تعالى {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ. قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلا يَتَّقُون} ذهب موسى و هارون و قالا لفرعون ما أُمرا به {إِنَّا رَسُولُ رَبِّ الْعَالَمِينَ. أَنْ أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ} وفرعون يومئذ يقول لقومه {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} إنها المواجهة القوية الصريحة الواضحة، و بلا تدرج أو مواربة منذ اللحظة الأولى، و كان رد فرعون {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيدًا وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ.وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ.قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ. فَفَرَرْتُ مِنكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ فَوَهَبَ لِي رَبِّي حُكْمًا وَجَعَلَنِي مِنَ الْمُرْسَلِينَ. وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ} لم يعهد فرعون هذه المواجهة من قبل، فموسى يواجهه بأنه رسول من رب العالمين، و يطلب منه أن يرسل معه بنى اسرائيل، حكمة فى مواجهة الغطرسة، والتهكم بالحق فى مواجهة تهكم الجبروت والضلال {وَتِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّهَا عَلَيَّ أَنْ عَبَّدتَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ}.

 


::المشهد الرابع::
كانت تربية موسى فى قصر الفرعون بسبب استعباد فرعون لبنى اسرائيل و قتله لأبناءهم، مما اضطر أمه أن تضعه فى التابوت و تقذف به فى البحر، فالتقطه آل فرعون، و لذلك تربى فى بيت فرعون لا فى بيت أبويه، و ذلك لا يستحق المن و الأذى حتى يقول لموسى {قَالَ أَلَمْ نُرَبِّكَ فِينَا وَلِيداً وَلَبِثْتَ فِينَا مِنْ عُمُرِكَ سِنِينَ} فهل هذا هو الفضل العظيم؟


و عند ذلك انطلق فرعون يسأله عن صميم دعواه فى تجاهل وهزء وسوء أدب فى حق الله الكريم، نبرة اعتادها الطغاة و الطواغيت فى كل عصر ووقت {قَالَ فِرْعَوْنُ وَمَا رَبُّ الْعَالَمِينَ} فأجابه موسى {قَالَ رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُم مُّوقِنِينَ}.


فقال فرعون لمن حوله {أَلاَ تَسْتَمِعُونَ} أى إلى هذا القول العجيب الغريب، و هذه قمة الخفة و الطيش و السفه فما كان من موسى إلا أن أجابه بصفة أخرى من صفات رب العالمين {قَالَ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الأَوَّلِينَ} فما فرعون إلا واحد من خلقه و عبيده ليس رباً و لا إلهاً كما يدَعى بين قومه، و هل كانت بداية السفه و الإدعاء من فرعون، أم أن القوم زعموه رباً و إلهاً فصدَق و تأله، و القرآن يذكر عنه قال {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} و قال {أَنَا رَبُّكُمُ الأَعْلَى} و قال سبحانه {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْمًا فَاسِقِينَ}، و قيل فى المثل: قيل لفرعون ما فرعنك قال لم أجد أحداً يردنى.


سارع فرعون بإتهام موسى بالجنون {قَالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ} تهم جاهزة مُعلبة، لا يعجز عنها الطغاة و الطواغيت يرمون بها الأبرياء كتهم الإرهاب و قلب نظام الحكم.......


لم تَفُت هذه التهمة فى عضد موسى، بل مضى فى طريقه يقول كلمة الحق {قَالَ رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَمَا بَيْنَهُمَا إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} ولا يجرؤ فرعون ولا غيره من التجبرين أن يدَعى تصريفهما، فالكون يسير وفق نظام محكم {لَا الشَّمْسُ يَنبَغِي لَهَا أَن تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ} وفى كل شئ له آية تدل على أنه الواحد.


إن هذا التوجيه يهز القلوب البليدة هزاً، و يوقظ العقول الغافية ايقاظاً، إنه يدعوهم إلى التدبر و التفكر "إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ" و الطغيان لا يخشى شيئاً كما يخشى يقظة الشعوب و صحوة القلوب.

