البحث
الرحلة في طلب علم الحديث
الرحلة في طلب علم الحديث
كانت الرحلة والسفر ديدن طلاب علم الحديث على مر القرون، للقاء الأئمة والأخذ عنهم. . وهذا مدون في تراجمهم وسيرهم.
وكانت مدن العلم وعواصمه كثيرة، منها: المدينة النبوية المنورة، ومكة المكرمة، ودمشق، وبغداد والبصرة، والموصل، وبخاري، ونيسابور، وخراسان، وسمرقند، وقزوين، واليمن.
وظهر في هذه المدن أئمة أعلام، قصدهم طلاب العلم من كل مكان.
وكان على كل طالب علم أن يعد نفسه لهذه الأسفار.
ومع مرور الأيام ضعفت الهمم، واكتفى طلاب العلم في كل بلد بالأخذ عن العالم الذي في بلدهم، وقد سجل هذه الظاهرة العلامة الموصلى (ت 622 هـ) في مقدمة جمعه للصحيحين بقوله: "ولما كان علم الحديث، ورأيت إعراض الناس عنه، وسبب ذلك أربعة أشياء وذكر منها السفر. .".
ثم ظهرت الطباعة في بلاد المسلمين مع مطلع القرن العاشر الهجري، فأحدثت تغيراً نوعياً في طريقة طلب العلم.
فنشأت عواصم جديدة لطلب العلم، هي مؤلفات الأئمة.
ومن هذه العواصم: موطأ الإمام مالك، مسند الإمام أحمد، الجامع الصحيح للإمام البخاري، صحيح الإمام مسلم، سنن الإمام أبي داود، جامع الإمام الترمذي. . وغيرها كثير كثير.
وبعد أن كانت الرحلة إلى عواصم العلم، أصبحت الرحلة فيها. . في صفحات الكتاب وبين أسطره.
واكتفى طلاب العلم بالسعي للحصول على كتب هؤلاء الأئمة الأعلام، والتتلمذ عليها إما بالقراءة على شيخ والتتلمذ عليه، وهي الطريقة الأكثر شيوعاً. . وإما باكتفاء طالب العلم بالرجوع إلى هذه المصادر مباشرة. .
وكنتُ واحداً من هذا النوع الأخير، ولم يكن واسطة بيني وبين هؤلاء الأئمة الأعلام. .فتتلمذت على أيديهم مباشرة، تلك الأيدي التي كتبت هذه الكتب الأعلام.
لم يكن ذلك في مقتبل العمر، وأنا واحد من خريجي إحدى كليات الشريعة، واشتغلت بالعلم بعدها وظهرت بعض كتاباتي في السيرة النبوية وغيرها.
أقول: لم يكن ذلك في مقتبل العمر، وإنما بعد بلوغ سن الخمسين حيث بدأت رحلتي إلى إمام الأئمة في علم الحديث الإمام البخاري، ثم اتجهت إلى الإمام مسلم. . وبعد التلمذة على يديهما خرجت وأنا أحمل معي كتاب "الجامع بين الصحيحين".
تلك بداية رحلتي..