البحث
كيف وصلت إلينا سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم
عرف الناس التاريخ و توارثوه بالرواية ، و كانت لكتابة التاريخ أهداف كثيرة ، منها مفاخرة الآباء و الأجداد ، و منها الأخبار التى تدور حول الأنساب و الأحلاف .
ثم جاءالإسلام فغير مجرى التاريخ و غير كتابته فقد صار التاريخ لحفظ الدين و بيان هدي النبي صلى الله عليه وسلم في تخلق الأشخاص بهذا الدين ، و لما كان التاريخ دينا اهتم كتاب التاريخ في الإسلام بالأسانيد ، و التى جعلها الله خاصية من خصائص هذه الأمة دون بقية الأمم .
و في أهمية الإسناد يقول ابن المبارك : الإسناد من الدين ، و لولا الإسناد لقال من شاء ما شاء (1) ، فالسيرة النبوية هىالدين نفسه ، فكتابة قصة حياة الرسول صلى الله عليه وسلم هي كتابة قصة هذا الدين و هى نموذج لكل أب و لكل ابن ، و لكل معلم و لكل جار و لكل زوج و لكل ذي رحم ، نموذج ينادي كل أفراد الأمة : هلموا فهذه أخلاق نبيكم فخذوا بها و عضوا عليها بالنواجذ "
وَإِن تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا "
( النور / 54) .
و إذا كنا بصدد كتابة السيرة و نبتغي في ذلك الدقة و المنهجية فلابد أن نرجع إلى الأصول التى كتبها الصحابة في الرسول صلى الله عليه وسلم و نبدأ من عندها .
و إن كنا نجد في بداية البعثة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن كتابة شئ إلا القرآن ، و قد كانت الحكمة في هذا ظاهرة ، و هى الخشية من أن يختلط الوحي بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، و بعد ذلك لما عرف الناس القرآن و كتبوه و عرف الفرق بين كلام الله عز وجل و كلام النبي صلى الله عليه وسلم ، انتفت العلة و أذن النبي لبعض أصحابه بكتابة الحديث كعبد الله بن عمرو بن العاص في صحيفته الصادقة ، و صحيفة جابر و أنس ، و كتب أبو بكر و عمر و على رضي الله عنهم في خلافتهم و لكن هذه الكتابة لم تأخذ الشكل الرسمي ، حتى دخلت أيام عمر بن عبد العزيز و يذكرون أنه ظل يستخير الله اربعين يوما في تدوين الحديث ، فخار الله له ، و أذن لأبي بكر بن محمد بن حزم في تدوين الحديث ، و أمر كذلك محمد بن مسلم بن شهاب الزهري شيخ مالك فجمع في ذلك كتابا .
و استمر المسلمون بعد ذلك يؤلفون في الحديث ، لا تتقيد كتبهم بنهج خاص في التنسيق و الترتيب ، بل يجمعونها كيفما اتفق .
مؤلفوا السيرة :
يذكر لنا المؤرخون و المهتمون بالمخطوطات و الكتب أن اول كتاب السيرة مطلقا هو عروة بن الزبير بن العوام
ثم ابان بن عثمان بن عفان
ثم وهب بن منبه
ثم شرحبيل بن سعد
ثم ابن شهاب الزهري
ثم عبد الله بن أبي بكر بن حزم
و قد بيدت كتب هؤلاء جميعا ، لم يبق منها إلا أشلاء متناثرة في بطون كتب التاريخ كتاريخ الطبري .
ثم جاءت بعد ذلك طبقة أخرى من المؤلفين كان أشهر رجالها :
موسى بن عقبة
ثم معمربن راشد
ثم محمد بن اسحاق
ثم جاءت طبقة أخرى كان منها زياد البكائي
ثم الواقدي محمد بن عمر صاحب المغازي
ثم ابن هشام
ثم محمد بن سعد صاحب الطبقات
ثم أبو جعفر محمد بن جرير الطبري
و هكذا تناقل المسلمون السيرة جيلا بعد جيل حتى وصلتنا صورة صادقة لحياة النبي و أصحابه
المراجع
- أخرجه مسلم في المقدمة (32) عن عبد الله بن المبارك ، باب : في أن الإسناد من الدين .