 


::المشهد الخامس::
الوعى و اليقظة الحقيقية، و هزة العقول و القلوب و الضمائر الغافية، أهاجت فرعون و جعلته يثور و ينهى حواره مع نبى الله موسى بلغة التهديد الذى لا يجيد الطغاة سواه عندما يسقط فى أيديهم و تخذلهم البراهين، فلا يستطيعون مواجهة الحجة بالحجة {قَالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلَٰهًا غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ}.


دعاهم لخيرهم و سعادتهم فكان جزاؤه التهديد بالسجن، و هذا دليل عجز و علامة الشعور بضعف الباطل أمام الحق الغالب، و هذه هى سمة الطغاة قديماً و حديثاً تهديد لم يُفقد موسى رباطة جأشه، فالله معه يؤيده و يسدده.


رد على فرعون ببرهان جديد {قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَيْءٍ مُّبِينٍ} وهذا إحراج لفرعون أمام الملأ يضطره للإستجابة {قَالَ فَأْتِ بِهِ إِن كُنتَ مِنَ الصَّادِقِينَ}.


وهنا تأتى معجزة من جملة ما برع فيه القوم {فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ. وَنَزَعَ يَدَهُ فَإِذَا هِيَ بَيْضَاء لِلنَّاظِرِينَ} معجزة الحياة التى تدب من حيث لا يعلم البشر، معجزة لا نلقى لها بالاً لطول الألفة و التكرار، فالرب قدير {يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ}. 


معجزة تقع على جهة التحدى، لا يستطيع فرعون الذى يدَعى الربوبية والألوهية و يستعبد المصريين أن يقاومها، أحس بضعفه فتخلى عن شئ من جبروته و أخذ يتملق قومه {قَالَ لِلْمَلَإِ حَوْلَهُ إِن هَـذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ. يُرِيدُ أَن يُخْرِجَكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِ فَمَاذَا تَأْمُرُون}. 


متى كان يأتمر بأمرهم و هم عبيده و له يسجدون من دون الله، تواضع مكذوب؛ و إذا كان موسى هو الذى سيهدد مصالحهم و استقرارهم ويخرجهم من أرضهم، إذاً فقد استحكمت المسألة و توافقت المصالح ولا بد من الخلاص من موسى حتى لو كان أحد أولى العزم من الرسل فما بالك لو كان كأمثالنا، طبيعة الطغاة لا تتغير فعندما يحسون أن الأرض تتزلزل تحت أقدامهم يلينون القول بعد التجبر، و يلجأون إلى الشعوب و قد كانوا يدوسونها بالأقدام، و يتظاهرون بالشورى فى الأمر و هم كانوا يستبدون بالهوى، ذلك إلى أن يتجاوزوا منطقة الخطر، ثم إذا هم جبابرة مستبدون ظالمون، لا يمكن أن يتحملوا الفشل وحدهم، فالمسئولية و كأنها تضامنية يتحملها معهم الملأ و الشعب، فرعون يجيد توريط الجميع وقت اللزوم، حتى لا يغرق وحده فالمركب ستغرق بالجميع طالما ليس منهم رجل رشيد.

 


::المشهد السادس::
أشار الملأ على فرعون أن يواجه سحر موسى بسحر مثله، وهكذا قلبوا الحقائق، فالمعجزة سموها سحرا كما يسمون الإيمان إرهاباً {قَالُوا أَرْجِهِ وَأَخَاهُ وَابْعَثْ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ. يَأْتُوكَ بِكُلِّ سَحَّارٍ عَلِيمٍ. فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقَاتِ يَوْمٍ مَّعْلُومٍ. وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ. لَعَلَّنَا نَتَّبِعُ السَّحَرَةَ إِن كَانُوا هُمُ الْغَالِبِين}. 


فرعون يدَعى الربوبية و الألوهية فلماذا لا يواجه التحدى و يجهز بنفسه على موسى و معجزته، و كيف يستعين بالسحرة و يتبعهم و هو يدَعى هذه الدعوى العريضة لنفسه؟


قمة العجز و الضعف و التناقض، و تعجب غاية العجب كيف عبده شعبه وكيف أحبوه و أطاعوا أمره {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ.يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمُ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ. وَأُتْبِعُواْ فِي هَذِهِ لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ بِئْسَ الرِّفْدُ الْمَرْفُودُ}.


