1. المقالات
  2. السِّيرَةُ النَّبويَّةُ (تَربِيةُ أمَّةٍ وَبنَاءُ دَوْلَةٍ)
  3. جهره صلى الله عليه وسلم بالدعوة

جهره صلى الله عليه وسلم بالدعوة

الكاتب : صالح أحمد الشامي

جهره صلى الله عليه وسلم بالدعوة

رأينا في الفصل السابق كيف أنه صلى الله عليه وسلم أعلم عن مهمته دون تأخير يوم نزل الوحي يطالبه بالقيام بمهمة الإنذار.

ورأينا أن الدعوة قد بدأت هادئة قبل إنكار قريش. .، وفي ظل تلك الفترة كان إسلام من أسلم قبل دخول دار الأرقم.

ثم كان دخول دار الأرقم عقب وقوف قريش في وجه الدعوة وصدها عن سبيل الله، وقد ظلت هذه الدار مركزاً من مراكز اللقاء بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أتباعه حتى نهاية العام السادس من البعثة.

ولكن هذا لا يعني أن الرسول الكريم ظلت دعوته محصورة في إطار قريش وأهل مكة. فإن النصوص التي بين أيدينا تبين أنه صلى الله عليه وسلم مع مطلع العام الرابع من بعثته اتجه إلى إعلان دعوته والجهر بها إلى غير قريش حيث بدأ يفتش عن قوم يحمونه حتى يبلغ دعوة الله تعالى.

أخرج الإمام أحمد عن جابر قال:

(مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة عشر سنين يتبع الناس في منازلهم: عكاظ ومجنة، وفي المواسم، يقول: "من يؤويني؟ من ينصرني حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة"، فلا يجد أجداً يؤويه ولا ينصره، حتى إن الرجل ليخرج من اليمن أو من مضر فيأتيه قومه وذوو رحمه فيقولون: احذر غلام قريش لا يفتنك، ويمضي بين رحالهم وهم يشيرون إليه بالأصابع..) (1).

وأخرج أبو نعيم في دلائل النبوة (ص 101 عن عبدالله بن كعب بن مالك رضي الله عنهما قال:

(أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاث سنين من نبوته مستخفياً، ثم أعلن في الرابعة، فدعا عشر سنين، يوافي الموسم يتبع الحاج في منازلهم بعكاظ ومجنة وذي المجاز، يدعوهم إلى أن يمنعوه حتى يبلغ رسالة ربه عز وجل ولهم الجنة، فلا يجد أحداً ينصره، حتى إنه يسأل عن القبائل ومنازلهم فبيلة قبيلة. .) (2).

إن هذين الخبرين وغيرهما يبينان أن دعوته صلى الله عليه وسلم كانت في الأعوام الثلاثة الأولى قاصرة على أهل مكة، ثم بدأ يتطلع إلى غير قريش مع مطلع العام الرابع واستمر كذلك عشر سنسن وهي بقية إقامته في مكة، وما ذاك إلا لما رآه من العناد والمقاومة لدعوته من أهل مكة.

ولقد وجد صلى الله عليه وسلم في مواسم الحج، ومواسم الأسواق قبل الحج وبعده فرصة مناسبة لعرض دعوته، كما رأينا في النصين السابقين. .

ومما يلفت النظر في عرضه صلى الله عليه وسلم نفسه على القبائل، أنه لم يعد يطلب إيمان الذين يعرض عليهم أمره، وإنما كان يطلب منهم إيواءه ونصرته حتى يبلغ الرسالة، إنه يطلب حمايته لتأمين حرية الكلمة وإيصالها إلى الأسماع، وهو لا يلزم أحداً بقبول ما جاء به. .

ولقد بذل صلى الله عليه وسلم جهوداً مضنية في هذا المجال ولكن المقاومة الإعلامية التي نظمتها قريش كانت تحول دون الوصول إلى ثمرة ما.

روى الإمام أحمد وغيره عن ربيعة بن عباد من بني الدئل - وكان جاهلياً فأسلم - قال:

(رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في الجاهلية فِي بِسُوقِ ذِي الْمَجَازِ وَهُو يَقُولُ: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ قُولُوا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ تُفْلِحُوا" وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ عَلَيْهِ وَوَرَاءَهُ رَجُلٌ وَضِيءُ الْوَجْهِ أَحْوَلُ ذُو غَدِيرَتَيْنِ يَقُولُ إِنَّهُ صَابِئٌ كَاذِبٌ يَتْبَعُهُ حَيْثُ ذَهَبَ فَسَأَلْتُ عَنْهُ فَقَالُوا: هَذَا عَمُّهُ أَبُو لَهَبٍ) (1).

قال ابن إسحاق: فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك من أمره، كلما اجتمع له الناس بالموسم أتاهم يدعو القبائل إلى الله وإلى الإسلام ويعرض عليهم نفسه، ما جاء به من الهدى والرحمة، وهو لا يسمع بقادم يقدم مكة من العرب له اسم وشرف إلا تصدى له، فدعاه إلى الله، وعرض عليه ما عنده (2).

واستمر رسول الله صلى الله عليه وسلم على دعوته تلك حتى العام العاشر من البعثة، وفيه توفي عمه أبو طالب، الذي بذل في حمايته الشيء الكثير، وعندها نالت قريش من النبي صلى الله عليه وسلم من الأذى ما لم تكن تنال منه حياته. . وعندها فكر في البحث عن مكان لدعوته خارج مكة.

وكانت الطائف أقرب المدن إلى مكة. . وخرج إليها يبحث عن أرض صلبة يقيم عليها بناء دعوته، ولكنه قوبل برد سيء ومعاملة قاسية. . وعاد ثانية إلى مكة ليتابع بذل الجهد. . عسى الله أن يأتي بالفرج من عنده. .

وكان ذلك في موسم العام الحادي عشر من البعثة حيث كانت البيعة الأولى مع الأنصار. . وكانت الهجرة بعد ذلك.

المراجع

  1. حياة الصحابة للكاندهلوي 1/ 245، وقالك وقد رواه أحمد أيضاً والبيهقي من غير هذا الطريق أيضاً، وهذا إسناد جيد على شرط مسلم ولم يخرجوه، كذا في البداية 3/ 159.
  2. وقال الحافظ في فتح الباري 7/ 158: إسناده حسن، وصححه الحاكم وابن حبان.
  3. حياة الصحابة للكاندهلوي 1/ 92.
  4. البداية والنهاية لابن كثير 3/ 139.
  5. سيرة ابن هشام 1/425.


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day