1. المقالات
  2. رسائل قرانية
  3. رسائل القرانية 2

رسائل القرانية 2

الكاتب : صالح احمد الشامي
تحت قسم : رسائل قرانية
412 2021/07/11 2021/07/11

إننا بحاجة ماسة إلى الاقتداء بالصحابة رضي الله عنهم، حتى يكون لقراءة القرآن أثرها في واقعنا الاجتماعي

 

وقد حاولت بقدر جهدي الضعيف أن أقرأ القرآن بهذه الطريقة.. وخلال هذه القراءة اخترت عدداً من الرسائل أحببت أن يشاركني الإخوة الكرام الوقوف عندها

 

وقد شرحت هذه الآيات الكريمة شرحاً مختصراً معتمداً على تفسيري "ابن كثير" و"الظلال"، ليرجع القارئ الكريم إليه بعد أن يقف أمام الآية محاولاً فهم ما تحمله من معان قبل أن يرجع إلى الشرح، فلعل الله ييسر له من الفهم ما فيه الخير، ثم يعود إلى الشرح إن رغب

 

ومن المفيد: العلم بأن في القرآن الكريم أكثر من ستة آلاف آية، وبعض هذه الآيات يحمل الرسالة والرسالتين والثلاث.. وقد يكون العدد من الآيات يحمل رسالة واحدة

 

وقد قدمت لهذه الآيات المختارة بفصل تحدثت فيه عن ضرورة توثيق صلتنا بالقرآن الكريم

 

وإذا كان "الحسن البصري" هو صاحب الكلمة الباعثة على كتابة هذه الرسالة، فمن المستحسن أن نذكر له ترجمة مختصرة نتعرف بها عليه

هذا ما يسره الله تعالى وأرجوه - سبحانه - أنه ينفع به

 

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين

 


 

صالح أحمد الشامي

غرة ربيع الأول 1436هـ

23/ 12/ 2014م

 

ترجمة الإمام الحسن البصري رحمه الله

الحسن بن يسار - ويقال له أيضاً: الحسن بن أبي الحسن - أبو سعيد البصري، ولد لسنتين بقينا من خلافة عمر رضي الله عنه (سنة 21هـ) من أبوين جُلِبَا إلى المدينة من سبي ميسان (1)

 

قال الحسن: كان أبي وأمي لرجل من بني النجار، فتزوج امرأة من بني سلمة، فساق أبي وأمي في مهرها، فأعتقتنا السليمة

 

وفي رواية أن أباه كان مولى لزيد بن ثابت الأنصاري، وأن أمه كانت مولاة لأم سلمة، زوج النبي صلى الله عليه وسلم

 

ومهما يكن من أمر، فإن والدي الحسن كانا رقيقين ثم أُعتقا

 

وكانت أمه تخدم أم سلمة، فكانت ترسلها في الحاجة، فتشغل عن ابنها الصغير، فكانت أم سلمة تشاغله بثدييها، فيدران عليه، فيرضع منهما، فكانوا يرون أن تلك الحكمة والعلوم التي أُوتيها الحسن من بركة تلك الرضاعة

نشأ الحسن - إذن - في المدينة، والتقى بالصحابة وسمع منهم

_______________________

(1) هي: كورة بين البصرة وواسط

 

 

كان رحمه الله وسيماً جميلاً، حتى كان ذلك علامة مميزة له، فقد قال الشعبي لرجل يريد قدوم البصرة: إذا نظرت إلى رجل أجمل أهل البصرة وأهيبهم فهو الحسن، فأقرئه مني السلام

 

وكان من الشجعان الموصوفين، وكان المهلب بن أبي صفرة إذا قاتل المشركين يقدمه

قال محمد بن سعد: كان الحسن رحمه الله جامعاً عالماً، رفيعاً، فقيهاً، ثقة، حجة، مأموناً، عابداً، ناسكاً، كثير العلم فصيحاً، جميلاً

 

وكان خطيباً فصيحاً، بل هو من أفصح الناس (1)


هذه الترجمة ملخصة من: "سير أعلام النبلاء" 4/ 563 وما بعدها، و"البداية" 9/ 266 وما بعدها. وغيرهما

علمه ووعظه

"كان رحمه الله المقدم في علمه، حتى أُطلق عليه لقب "شيخ البصرة"

 

فقد كان فقيهاً، محدثاً، مفسراً.. وأقواله منثورة في كتب الفقه والتفسير، وكذلك مروياته من الأحاديث منثورة في كتب الحديث

 

وقد كان واعظاً متمكناً، له تأثيره على القلوب، ولعل هذا الجانب هو الذي على شهرته

وهو في وعظه مطبق لما يدعو الناس إليه، وهذا ما جعل له القبول في القلوب

 

وقد تحدث مالك بن دينار، عن الذين كان لهم الأثر في القلوب فقال: "بلى والله، لقد رأيناهم: الحسن، وسعيد بن جبير، وأشباههم، الرجل منهم يحيى الله بكلامه الفئام (1) من الناس

 

وقال الأعمش: ما زال الحسن البصري، يعي الحكمة حتى نطق بها، وكان إذا ذكر عند أبي جعفر، محمد بن علي بن الحسين الباقر، قال: "ذاك الذي يشبه كلامه كلام الأنبياء.