جمعهم فرعون يوم الزينة ليشهدوا المباراة بين السحرة و موسى، ودائماً ما تتجمع الجماهير لمثل هذه الأمور دون أن تفطن إلى أن حكامها الطغاة يلهون بها و يشغلونها بهذه الاحتفالات و المباريات ليُلهوها عما تعانى من ظلم و قهر و بؤس {فَلَمَّا جَاءَ السَّحَرَةُ قَالُوا لِفِرْعَوْنَ أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ. قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}. 


قيل جمع سبعين ألف ساحر لمواجهة موسى الأعزل إلا من سلاح الإيمان، جماعة مأجورة، تبيع نفسها للشيطان، جاهزة للاستعمال والاستخدام فى كل مكان و فى كل زمان، لا تتورع عن مواجهة الصالحين، حتى لو تأدى ذلك إلى البطش بهم، و الحرة كانت ولا زالت لا تأكل بثديها، فأكل التراب أهون عندها من بيع عرضها و دينها، و تبدأ المواجهة {قالَ لَهُم مُّوسَى أَلْقُوا مَا أَنتُم مُّلْقُون. فَأَلْقَوْا حِبَالَهُمْ وَعِصِيَّهُمْ وَقَالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنَّا لَنَحْنُ الْغَالِبُون. فَأَلْقَى مُوسَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ تَلْقَفُ مَا يَأْفِكُون. فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سَاجِدِين.قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِين. رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ. قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِين.قَالُوا لا ضَيْرَ إِنَّا إِلَى رَبِّنَا مُنقَلِبُون. إِنَّا نَطْمَعُ أَن يَغْفِرَ لَنَا رَبُّنَا خَطَايَانَا أَن كُنَّا أَوَّلَ الْمُؤْمِنِينَ}. 


لا يثبت الباطل مهما انتفش أمام الحق، فهو أوهى من بيت العنكبوت، قد يحاول الباطل أن يستجمع شتاته و قواه من هنا و من هناك، و لكن لا بد و أن ينتهى و يزول {فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ} فيلجأ الطغاة إلى مزيد من التهديد و الوعيد و التصعيد لعلهم يوقفون زحف الإيمان، و هيهات ثم هيهات، فالنفوس التى اعتصمت بالواحد القهار لا ترهبها قوى الأرض.

 


::المشهد السابع::
إيمان عمره لحظات يصنع الأعاجيب، فقد أتى السحرة فى بداية اليوم راغبين فى الدنيا وحطامها الفانى ينتظرون الأجر والحظوة من فرعون، وكانوا فى نهاية يومهم شهداء، يرجون رحمة الله ويطلبون الأجر والمثوبة منه وحده سبحانه، باعوا الدنيا واشتروا الآخرة، لم يعرفوا الاستقامة ولا الالتزام والطاعة منذ عشرين وثلاثين سنة كما نُعبِر و نُعرِف أنفسنا، لا حجر على سعة رحمة الله، والخواتيم مطوية، والمهدى يصلحه ربنا فى ليلة يملأ الأرض عدلاً بعد أن مُلئت ظلماً وجوراً، و ما يعلم جنود ربك إلا هو، وقد يتوب الفاجر و تحسن توبته.


إن السحرة لم يكونوا أصحاب عقيدة ولا قضية {أَئِنَّ لَنَا لأَجْرًا إِن كُنَّا نَحْنُ الْغَالِبِينَ. قَالَ نَعَمْ وَإِنَّكُمْ إِذًا لَّمِنَ الْمُقَرَّبِينَ}  الحق إذا مس شغاف القلوب أزال الضلال فى لحظة، وهى لحظة هداية لا يعلمها إلا الله، تجعل الكافر والساحر ينطق {آمَنَّا بِرَبِّ الْعَالَمِينَ. رَبِّ مُوسَى وَهَارُونَ}.


إن الله يضل من يشاء –عدلاً- ويهدى من يشاء فضلاً، والخلق يتقلبون بين فضل وعدل، ولا ظلم بين العباد.


