1. المقالات
  2. نَظَراتٌ فِي هُمُومِ المَرأةِ المُسْلِمَة
  3. الذكور والإناث

الذكور والإناث

الكاتب : صالح أحمد الشامي

الذكور والإناث

أقام بلال الصلاة.

وانتظمت صفوف الصحابة كصفوف الملائكة.

ودخل النبي الكريم صلى الله عليه وسلم المسجد وهو يحمل أمامة بنت أبي العاص - وأمها زينب رسول الله صلى الله عليه وسلم - على عاتقه، وأحرم بالصلاة، وكبر المسلمون وراءه وهي على عاتقه، حتى إذا أراد أن يركع أخذها فوضعها، ثم ركع وسجد، حتى إذا قام أخذها، فردها في مكانها، فما زال رسول الله صلى الله عليه وسلم يصنع بها ذلك في كل ركعة حتى فرغ من صلاته (1). 

كان ذلك في صلاة الظهر أو العصر. .

وفعل الرسول صلى الله عليه وسلم مثل قوله: تشريع. 

ولذا استقر هذا الخبر في كتب السنة المطهرة في أبواب الصلاة. . ليستدل به على مشروعية الحركة في الصلاة. 

وقد أطال الفقهاء الوقوف أمامه، وحاول بعضهم أن يصرفه عن ظاهره، لأنهم لا يريدون تقرير مشروعية الحركة في الصلاة. . فجعلوا يلتمسون به المخارج.

وجاء الإمام النووي فلخص لنا ما دار بقوله: 

"ادعى بعض المالكية أن هذا الحديث منسوخ، وبعضهم أنه من الخصائص، وبعضهم، وبعضهم أنه كان لضرورة، وكل ذلك دعاوى باطلة مردودة لا دليل عليها، وليس في الحديث ما يخالف قواعد الشرع، لأن الآدمي طاهر. . والأعمال في الصلاة لا تبطلها، إذا قلت أو تفرقت، وإنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم ذلك لبيان الجواز" ا هـ (1). 

ولا شك أن الحديث يقرر بصراحة ووضوح: أن لكل أم أن تحمل ابنها في الصلاة، كما فعل الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه. 

ذلك ما وقف عنده الفقهاء. . وهو أمر جدير بذلك. 

ولكن واحداً منهم، ذهب يبحث عن السر الباعث على الحادثة، مقرراً لما ورد به ظاهر النص، باحثاً عما وراءه فقال: 

"وكأن السر في حمله أمامة في الصلاة، دفعاً لما كانت العرب تألفه من كراهة البنات وحملهن، فخالفهم في ذلك حتى في الصلاة للمبالغة في ردعهم، والبيان بالفعل قد يكون أقوى من القول" ا هـ (1). 

كان ذلك قول العلامة الفاكهاني.

وما من شك بأنه قول جدير بالتقدير، فقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم كل الحرص، على أن يعيد المرأة إلى دائرة الحياة الفاعلة بعد أن عزلتها الجاهلية عنها بالكلية. 

على أننا نستطيع - بعد إمعان النظر في النص أن نضيف أمراً ثالثاً، نتحدث عنه بعد قراءة الخبر التالي: 

أخرج النسائي من حديث عَبْدِ اللَّهِ بْنِ شَدَّادٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي إِحْدَى صَلَاتَيْ الْعِشَاءِ وَهُوَ حَامِلٌ حَسَنًا أَوْ حُسَيْنًا فَتَقَدَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَضَعَهُ ثُمَّ كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ فَصَلَّى فَسَجَدَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِهِ سَجْدَةً أَطَالَهَا قَالَ أَبِي: فَرَفَعْتُ رَأْسِي وَإِذَا الصَّبِيُّ عَلَى ظَهْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ سَاجِدٌ فَرَجَعْتُ إِلَى سُجُودِي فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلَاةَ قَالَ النَّاسُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ سَجَدْتَ بَيْنَ ظَهْرَانَيْ صَلَاتِكَ سَجْدَةً أَطَلْتَهَا حَتَّى ظَنَنَّا أَنَّهُ قَدْ حَدَثَ أَمْرٌ أَوْ أَنَّهُ يُوحَى إِلَيْكَ قَالَ: (كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ وَلَكِنَّ ابْنِي ارْتَحَلَنِي فَكَرِهْتُ أَنْ أُعَجِّلَهُ حَتَّى يَقْضِيَ حَاجَتَهُ).

