البحث
العيش في ظلال السنة
العيش في ظلال السنة
قال الشيخ علي الطنطاوي رحمه الله - داعياً إلى قراءة السيرة -: "وابدأ فانظر ما أُلف في سيرة سيد البشر ومعلم الخير صلى الله عليه وسلم وكيف دونت حركاته وسكناته، وألفاظه وإشاراته في مئات من الكتب. .".
ومن قبله قال الإمام ابن القيم رحمه الله:
"وإذا كانت سعادة العبد في الدارين بهدي النبي صلى الله عليه وسلم، فيجب على كل من نصح نفسه، وأحب نجاتها وسعادتها، أن يعرف من هديه وسيرته وشأنه ما يخرج به عن الجاهلين به ويدخل في عداد أتباعه. .".
وقال أيضاً:
"إذا صدق العبد في إرادة ربه رزق محبة الرسول صلى الله عليه وسلم، فجعله إمامه ومعلمه وقدوته… فيطالع سيرته ومبادئ أمره وكيفية نزول الوحي عليه، ويعرف صفاته وأخلاقه، وآدابه في حركاته وسكونه، ويقظته ومنامه، وعباداته ومعاشرته لأهله وأصحابه، حتى يصير كأنه - معه - من بعض أصحابه".
وكثير من الأئمة قد أوصوا بمثل ذلك.
فالتعرف على سيرة النبي الرسول صلى الله عليه وسلم وسُنته ليس نافلة من النوافل، بل هو فرض من الفروض.
وذلك لأن محبته صلى الله عليه وسلم شرط في الإيمان، وكلما ازدادت هذه المعرفة كلما ازداد هذا الحب.
وكذلك فاتباعه شرط للحصول على محبة الله تعالى لنا، كما هو التعبير عن حبنا لله تعالى.
وبمعرفة سُنته وسيرته نتعرف على معالم هذا الدين الحنيف الذي نتعبد الله تعالى به.
وقد أتيح لي بحمد الله تعالى أن أعيش أوقاتاً طويلة مع سُنته وسيرته صلى الله عليه وسلم، فعشتُ معه في مكة وهاجرت معه إلى المدينة، وعشت معه بعد ذلك في المدينة وهاجرت مع أصحابه إلى الحبشة للهجرة الأولى والثانية..
رأيته في غار حراء حين نزل عليه الوحي لأول مرة. . كما سمعته وهو يتلو آخر آية نزلت عليه وهي قوله:
{وَٱتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى ٱللَّهِ ۖ }
[البقرة: 281]
كنت أرقبه في صلاة الصبح من كل يوم عندما يجلس بعدها إلى طلوع الشمس، وأصحابه قريباً منه يتحدثون عن أيام جاهليتهم ويحمدون الله على ما هداهم إلى الإسلام، ويضحكون من جهلهم الذي كانوا عليه، ويتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم فرحاً بأصحابه أن عاشوا الفرق بين الإسلام والجاهلية.
ولم يعرف الإسلام من لم يعرف الجاهلية.
وكذلك ها هو صلى الله عليه وسلم في غرفة السيدة عائشة رضي الله عنها يصلي قيام الليل فلا يجد مكاناً لسجوده، حتى تكف رجليها فإذا قام بسطتهما..
ورأيته مرة استوقفته امرأة مسكينة فوقف معها وطال وقوفه حتى قال أحد أصحابه: لقد رثيت لحاله من طول القيام.
وها هو في المسجد وقد رأى أحد أصحابه لا يحسن الصلاة فقال له:
(ارْجِعْ فَصَلِّ فَإِنَّكَ لَمْ تُصَلِّ)
ولقد رأيته في غضبه لله مرات. . جاءه أسامة يتشفع بالمرأة التي سرقت. . فغضب وقال: (أَتَشْفَعُ فِي حَدٍّ مِنْ حُدُودِ اللَّهِ؟).
وشكا أحدهم معاذاً لإطالته الصلاة؛ فغضب وقال (أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّ مِنْكُمْ مُنَفِّرِينَ).
وكان في طريقه مرة وأمامه أبو مسعود الأنصاري يضرب غلاماً له. . فقال له: (اعْلَمْ أَبَا مَسْعُودٍ لَلَّهُ أَقْدَرُ عَلَيْكَ مِنْكَ عَلَيْهِ. .).
ورأيته في مزاجه. . وفي سباقه للسيدة عائشة مرتين، مرة بعد مرة.
وسمعته يقول: (استوِ يَا سواد..) فقال له: أوجعتني. . وأقاده من نفسه صلى الله عليه وسلم.
ولقد كنت في الخيمة التي جمع فيها الأنصار بعد حُنين، عندما عتبوا عليه في توزيع الغنائم فجمعهم ليشرح لهم سبب ذلك. . وبكى الأنصار، ولقد بكيت معهم. .
لقد عشتُ مع صحابته صلى الله عليه وسلم ورضي عنهم.
عشتُ مع عائشة رضي الله عنها مصابها حتى نزلت براءتها.
وعشتً مع كعب بن مالك محنته حتى تاب الله عليه.
ورأيت ذلك الراكب في غزوة تبوك. . فيقول صلى الله عليه وسلم: (كن أبا خيثمة) فكان أبا خيثمة..
لقد عشت السيرة النبوية وسمعت السنة النبوية فكانت سعادة لا توصف، كنت أبكي تارة، وأضحك أخرى، وأحزن وقتاً، وأفرح وقتاً أخر.
لقد قاربت أن أكون كما قال الإمام ابن القيم: "حتى يكون معه كأنه من بعض أصحابه".
تلك كانت مشاهد من رحلتي في ظلال السنة والسيرة قدمتها بين يدي جوابي على الرسالة.
وأحمد الله تعالى أن وفقني ويسر لي أن أضع بين يدي كل مسلم:
1- ما يلبي حاجته - كحد أدنى يفي بالغرض - في ما ينبغي معرفته من السنة في كتاب "معالم السُّنَّة النبويَّة".
2- وفي السيرة في كتابين هما: "من معين السيرة" و"من معين الشمائل".
وهذه الكتب الثلاثة توفر- إن شاء الله - للقارئ أن يعيش بعض وقته في ظلال السنة والسيرة. . فيستشعر السعادة في تلك الظلال.