1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. مهمة الرسول

مهمة الرسول

الكاتب : صالح أحمد الشامي


إن مهمة "الرسول" هي إيصال "الرسالة"

وبما أن "رسالة الإسلام " هي "منهج الحياة" الذي أراد الله تعالى لعباده أن يسيروا على هديه، كان من رحمته تعالى بعباده أن جعل من مهمة "حامل الرسالة" أن يؤديها بياناً عملياً في واقع الحياة، بكل ما في هذا الواقع من ملابسات ومفاجآت، حتى تكون "حياته" مناراً لعباد الله في كل الظروف وعلى اختلاف الأيام.

وفي القرآن آيات كثيرة تبين هذا المعنى وتؤكده ومن ذلك:

قوله تعالى في سورة الأحزاب:

{لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ ٱللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُوا ٱللَّهَ وَٱلْيَوْمَ ٱلْآخِرَ وَذَكَرَ ٱللَّهَ كَثِيرًا} (1).

وقوله تعالى في سورة آل عمران:

{قُلْ إِن كُنتُمْ تُحِبُّونَ ٱللَّهَ فَٱتَّبِعُونِى يُحْبِبْكُمُ ٱللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} (2).

قال ابن كثير رحمه الله في تفسير الآية الأولى: "هذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر تبارك وتعالى الناس بالتأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم يوم الأحزاب في صبره ومصابرته ومرابطته ومجاهدته وانتظاره الفرج من ربه عز    وجل. .".

ونحن كثيراً ما نستشهد بالآية الكريمة على ضرورة اتباعه صلى الله عليه وسلم في  كل أمر من أموره، وفي كل عمل من أعماله وفي كل شأن من شؤونه. .بحيث تكون سيرته نصب عيني كل مسلم فيتأسى به ويسير على هديه.

وإذا علمنا أن هذه الآية نزلت في مناسبة غزوة الأحزاب. . علمنا أن هذا التأسي ليس قاصراً على قضايا السلم، بل هو ألزم في أوقات الأزمات، حيث يكون التأسي به صلى الله عليه وسلم تباتاً في الجاش وقوة في الأعصاب وصبراً جميلاً في مواجهة المصاعب. وهذا هو الميدان الأول الذي نزلت الآية الكريمة في مواجهته.

قال سيد قطب رحمه الله: "وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم على الرغم من الهول المرعب والضيق المجهد، مثابة الأمان للمسلمين، ومصدر الثقة والرجاء والاطمئنان، وإن دراسة موقفه صلى الله عليه وسلم في هذا الحادث الضخم (1)، لما يرسم القادة الجماعات والحركات طريقهم، وفيه أسوة حسنة لمن كان يرجو الله واليوم الآخر. .".

وتؤكد آية "آل عمران" معنى ما جاءت به آية الأحزاب، وتضيف إليه: أن اتباعه صلى الله عليه وسلم والتأسي به، هو التعبير الصادق عن الحب لله تعالى، وهو بالتالي الوسيلة لحصول العبد على محبة الله تعالى له، وتلك هي الغاية التي يسعى إليها كل مسلم ومؤمن.


ونلفت النظر إلى أن الاتباع والتأسي أوسع دائرة من إطاعة الأمر واجتناب النهي، فالتأسي تتبع الأقوال والأفعال، في كل صغيرة وكبيرة، في العادات وفي العبادات، في الفروض والواجبات والمباحات. . في ذات العمل وفي طريقة أدائه، في القول وبالطريقة التي أدى بها هذا القول. . إنه التأسي بالمضمون والشكل.

ولقد فهم الصحابة رضي الله عنهم هذا المعنى في حياته صلى الله عليه وسلم فنقلوا لنا كل ما شاهدوه أو سمعوه منه صلى الله عليه وسلم، ونقلوا الطريقة والأسلوب. . طريقة الأكل والشرب والكلام والمشي. . وكل شيء، حتى ما كان من خاصة الإنسان في شؤون بيته.

نقل الصحابة لنا ذلك، وطبقوه تأسياً واقتداء.

فهذا ابن عمر رضي الله عنهما كان يأتي شجرة بين مكة والمدينة فيقيل تحتها ويخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يفعل ذلك (1).

وهذا ابن عمر يقول: (لبس عمر قيمصاً جديداً، ثم دعاني بشفرة فقال: مد يا بني كم قميصي، وألزق يديك بأطراف أصابعي ثم اقطع ما فضل عنها، فقطعت من الكمين من جانبيه جميعاً، فصار فم الكم بعضه فوق بعض، فقلت له: يا أبته لو سويته بالمقص، فقال: دعه يا بني، هكذا رأيت رسول الله يفعل، فما زال عليه حتى تقطع، وكان ربما رأيت الخيوط تساقط على قدمه) (2).