لقد انتكس وارتكس بلعام بن باعوراء و برصيصا، وكلاهما أوتى اسم الله الأعظم، الذى إن سُئل به أعطى وإن دُعى به أجاب، ولذلك كان أكثر دعاء النبى –صلى الله عليه و سلم-: «اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبى على دينك»

وكان من دعاء على –رضى الله عنه- رب احملنى على فضلك ولا تحملنى على عدلك، وفى الحديث «مَا مِنْ قَلبٍ إلا بينَ إصْبُعَين من أَصَابع الرّحمن إن شَاءَ أَقَامَهُ وإنْ شَاء أزَاغهُ».


قال آمنتم له لأنه عد ذلك استسلاماً له قبل إذنه، والطغاة قديماً وحديثاً لا يتوهمون فحسب، بل يصرحون أنهم يعطون المؤمنين الإذن بالإيمان والصلاة والدعوة...........، وكأنها منحة من جيوبهم الخاصة؛ وعندما يلجأ فرعون إلى التهديد بالعذاب والنكال، ويسارع باتهام السحرة بتدبير هذه الحيلة مع موسى -عليه السلام- وكأن من اقترب من الحق صار مشبوهاً، تعلم يقيناً حقيقة الصراع بين الإيمان والكفر، وأنه صراع عقائدى.


دين الحق فى مواجهة أديان الباطل والضلالة، ولذلك قال فرعون {إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الأَرْضِ الْفَسَادَ} ففرعون عنده دين فاسد كدين الشيوعيين واليهود والنصارى، القصة تتكرر فمن وافق فرعون كان له الحظوة والمال، وصار من المقربين – وبئس القرب- أما من خالفه وتابع منهج الأنبياء والمرسلين، واقترب من نبى الله موسى فله الطرد والإبعاد والقتل والاغتصاب............
وسبحان من له المرجع والمآب.

 


::المشهد الثامن::
السحرة بإيمانهم يستعلون على الترغيب والترهيب الفرعونى الدنيوى، فالله خير وأبقى، وإنا إلى ربنا منقلبون، إنا نطمع أن يغفر لنا ربنا خطايانا أن كنا أول المؤمنين، وما عند الله خير للأبرار.


فقيه من كانت تجارته مع الله، وباع قليلاً بكثير، ونافذاً بباق:


إن لله عباداً فطنا طلقوا          الدنيا و خافوا الفتنا
نظروا فيها فلما علموا         أنها ليست لحى وطناً
جعلوها لجة و اتخذوا         صالح الأعمال فيها سفناً



الإيمان يبعث الطمأنينة فى النفوس، و صدق ابن تيمية و هو يقول: المحبوس من حُبس قلبه عن ربه، والمأسور من أسره هواه.


وقال: ماذا يفعل أعدائى بى، أنا جنتى و بستانى فى صدرى أينما رحت فهى معى، أنا سجنى خلوة، وقتلى شهادة، وإخراجى من بلدى سياحة.


بالإيمان يرتفع الإنسان بسلالة الطين إلى أعلى عليين، وتمتلئ القلوب بالغنى، فإذا كل ما فى الأرض تافه وحقير.


لم يرتدع فرعون عن غيه، بل استمر فى التآمر وتجميع جنوده للقضاء على بنى اسرائيل، فأوحى الله لموسى عليه السلام أن يرحل بهم ليلا {وَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي إِنَّكُم مُّتَّبَعُونَ. فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ. إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُون. وَإِنَّهُمْ لَنَا لَغَائِظُونَ. وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ. فَأَخْرَجْنَاهُم مِّن جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ. وَكُنُوزٍ وَمَقَامٍ كَرِيمٍ. كَذَلِكَ وَأَوْرَثْنَاهَا بَنِي إِسْرَائِيلَ.فأَتْبَعُوهُم مُّشْرِقِينَ} وقال تعالى {فَلَمَّا تَرَاءى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ. قَالَ كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ.فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ.وَأَزْلَفْنَا ثَمَّ الآخَرِينَ. وَأَنجَيْنَا مُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَجْمَعِينَ. ثُمَّ أَغْرَقْنَا الآخَرِينَ}. 


