1. المقالات
  2. رسائل قرانية
  3. معالم التقوى

معالم التقوى

الكاتب : صالح احمد الشامي
تحت قسم : رسائل قرانية
556 2021/07/12 2024/12/18

:قال الله تعالى

{۞ وَسَارِعُوٓا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا ٱلسَّمَٰوَٰتُ وَٱلْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ وَٱلْكَٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ ۗ وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُوٓا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ أُولَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّٰتٌ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا ٱلْأَنْهَٰرُ خَٰلِدِينَ فِيهَا ۚ وَنِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَٰمِلِينَ } [آل عمران: 133- 136].

{وَسَارِعُوٓا}

هكذا بدأت هذه الآيات بكلمة تقدر "الزمن" والوقت، وتلفت النظر إلى ذلك

والإسراع والمسارعة: إنما يكونان في إدراك شيء يخاف فواته

وقد تكرر هذا المعنى في قوله تعالى:

{سَابِقُوٓا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ ٱلسَّمَآءِ وَٱلْأَرْضِ} [الحديد: 21]

وهكذا يبرز في هاتين الآيتين الكريمتين أمران

- لفت النظر إلى قيمة الزمن في قوله تعالى {وَسَارِعُوٓا} وقوله {سَابِقُوٓا}

- وتحديد الغاية المراد السعي والسبق لإدراكها، وهي: المغفرة والجنة

والذي يبدو لي - والله أعلم - أن المقصود من قوله {وَسَارِعُوٓا} هو بذل الجهد والسعي الجاد لإدراك المقصود، وعدم التباطؤ في المبادرة إلى ذلك

ودائما تكون المسارعة وبذل الجهد بحسب قيمة الهدف المقصود

وإذا كان المقصود: المغفرة من الله تعالى والجنة، فإن كل جهد وكل مسارعة سيكونان دون المستوى المطلوب

ومما يساعد على "المسارعة" اغتنام الفرص التي أرشد الرسول صلى الله عليه وسلم إليها بقوله: (اغتنم خمساً قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)

وقد ختمت الآية الأولى بقوله تعالى:

{أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ}

وهذا يحدد هوية المسارعين والمسابقين، فإنما يسعى إلى ذلك "المتقون"

وقد سبق الحديث عن "التقوى" في شرح آية سابقة، ولكن الآيات هنا تحدد لنا بعضاً من معالمها بذكر أمثلة من الأعمال التي تؤدي إلى تحقيقها

المتقون هم

{ٱلَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى ٱلسَّرَّآءِ وَٱلضَّرَّآءِ}

 إنهم ينفقون أموالهم في سبيل الله في الشدة والرخاء، والمنشط والمكره، والصحة والمرض، وفي جميع الأحوال، فقد تحررت نفوسهم من الشح وال

{وَٱلْكَٰظِمِينَ ٱلْغَيْظَ وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ}

قال ابن كثير: "أي إذا ثار بهم الغيظ كظموه بمعنى كتموه، فلم يُعملوه، وعفوا مع ذلك عمن أساء إليهم"

وكظم الغيظ هو المرحلة الأولى، وهي وحدها لا تكفي، فقد يكظم الإنسان غيظه ليحقد.. ولذلك جاء في الآية بعد ذلك {وَٱلْعَافِينَ عَنِ ٱلنَّاسِ} وبهذا يكتمل هذا الخلق الكريم

{وَٱللَّهُ يُحِبُّ ٱلْمُحْسِنِينَ}.

إن الذين يجودون بالمال، والذين يجودون بالسماحة والعفو هم من جملة المحسنين الذين يحبهم الله تعالى

والإحسان مقام رفيع تنضوي تحته مجمل الفضائل والآية بهذا السباق كأنها تضيف إلى صفات المتقين التي سبق ذكرها: صفة الإحسان

{وَٱلَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَٰحِشَةً أَوْ ظَلَمُوٓا أَنفُسَهُمْ ذَكَرُوا ٱللَّهَ فَٱسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ ٱلذُّنُوبَ إِلَّا ٱللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَىٰ مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ}

ما زال الحديث عن المتقين

ومن واقعية هذا الدين وسماحته أنه راعى ضعف الإنسان واحتمال وقوعه في المعصية ووقوع الذنب منه ومع ذلك فإنه لا يخرج من دائرة "المتقين" ظالما أنه إذا وقع منه ذلك رجع إلى ربه تعالى فاستغفره وتاب إليه، ولم يصر على المعصية وهو يعلم انها معصية. إنه يعود إلى ربه الذي لا يغفر الذنوب غيره ليعلن التوبة وتصحيح المسارإن الذين توفرت فيهم الصفات السابقة هم المتقون، و

{أُولَٰٓئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّٰتٌ}.

هكذا: مغفرة وجنات، كما جاء في أول الآيات {وَسَارِعُوٓا إِلَىٰ مَغْفِرَةٍۢ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ} أي أنهم اعطوا ما سعوا إليه، ونعم أجر العاملين

وبعد

فإن هذه الآيات الكريمة تحدد معالم "التقوى" التي ورد ذكرها في القرآن الكريم كثيراً

فهي تقوم على أمرين: تحديد سلوك الإنسان تجاه الآخرين الذين يتعامل معهم، وتحديد سلوكه مع خالقه تعالى

- أما سلوكه مع الآخرين فيتمثل - كما جاء في الآية الكريمة - بأمرين

الأول: العطاء والبذل للآخرين في السراء والضراء بعيداً عن المن والأذى وهذا العطاء قد يكون مالاً، وقد يكون وقتاً يبذله في مساعدة الآخرين، وقد يكون شفاعة.. إنه الإحسان

والثاني: تحمل أذى الآخرين والصبر على ذلك، والعفو عنهم

واجتماع هذين الأمرين في معاملة الآخرين يمثل الصورة المشرقة الوضيئة للتعامل الخير

- وأما سلوكه مع خالقه تعالى: فإنه يقوم على الطاعة والحب، وعندما يغفل أو يسهو فتصدر منه المعصية فإنه يسارع إلى ربه تعالى يسأله المغفرة والعفو، وهو متيقن أنه لا يغفر الذنوب غيره سبحانه وتعالى

والخلاصة

إن الرسالة التي تحملها هذه الآيات عظيمة تصاحب الإنسان طوال حياته

- فهو في جد ومسارعة إلى طلب رضوان الله ومغفرته وجنته

- ومن أجل ذلك فهو يحسن إلى الناس ويتحمل أذاهم ويعفو ويسامح

- ويطيع ربه تعالى، وإذا وقع منه الذنب سارع إلى الاستغفار والتوبة

* * *


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day