البحث
من حقوق المصطفى - طاعته ( الجزء الثاني)
إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إلـٰه إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُون).
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبا).
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيما).
أما بعد، فإن خير الكلام كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن الله أكرم هذه الأمة باختيار خير خلقه ليكون نبيا لها ورسولا، وهو محمد (صلى الله عليه وسلم)، فكان بحق خير الناس خُلُقا وعِلما وعملا، وقد أمر الله بالنصيحة له، فعن تميم الداري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الدين النصيحة.
[1]قلنا: لمن؟ قال: لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم.
قال النووي رحمه الله ملخصا كلام بعض العلماء في معنى النصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم :
وأما النصيحة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فتصديقه على الرسالة، والإيمان بجميع ما جاء به، وطاعته في أمره ونهيه، ونصرته حياً وميتاً، ومعاداة من عاداه، وموالاة من والاه، وإعظام حقه وتوقيره، وإحياء طريقته وسنته، وبث دعوته، ونشر شريعته، ونفي التهمة عنها، واستثارة علومها، والتفقه في معانيها، والدعاء إليها، والتلطف في تعلمها وتعليمها، وإعظامها وإجلالها، والتأدب عند قراءاتها، والإمساك عن الكلام فيها بغير علم، وإجلال أهلها لانتسابـهم إليها، والتخلق بأخــلاقه، والتأدب بآدابه، ومحبة أهل بيته وأصحابه، ومجانبة من ابتدع في سنته أو تعرض لأحد من أصحابه ونحو ذلك.[2] انتهى كلامه رحمه الله.
وقال القاضي عياض رحمه الله مبينا معنى النصيحة للنبي صلى الله عليه وسلم :
النصيحة لرسوله، التصديق بنبوته، وطاعته فيما أمر به ونهى عنه، ونصرته حيا وميتا، ومعاداة من عاداه، ومحاربة من حاربه، وبذل النفوس والأموال دونه في حياته، وإحياء سنته بعد موته، بالبحث عنها، والتفقه فيها، والذب عنها، ونشرها، والدعاء إليها، والتخلق بأخلاقه الكريمة، والتأدب بآدابه الجميلة، وتوقيره، وتعظيمه، ومحبة آل بيته وأصحابه، ومجانبة من ابتدع في سنته[3]. انتهى كلامه رحمه الله.
أيها المسلمون، إن طاعة النبي صلى الله عليه وسلم لـمِن أعظم النصح له كما تقدم من كلام العلماء، كيف لا وقد قَرن الله تعالى طاعته بطاعـة رسوله صلى الله عليه وسلم، وأعلمَ خلقَه بأن من أطاع الرسول فقد أطاعه،
فقال تعالى
﴿من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك عليهم حفيظاً﴾[4]
، وَوَجْــهُ ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم إنما جاء بهذا الدين من عند الله عز وجل، فهو مبلغ عن الله، ولم يأت بشيء من عند نفسه، قال تعالى لنبيه ]قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي[.
وقد أمر الله تعالى بطاعة الرسول صلى الله عليه وسلم في ثلاث وثلاثين موضعا من القرآن[5] ، منها
قوله تعالى
لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا
وقوله تعالى
﴿وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا﴾[6]
وقوله تعالى
قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإن الله لا يحب الكافرين [7]
وقوله تعالى
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون [8]
وقوله تعالى
يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم
.
كما تواترت النصوص النبوية في الحث على اتباعه وطاعته، والاهتداء بهديه، والاستنان بسنته، وتعظيم أمره ونهيه، ومن ذلك حديث أبي هريرة رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى.
قالوا: يا رسول الله، ومن يأبى؟
[9]قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى.
[10]وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من أطاعني فقد أطاع الله، ومن عصاني فقد عصى الله.
[11]وعنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إذا نهيتكم عن شيء فاجتنبوه، وإذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم.
وعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : والذي نفسي بيده، لتدخلن الجنة كلكم إلا من أبى وشرَد على الله كشِراد [12] البعير.
قال: يا رسول الله، ومن يأبى أن يدخل الجنة؟
[13]قال: من أطاعني دخل الجنة، ومن عصاني فقد أبى.
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا واستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه، إنه كان للتوابين غفورا.
المراجع
- رواه مسلم عن تميم الداري (55).
- شرح النووي على صحيح مسلم.
- «إكمال المعلم» (1/307) للقاضي عياض، تحقيق يحيى إسماعيل، الناشر: دار الوفاء – مصر.
- سورة النساء: 80 .
- قال شيخ الإسلام رحمه الله: وقد أمر الله بطاعته في أكثر من ثلاثين موضعا من القرآن، وقرن طاعته بطاعته، وقرن بين مخالفته ومخالفته، كما قرن بين اسمه واسمه، فلا يذكر الله إلا ذكر معه. «مجموع الفتاوى» (19/103). وهكذا قال الآجري في «الشريعة»، ص 49 .
- سورة الحشر: 7، وهذه الآية تفـيد أن الله تعالى أوجب في القرآن أخذ كل ما أتى به الرسول جملة وتفصيلاً.
- سورة آل عمران: 32 .
- سورة الأنفال: 20 .
- رواه البخاري (7280).
- رواه البخاري (7137)، ومسلم (1835) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
- رواه البخاري (7288)، ومسلم (1337) عن أبي هريرة رضي الله عنه.
- أي كما يشرد البعير إذا نفر وذهب عن صاحبه، والمقصود بالشرود هنا الخروج عن طاعة الله.
- رواه ابن حبان (1/196 – 197)، ورجاله رجال مسلم، والحديث له شواهد تقويه كحديث أبي هريرة المتقدم، وحديث أبي هريرة الذي رواه أحمد (2/361) وغيره، وسنده على شرط الشيخين كما قال الحافظ في «الفتح»، شرح حديث (7280).
باختصار من حاشية الشيخ شعيب على الحديث أعلاه.