ويعبُر موسى وقومه ويتبعهم فرعون بجنوده بغياً وعدواً فيلتهمهم البحر الهائج، و هكذا ينجو موسى ومن آمن معه، ويهلك فرعون ومن شايعه {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ الْحُسْنَى عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ بِمَا صَبَرُوا وَدَمَّرْنَا مَا كَانَ يَصْنَعُ فِرْعَوْنُ وَقَوْمُهُ وَمَا كَانُوا يَعْرِشُونَ} الآيات تنطق، والواقع يصدق، ولكن أين من يتعظ ويعتبر؟

 


::المشهد التاسع::
قصة موسى وفرعون هى قصة التدافع بين الحق والباطل، وبين الإيمان والكفر، صراع بدأ بين آدم وإبليس، ثم انتقل إلى بنى آدم وشياطين الإنس والجن، قصة كل أصحاب العقيدة الحقة فى مواجهة الباطل والطغيان وأصحاب الأديان الفاسدة، قصة بمثابة تربية لنفوس المسلمين فى مكة وهم يواجهون الأذى والكرب والضيق.


الباطل ينظر لأتباع الحق دوماً على أنهم قلة، كما قال فرعون {إِنَّ هَؤُلاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ. وَإِنَّهُم لَنَا لَغَائِظُونَ. وَإِنَّا لَجَمِيعٌ حَاذِرُونَ} ولا ينفع حذر من قدر، و كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله، والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون.


يُستدرج فرعون إلى البحر ليكون مقبرته، بل ليطفو على السطح جثة منتنة، وهو الذى ادعى الألوهية بالأمس، لم يُلهم التوبة قبل الممات، قال {آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَاْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ} قال {آلآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ. فَالْيَوْمَ نُنَجِّيكَ بِبَدَنِكَ لِتَكُونَ لِمَنْ خَلْفَكَ آيَةً}.


آيات الاتعاظ والإعتبار كثيرة، ولكن البعض حق فيه قول ربه:


{وَإِن يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لَّا يُؤْمِنُوا بِهَا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الرُّشْدِ لَا يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا وَإِن يَرَوْا سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلًا}.


توجه موسى وبنو إسرائيل وأدركهم فرعون بجنوده، فكانت الهلكة محققة، فالبحر أمامهم والعدو ورائهم، حالة ضعف ظاهرة، ولذلك قالت بنو إسرائيل {إِنَّا لَمُدْرَكُونَ} قال موسى بلسان الواثق المطمئن {كَلاَّ إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ}، و ما كاد يقولها إلا و انفلق البحر، فكان كل فرق كالطود العظيم، وهى كلمة شبيهة بما قاله النبى –صلى الله عليه و سلم- لأبى بكر يوم الغار «ما ظنك باثنين الله ثالثهما» وأبو بكر –رضى الله عنه- يقول: لو أن أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا.


وما أبعد الفرق بين أبى بكر وبنى اسرائيل، فمعية الله شملته حتى الممات، بينما انقلبت بنو اسرائيل على عقبهم القهقرى.


لقد كانت القوة التى قهر بها موسى أعظم قوة فى عصره و مصره، هى قوة الإيمان والطاعة والدعوة إلى الله، استفرغ وسعه فى تعاطى الأسباب المستطاعة والمقدورة، وتعلق قلبه بالواحد القهار، وتوكل على القوى المتين فتحقق له النصر، ولو نظرت بعين العقل للأسباب المادية وحدها وحسبة الواحد زائد واحد، لقلت لا يمكن أن يتحقق لموسى الغلبة على فرعون، ولكنه الوعد الصادق "وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ"


{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا}.

 


::المشهد العاشر::
أعظم قوة فى الوجود هى قوة الإيمان وعمق اليقين، وهى القوة التى قهر بها موسى أعظم قوة فى عصره، وأعظم امبراطورية على وجه الأرض.


لم يسلك –عليه السلام- مسلك الزعماء السياسيين الميكيافيلليين ويستعرض الإمكانات والوسائل التى يملكها قومه ويزن كل شئ فى ميزان الواقع والحكمة العملية، لو قارن نبى الله موسى بين قومه وقوم فرعون لما جاز له فى شريعة العقل أن يواجه فرعون، ولتحتم عليه أن يقنع بحظه وحظ قومه، ويرضى بالوضع السائد، و لكنه وصل الأرض بالسماء و الدنيا بالآخرة، و التجأ إلى جناب الله، و أعمل المنهج الإيمانى، هذا المنهج الذى غيَر مجرى التاريخ وأتى بالمعجزات وأدهش العقول وحيَر الألباب.