إنه الاتباع والتأسي حتى في الأعمال العادية التي هي من باب المباحات

على أن إمعان النظر في الآيتين الكريمتين يؤكد أن هذا التأسي والاتباع لا يصح أن يكون قاصراً على العمل الفردي الذي يقوم به الإنسان لذاته، بل ينبغي أن يتجاوز ذلك ليشمل الاتباع في الأعمال الجماعية، والتي كان صلى الله عليه وسلم يقوم بها مع أصحابه.

كما أنه لا ينبغي أن نقف عن النظرة الجزئية التي تتناول سلوكه صلى الله عليه وسلم من خلال الأعمال كلاً منها على حدة، بل علينا أن ننتقل إلى النظرة الكلية فندرس ترتيت هذه الأعمال والأقوال. . فكل منها كان يأتي في الوقت المناسب. .

وبهذا الأسلوب من الدراسة والتتبع نستطيع الاهتداء إلى منهج الحركة. .

إن الطريقة التي التزمها صلى الله عليه وسلم في دعوته للناس، هي الوحيدة القادرة على الخروج بالناس مرة أخرى من ظلمات الجاهلية كلما عمت إلى نور الإسلام.

وحينما ننعم النظر في السيرة العطرة نجد أن الدعوة في مكة استغرقت ثلاثة عشر عاماً. وأن القسم الأكبر من القرآن نزل في مكة. ولم تقم بعد دولة، ولم تنزل آيات التشريع. . إنه أمر يستوقف الدعاة لدراسته إذا أرادوا استئناف حياة إسلامية.

إن تربية الأفراد طويلاً سبقت إقامة المجتمع الإسلامي، وإن التدريب على الصبر تربية للنفوس، سبق مطالبتها بالصبر في ميادين القتال.

إن تتبع حركة هذا الدين على يديه صلى الله عليه وسلم ومعرفة ترتيبها الأول فالأول في محاولة للتأسي بها في تربية جيل يحمل الإسلام مرة أخرى، واجب على علماء هذه الأمة، ولعله من أول الواجبات.

إن سيرته صلى الله عليه وسلم في مكة أو المدينة كانت تسير وفق مخطط إلهي. . وكانت كل خطوة منها جزئية من منهج الحركة في هذا الدين. . ومن الواجب التعرف على سير الحركة في هذا المخطط لنسلك السبيل السوي في الدعوة إلى الله تعالى.

إننا بحاجة إلى دراسة متأنية للسيرة لا باعتبارها أعمالاً وأقوالاً فحسب وإنما باعتبار هذه الأعمال والأقوال وردت في ترتيب زمني، ووفق أوليات روعي فيها الوضع النفسي وغيره للجماعة المسلمة.

إنه الجانب الآخر من التربية النبوية في إطارها الكلي، لا بد من البحث والدراسة لوضعه في متناول الأيدي المخلصة في دعوتها إلى الله عز وجل.

(إنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها) (1).

تلك كلمة قالها إمام دار الهجرة، مالك بن أنس، رحمه الله، وهي تمثل النظرة الثاقبة التي ترشد إلى طريق الإصلاح.

 وما هي إلا المفهوم الواعي لما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم:

(قَالَ تَرَكْتُ فِيكُمْ أَمْرَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا مَا تَمَسَّكْتُمْ بِهِمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ) (2).

والكتاب والسنة كانا مادة صلاح الأول. .

على أن هذا الصلاح لم يكن دفعة واحدة، أو قفزة واحدة. . وإنما كان تربية خطت خطواتها على مراحل، بل إن القضية الواحدة ربما تناولها القرآن أو السنة على مراحل، وما قضية تحريم الخمر بخافية على القارئ الكريم.

وإذن، فهناك المادة التي يكون بها الصلاح، وهناك الطريقة لاستعمال هذه المادة، إنه لا يكفي أن نعرف الدواء بل لا بد من معرفة كيفية الاستعمال.

وإذا كان الأمر كذلك فإننا نؤكد على ضرورة التعرف على منهج الحركة في سيرته حتى يتسنى لنا الاتباع بعد المعرفة، فنكون على هدي من السنة الشريفة في الموضوع وفي الشكل. وبهذا يصلح الآخر بما صلح به الأول.

المراجع

  1. سورة الأحزاب: الآية 21.
  2.  سورة آل عمران: الآية 31.
  3. المقصود به غزوة الأحزاب.
  4. حياة الصحابة للكاندهلوي 2/ 356 وقال: أخرجه البزار بإسناد لا بأس به، وقال الهيثمي: ورجاله مؤثقون.
  5. المصدر السابق 2/ 354 نقلاً عن أبي نعيم في الحلية 1/ 45.
  6. كتاب الشفا، للقاضي عياض، تحقيق البجاوي (2/ 676).
  7. الموطأ، رقم الحديث (1662).


المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day