1. المقالات
  2. مقالات و خواطر
  3. من حقوق المصطفى - محبته (الجزء الثاني)

من حقوق المصطفى - محبته (الجزء الثاني)

تحت قسم : مقالات و خواطر
952 2020/11/29 2020/12/03

الحمد لله وكفى، وسلام على عباده الذين اصطفى، أما بعد:


أيها المؤمنون، والأسباب المعينة على حب النبي صلى الله عليه وسلم عديدة، وأهمها أربعة:
الأول: تذكر تضحياته لأمته وشفقته عليهم، فقد لقي النبي صلى الله عليه وسلم في سبيل نشر الإسلام أذىً عظيما.
ومما يقوي محبة النبي صلى الله عليه وسلم تذكر شفقته العظيمة على أمته من الهلاك الأخروي،

كما قال تعالى

﴿لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم﴾.


وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إنما مثلي ومثل الناس كمثل رجل استوقد نارا، فلما أضـاءت ما حـوله جـعل الـفراش وهـذه الدواب التي تقع في النار يقعن فيها، فجعل الرجل يَـــزَعَــهُن [1] ويغلِبنه فيقتحمن فيها، فأنا آخذ بـِحُجَـــــزِكم  [2] عن النار [1]وأنتم [4]تَقَحَّمون [3] فيها.

 
ومـما يقوي محبة النبي صلى الله عليه وسلم معرفة صفاته الحميدة وأخلاقه الطيبة، والتي منها أنه كان يعفو ويصفح، فقد قال عنه أهل مكة إنه ساحر، وشاعر، ومجنون، وصابئ، وضُرب على عَــــقِــبِـــهِ، وخُـنِق بِسلا الجزور ، وكُسرت ربَاعيته، ودمي وجهُه الشريف، ثم لما أمكنه الله من أهل مكة بعدما فعلوا به ما فعلوا قال لهم: يا أهل مكة، ما ترون أني فاعل بكم؟ قالوا: خيرا، أخٌ كريم وابن أخٍ كريم.ثم قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء.
فأعتقهم رسول الله، وقد كان الله أمكنه من رقابهم عُـــنوة ، وكانوا له فيئا ، فبذلك يُسمَّى أهل مكة «الطلقاء». 
ومما يقوي محبة النبي صلى الله عليه وسلم الإكثار من قراءة كتب السيرة النبوية والمطالعة فيها، وتذكر أحواله وأعماله وجهاده وتكوينه للمجتمع الإسلامي.


أيها المسلمون، لقد ضرب السلف أروع الأمثلة في حب النبي صلى الله عليه وسلم وتقديمه على النفس والأهل والمال، فقد سأَل أبو سفيان بن حرب - وهو على الشرك حينذاك - زيد بن الدثنة رضي الله عنه حينما أخرجه أهل مكة من الحرم ليقتلوه: أنشدك الله يا زيد، أتحب محمداً عندنا الآن في مكانك نضرب عنقه وإنك في أهلك؟ 


قال: والله ما أحب أن محمداً الآن في مكانه الذي هو فيه تصيبه شوكة تؤذيه وأني جالس في أهلي.


فقال أبو سفيان: ما رأيت من الناس أحداً يحب أحداً كحب أصحاب محمدٍ محمداً. 
أيها المؤمنون، ومن تلبيس الشيطان على بعض الناس أنْ زَيَّــــنَ لهم فعل أمورٍ ليست من الدين لم يفعلها النبي صلى الله عليه وسلم ولا صحابته ولا أصحاب القرون الثلاثة المفضلة، يزعمون أنها من تمام المحبة للنبي صلى الله عليه وسلم ، ومن هذا ما يسمى بـ «المولد النبوي»، وهذا خطأ، لأن المحبة تقتضي التسليم للمحبوب، وتَــتَـــبُّــع آثاره، والوقوف عند أمره ونهيه، والحرص على عدم النقص أو الزيادة في دينه، وقد علمنا أن ما يُسمى بــ «المولد النبوي» ليس من هذه بشيء، بل هو من العبادات المحدثة، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم : (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد)، أي مردود على صاحبه، غير مقبول.


ثم اعلموا رحمكم الله أن الله سبحانه وتعالى أمركم بأمر عظيم فقال (إن اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تسليما)، وقال النبي صلى الله عليه وسلم حاثا أمته على الإكثار من الصلاة والسلام عليه يوم الجمعة: (إن من خير أيامكم يوم الجمعة، فأكثروا من الصلاة عليَّ فيه، فإن صلاتكم معروضة علي)، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض عن أصحابه الخلفاء، وارض عن التابعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.


اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين، ودمر أعداءك أعداء الدين، وانصر عبادك الموحدين، اللهم آمنا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعلهم هداة مهتدين، اللهم من أرادنا وأراد الإسلام والمسلمين بشر فأشغله في نفسه، ورد كيده في نحره، اللهم ادفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا، والزلازل والمحن وسوء الفتن، ما ظهر منها وما بطن، عن بلدنا هذا خاصة، وعن سائر بلاد المسلمين عامة يا رب العالمين. اللهم ارفع عنا الوباء إنا مسلمون. اللهم وفق جميع ولاة المسلمين لتحكيم كتابك، وإعزاز دينك، واجعلهم رحمة على رعاياهم. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. عباد الله، إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكرون، فاذكروا الله العظيم يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر، والله يعلم ما تصنعون. 


أعد الخطبة: ماجد بن سليمان الرسي، في الخامس من شهر ربيع الثاني لعام 1442، في مدينة الجبيل، في المملكة العربية السعودية


المراجع

  1. أي يدفعها ويطردها.
  2. حُـجَزِكم جمع حُـجزة وهي موضع شد الإزار. انظر «النهاية».
  3. تقحَّمون أي ترمون بأنفسكم فيها من غير روية ولا تثبت. انظر «النهاية».
  4. رواه البخاري (6483)، ومسلم (2284).
  5. الجزور هو البعير، ذكرا كان أم أنثى، وسلاه هي الجلدة الرقيقة التي يكون فيها الولد من الـمواشي، قاله العيني في «عمدة القاري»، كتاب الجهاد والسير، باب الدعاء على المشركين بالهزيمة والزلزلة.
  6. أي قهرا.
  7. أي غنيمة
  8. رواه الطبري في «تأريخه»، ذكر الخبر عن فتح مكة، وانظر «أخبار مكة» (2/121) للأزرقي.


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day