لقد نشأ نبى الله موسى نشأة اليتم، و ما حدث معه حدث مثله وأعظم مع نبينا صلى الله عليه و سلم، فقد نشأ يتيم الأبوين، و مات يوم مات و هو سيد الأولين و الآخرين، عُرض عليه أن يكون نبياً ملكاً فتواضع و كان عبداً رسولاً، و عرضت عليه قريش الملك والمال والطب والجاه فرفض ذلك كله، و قال للناس اعبدوا الله ما لكم من إله غيره، ولم يكن يفكر تفكير الزعماء أو يتطلع إلى قوة منسلخة من معانى الإيمان، دعا قريش ودعا العرب والعجم وخاطب الأكاسرة والقياصرة بلغة الإيمان، وكتب إلى سيدَى العالم المعاصر فارس والروم يوم ذاك يدعوهما إلى الإسلام، ولم يلتفت إلى ما تتمتع به هاتان الإمبراطوريتان من حول وطول وقوة، وهذا لا يمكن أن يحدث بالحساب العقلى المادى ولا بحسبة الواحد زائد واحد.


وإذا كان نبى الله موسى قد أورثه الله مال وديار فرعون وقومه، فأيضاً بَشَّرَ النبى – صلى الله عليه وسلم - بفتح قصور كسرى وقيصر، وأنفقت كنوزهما فى سبيل الله، و دخل الناس فى دين الله أفواجاً.



فبالمنهج الإيمانى تسعد البشرية و يطلع الفجر و يغير ربنا حالنا لأحسن الأحوال {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ} و لا حول و لا قوة إلا بالله العلى العظيم.

 


::المشهد الحادى عشر::
لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، انتصرت الأمة على فارس والروم وقامت دولة الإسلام العالمية، ويتكرر الأمر بإذن الله وتُقام خلافة إسلامية على منهاج النبوة، إذا تحققت وتجلت فينا صفة الإيمان، يحدث معنا مثل ما حدث مع نبى الله موسى ورسولنا الكريم من نصر وغلبة وعلو وتمكين قال تعالى {وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ} فالضعيف مع نصره سبحانه قوى، والقوى مع خذلانه ضعيف {إِنْ يَنْصُرْكُمُ اللَّهُ فَلا غَالِبَ لَكُمْ وَإِنْ يَخْذُلْكُمْ فَمَنْ ذَا الَّذِي يَنْصُرُكُمْ مِنْ بَعْدِهِ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}. 


ينصر سبحانه من نصر الدين وأخذ بالأسباب المستطاعة وتوكل عليه، {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِين}.

 

قال الشيخ محب الدين الخطيب: ليكن قول أحدكم للآخر إن الله معنا، ولن يكون الله معنا إلا إذا كنا مع الله {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ} {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ.إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ. وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ}.


الإيمان يصنع الأعاجيب، والنصر الحقيقى لا يتم بالعصبيات والوطنيات والقوميات، ولا بشرف الأنساب والتطلع للمجد والرياسات.


انتصر الأنبياء و أتباعهم بهذه العقيدة، وهذا المنهج الخاص للحياة {أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُون} نحن بحاجة لقراءة تاريخ الحروب الصليبية وحروب التتار، وكيف انتصر صلاح الدين الأيوبى على جحافل الصليبيين فى حطين، وكيف انتصر سيف الدين قطز على التتار فى عين جالوت، لقد كان الأعداء فى قمة الغطرسة والقوة المادية، سفكوا الدماء وهتكوا الأعراض وأذلوا عباد الله، والمسلمون فى المقابل فى غاية الضعف المادى، ولكنه الإسلام والإيمان والثقة بنصر الله، لحظات فارقة فى التاريخ وتحول من هزيمة إلى نصر، ومن ضعف إلى قوة عندما تتعلق القلوب بربها وتحسن التوكل عليه، و تستفرغ الوسع فى تعاطى الأسباب الكونية و الشرعية {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ} المادية والمعنوية، السلاح والعتاد....ووحدة الصف والإيمان بالله والجهاد فى سبيله من أجل إعلاء كلمة الله {وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ. بِنَصْرِ اللَّهِ}.

