1. المقالات
  2. من وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم
  3. إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ

إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ

الكاتب : الدكتور/ محمد بكر إسماعيل
4170 2018/11/04 2024/10/06
المقال مترجم الى : English 한국어 اردو

عن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍ –رضي الله عنهما قَالَ: "خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا".

 

يحذرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الشح, ويبين لنا سوء عواقبه، فيقول: "إِيَّاكُمْ وَالشُّحَّ" أي: احذروه كل الحذر، وخلصوا أنفسكم منه، ولا تستجيبوا له إذا دعاكم إلى البخل بما في أيديكم، أو إلى الطمع فيما في أيدي غيركم، أو إلى تقطيع أرحامكم وأواصر الصداقة فيما بينكم، أو أمركم بالتخلي عن واجباتكم الدينية والدنيوية؛ فإن الشح داء وبيل، يصحبه الخسران المبين في الدنيا والآخرة.

 

قال تعالى: { وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ } (سورة التغابن: 16)

 

ومفهوم هذا الشرط أنه من لم يتق شح نفسه فهو من الخاسرين.

*     *     *

والشح في اللغة: غريزة جيلية في الإنسان تحمله على البخل والحرص والطمع والحقد، والحسد والقطيعة، والفجور، بدليل ما جاء في هذا الحديث، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: "فَإِنَّمَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ بِالشُّحِّ أَمَرَهُمْ بِالْبُخْلِ فَبَخِلُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْقَطِيعَةِ فَقَطَعُوا وَأَمَرَهُمْ بِالْفُجُورِ فَفَجَرُوا".

 

فمن قال إن الشح هو البخل، أو هو أشد أنواع البخل لم يكن دقيقاً في تعريفه ووصفه، فكيف يكون هو البخيل ويأمر به؟.

 

وقد وصف الله المنافقين به، وعممه في كل ما لا تجود النفس به، فقال: { قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لِإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلَا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلَّا قَلِيلًا أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذَا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدَادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا } (سورة الأحزاب: 18- 19).

 

فالخير في الآية لفظ عام يتناول بعمومه ما كان مادياً وما كان معنوياً. فهم أشحة على إسداء الخير، وصنع المعروف بكافة أنواعه.

 

لا يجودون بكلمة ينتفع بها المؤمنون، ولا يتعاونون معهم في شيء، ولا يدخرون وسعاً في إيقاع الضرر بهم، ويتمدون لهم الشر من أعماق قلوبهم.

 

{ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ } (سورة المنافقون: 4).

 

ومن هنا نفهم أن الشح أوسع دائرة من البخل، فالبخل هو منه الحقوق الشرعية أو التي تقتضيها المروءة، والشح مركب من مجموعة آفات، كل آفة أكبر من أختها.

 

فالبخل داء عضال لا يستطيع المرء أن يتخلص منه إلا بمشقة بالغة وحيلة بارعة، سنذكرها فيما بعد نقلاً عن الأمام الغزالي بشيء من التصرف.

 

وأخوه الحرص على ما في اليد من مال ونحوه مما يستمتع المرء به، وينتفع بوجوده، ولا يصبر على بعده عنه، ولا يسره فراقه بحال.

 

وربما أدى الحرص بصاحبه إلى تقديس ما يحرص عليه، حتى يكون منه بمنزلة السمع والبصر، فيجعله مبلغ همه، ومنتهى أمله، فيصير عبداً له، وينسى معه الوظيفة التي خلقه الله من أجلها، فلا يقيم الصلاة في أوقاتها حرصاً على العمل الذي يدر عليه الرزق الكثير، والخير الوفير، ولا يؤت الزكاة التي افترضها الله عليه اعتقاداً منه أن الزكاة تنقص المال، ولا يؤت ذوي القربى حقهم بل ولا يذهب لزيارتهم كيلا يسألوه حاجة من حوائجهم، أو كيلا يحسدوه على ما عنده من خير فيزول هذا الخير بسبب حسدهم.

 

 

وربما دفع به حرصه إلى الفجور، وهو ارتكاب ما لا يحل شرعاً، من أجل البقاء على ما في يديه، والطمع في زيادته وتنميته بشتى الطرق المشروعة وغير المشروعة، فهو عبد لما ملك، وعبد لما يطمع في تملكه. وهذا هو الخسران المبين في الدنيا وفي الآخرة.

 

قال صلى الله عليه وسلم: "تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ وَعَبْدُ الدِّينَارِ وَعَبْدُ الْخَمِيصَةِ"، تَعِسَ  وانتكس، وَإِذَا شِيكَ فَلَا انْتَقَشَ".

 

والحرص على جمع المال وتنميته ليس مذموماً في كل حال، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم يقل تعس طالب الدرهم والدينار، بل قال:" تَعِسَ عَبْدُ الدِّرْهَمِ وَالدِّينَارِ" وهو الذي يؤدي به الحرص إلى ما قد ذكرنا من التقصير في حق الله وحق الناس وحق نفسه أيضاً.

 

فإذا اجتمع البخل والحرص والطمع فهو الشح – كما تقدم -.

 *     *    *

وقد أهلك الشح الأمم قبلنا فلا ينبغي أن نكون مثلهم فتحذوا حذوهم ونحن خير أمة أعزها الله بكتاب مهيمن على سائر الكتب السماوية: لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وأكرمها بنبي هو أكرم الأنبياء، خلقاً وأرفعهم مقاماً، فلابد أن نعرف ما تعرضت له الأمم السابقة من مثلات فلا نتعرض لها بمحاكاتهم في أخلاقهم وسلوكهم الذي أدى بهم إلى ما أصابهم والله المستعان.

 

 

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day