كثيراً ما كان صلى الله عليه وسلم يؤكد ويدعو إلى العدل بين الأولاد، ومن ذلك قوله:

(اتَّقُوا اللَّهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلَادِكُمْ) (1)

والعدل ليس قاصراً على الأمور المادية من طعام ولباس وهدايا، بل يتجاوز ذلك إلى الكلمة الطيبة، والابتسامة. 

والرسول الكريم إنما يقابل في حمل أمامة ما فعله الحسن أو الحسين، ليؤكد الحكم الشرعي في الصلاة: أن لا فرق بين حمل الذكر وحمل الأنثى، ثم هو تقرير لما ذهب إليه الفاكهاني، ثم هو العدل بعد ذلك بين أبناء بناته. 

ومما يؤكد قصد العدل في ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم صرح كثيراً بحب الحسن والحسين، وليس من حاجة لإيراد النصوص في ذلك فهي معلومة.  

وكان من عدله حتى في ميدان الكلمة أن صرح بحبه أيضاً لأمامة. 

قالت عائشة: أهدي لرسول الله صلى الله عليه وسلم قلادة من جزع ملمعة بالذهب، ونساؤه مجتمعات في بيت، وأمامة بنت أبي العاص بن الربيع جارية تلعب في جانب البيت بالتراب، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (كيف ترين هذه؟) فنظرنا إليها، فقلنا: يا رسول الله! ما رأينا أحسن من هذه قط ولا أعجب، فقال: (ارددنها إلي) فلما أخذها قال: (والله لأضعنها في رقبة أحب أهل البيت إلي)، قالت عائشة: فأظلمت علي الأرض بيني وبينه، خشية أن يضعها في رقبة غيري منهن، ولا أراهن إلا أصابهن مثل الذي أصابني، ووجمنا جميعاً سكوت، فأقبل بها حتى وضعها في رقبة أمامة بنت أبي العاص فسري عنا (1). 

إنه العدل الذي دعا إليه صلى الله عليه وسلم بين الأبناء يضعه بين أيدي الناس واقعاً عملياً، وما ذاك إلا بعض هديه في بناء الأسرة والحرص على تماسكها.

قال جابر بن عبدالله: أعطاني أبي عطية، وذهب ليشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم على ذلك، فقال له: (أعطيت سائر ولدك مثل هذا؟) قال: لا، قال: (أيسرك أن يكونوا إليك في البر سواء؟) قال: بلى، قال: (فلا إذاً) (1). 

إن العدل بين الأولاد - ذكوراً وإناثاً - على الرغم من وجوبه، فإن له مردوداً آخر، وهو تماسك الأسرة وعدم تخلخلها، ومسارعة الأولاد جميعاً لبر الوالدين، أما عندما يشعر بعضهم أن أحد الأبوين يقدم أحد الأولاد ويخصه بما لا يكون مثله للآخرين، فإن ذلك يؤدي إلى فتور نفسي في قضية البر. . قد يتجاوزها إلى الواقع المادي. . 

إن كل والد مدعو إلى الالتزام بهذا الهدي الكريم، الذي فيه صلاح دنياه وآخرته.

المراجع

  1. الحديث في "الصحيحين" وغيرهما.
  2.  "فتح الباري" 1/ 592.
  3.  "فتح الباري" 1/ 592. 
  4. الحديث في "الصحيحين".
  5.  "مجمع الزوائد" 9/ 254 برقم (15391). 
  6. الحديث في "الصحيحين".
المقال السابق

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day