 


::المشهد الثانى عشر::
هذه الأمة تنتصر بالطاعة، وتهزم بالمعصية، تمرض ولا تموت، أمة رسالة لهداية البشر، قوتها الكبرى فى الإيمان والطاعة والدعوة إلى الله، نصرها الحقيقى فى ثباتها وصمودها واستعلائها على كل قوى الكفر {وَكَانَ حَقًّا عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} نُقتل ونُحرق ونُسجن ونُعذب ويتحقق فينا الوعد الصادق بمقدار اقترابنا من منهج الأنبياء والمرسلين {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ}.

 

يتحقق ذلك للأفراد والدول والجماعات، كما تحقق لصاحب يس ومؤمن آل فرعون وأصحاب الكهف وعبد الله الغلام وأصحاب الأخدود.......، ومن قبلهم لموسى ونبينا –عليهم الصلاة و السلام- نحن بفضل الله القوة الحقيقية الكبرى فى العالم، فعندنا ما هو حاجة البشرية كلها، عندنا دعوة تنقذ العالم من نهايته الأليمة التى تنتظره وتقترب منه، عندنا الإيمان الذى هو منبع ومصدر كل خير وسعادة، عندنا شريعة تحل جميع المشكلات والأزمات التى يواجهها البشر فى هذا القرن وإلى نهاية الحياة، عندنا نبى أُرسل رحمة للعالمين {يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَىٰ صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ}، ليست الديمقراطية ولا الليبرالية ولا النظام العالمى أو الأمم المتحدة هى الحل، وحاجة الغرب والأمريكان... إلى اقتباس هذا الإيمان منا أشد وأعظم من حاجتنا إلى الإقتباس من صناعاتها وعلومها، هم {يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ}، لا بطح على أدمغتنا، ولا هزيمة نفسية عندنا، قد نكون فقراء وضعفاء ومتخلفون فى الصناعة وفى الإقتصاد والزراعة..... ولكن عندنا سلعة وبضاعة لا تنهض أمامها أموال وثروات الدنيا، فركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها وقال الصادق المصدوق: {لَهُمَا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعاً}، أى سنة الفجر، نأخذ بأسباب التطور مع تمسكنا بمعانى الإيمان، نأخذ الطب و الهندسة و العلوم النافعة من كل من أفلح فيها، و لا نفرط فى سنة نبينا –صلى الله عليه و سلم-، ننطلق بدعوتنا لتخليص البشرية من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا و الآخرة، و من جور الأديان إلى عدل الإسلام، فإن أعوزتنا هذه الإمكانات و افتقرنا لبعض الأسباب المادية، أمدنا سبحانه بمدد من عنده إذا علم منا صدق الإيمان و استفراغ الوسع فى بذل الأسباب، قال سبحانه {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}.


النصر من عند الله و لا تتعلق القلوب إلا بالله، ولا تتوكل إلا عليه، استجاب الله لهم فى بدر و هم يستغيثون، وأنبأهم أنه ممدهم بألف من الملائكة مردفين، وما ذلك إلا بشرى و لتطمئن به القلوب، دعوة مباركة ترفع من يستجيب لها وتعزه ويذل من يرفضها ويتنكر لها، فلنتوجه بها إلى الغرب الحائر والشرق التائه، إلى العرب والعجم، نقيم دولتنا العالمية، و نحتل مكان الزعامة و الريادة بعدما عشنا زمنا طويلاً فى مؤخرة الركب و فى صف الحاشية والتلاميذ و فى مقاعد المتفرجين، بهذه الدعوة المباركة يتغير مجرى التاريخ كما تغير فى العهد الأول بإسلام الفرس والترك و الديلم و فى العهد الأوسط بإسلام التتار والمغول، و لكن لا بد من ثورة فى المنهج و الأخلاق و السلوك، ولا تغير من حال إلى حال إلا بفضل الله {وَمَا تَوْفِيقِي إِلاَّ بِاللَّهِ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ وَإِلَيْهِ أُنِيبُ}.

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day