 

وقال الغزالي: "كان الحسن البصري أشبه الناس كلاماً بكلام الأنبياء، وأقربهم هدياً من الصحابة"

 

ومن الكلمات الدقيقة الصادقة في تصويرها للحسن في وعظه، ما قال مطر الوراق في ذلك: "لما ظهر الحسن جاء كأنما كان في الآخرة، فهو يخبر عما عاين"

_______________________

(1) الفئام: الجماعة من الناس

 

سلوكه وزهده

قال أبو بردة بن أبي موسى الأشعري: "ما رأيت أحداً أشبه بأصحاب محمد صلى الله عليه وسلم منه"

 

وقال خالد بن صفوان: لما لقيت مسلمة بن عبدالملك بالحيرة، قال: يا خالد، أخبرني عن حسن أهل البصرة؟ قلت: أصلح الله الأمير، أخبرك عنه بعلم، أنا جاره إلى جنبه، وجليسه في مجلسه، وأعلم من قبلي به

 

"أشبه الناس سريرة بعلانية، وأشبه قولاً بفعل، إن قعد على أمر قام به، وإن قام على أمر قعد عليه، وإن أمر بأمر كان أعمل الناس به، وإن نهى عن شيء كان أترك الناس له، رأيته مستغنياً عن الناس، ورأيت الناس محتاجين إليه"

 

قال: حسبك يا خالد، كيف يضل قوم هذا فيهم؟!

 

وكان الحسن دائم الأحزان، فقد غلب عليه ذكر الآخرة، ولكن هذا لم يوصله إلى السلوك الأعجمي الذي بدأ يتفشى في زمنه

 

فقد كان معتدلاً في طعامه، قال أبو هلال: "قلما دخلنا على الحسن؛ إلا وقد رأينا قدراً يفوح منه ريح طبية"

 

بل كان له عناية بالفاكهة، وهي من النوافل في أمر الطعام، قال قتادة: "دخلنا على الحسن وهو نائم، وعند رأسه سلة، فجذبناها، فإذا فيها خبز وفاكهة، فجعلنا نأكل فانتبه فرآنا، فسره فتبسم وهو يقرأ:

{أَوْ صَدِيقِكُمْ ۚ } 

[النور: 61]

 

كما كان متأنفاً في ملبسه. قال يونس: "كنا الحسن يلبس في الشتاء قباء حبرة، وطيلساناً كردياً، وعمامة سوداء، وفي الصيف أزار كتان، وقميصاً وبرداً حبرة"

 

وقال سلام بن مسكين: رأيت على الحسن قباء مثل الذهب يتألق

والذي يبدو أنه كان يلبس ما تيسر له، وقد سئل عن رأيه في أحب اللباس فقال: أغلظه وأخشنه، وأوضعه عند الناس

 

وهذا لا يعني إقراره لبعض النساك في ذهابهم إلى قصد الخشونة في اللباس، بل كان ينكر عليهم، فقد ذكر عنده الذين يلبسون الصوف، فقال: ما لهم؟ تفاقدوا (1).. أكنوا الكبر في قلوبهم

 

وأما أثاث بيته فكان متواضعاً. قال مطر الوراق: دخلنا على الحسن نعوده، فما كان في البيت شيء، لا فراش ولا بساط ولا وسادة ولا حصير؛ إلا سرير مرمول (2) هو عليه

 

:وهذه الصورة تذكرنا بالصورة التي نقلها لنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم عندما قال

(فَدَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَإِذَا هُوَ مُضْطَجِعٌ عَلَى رِمَالِ حَصِيرٍ لَيْسَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِرَاشٌ قَدْ أَثَّرَ الرِّمَالُ بِجَنْبِهِ مُتَّكِئًا عَلَى وِسَادَةٍ مِنْ أَدَمٍ حَشْوُهَا لِيفٌ.. فرفعت بصري في بيته فوالله ما رأيت في بيته شيئاً يرد البصر.. ) (3)

 

وإذن فقد كان الحسن بفعله هذا متأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم

_______________________

(1) هذا دعاء عليهم بأن يفقد بعضهم بعضاً

(2) أي: سرير نسج من حصير

(3) متفق عليه. وقد تكررت الصورة نفسها في فعل عمر رضي الله عنه

 

وكان محل إجماع العلماء - في زمنه وما بعده - في الثناء عليه، وكانوا يتناقلون أخباره في حياته

 

قال أبو بكر الهذلي: قال لي السفاح: بأي شيء بلغ حسنكم ما بلغ؟ فقلت: جمع القرآن وهو ابن اثنتي عشرة سنة، ثم لم يخرج من سورة إلى غيرها حتى يعرف تأويلها، وفيما أُنزلت، ولم يقلبدرهماً في تجارة ولا ولي سلطاناً، ولا أمر بشيء حتى يفعله، ولا نهي عن شيء حتى ودعه

 

وفاته

عن أبان بن محبر قال: لما حضر الموت الحسن دخل عليه رجال من أصحابه فقالوا له: يا أبا سعيد، زودنا منك كلمات تنفعنا بهن

 

قال: إني مزودكم ثلاث كلمات، ثم قوموا عني ودعوني لما توجهتُ له: ما نُهيتم عنه من أمر، فكونوا من أترك الناس له، وما أمرتم به من معروف فكونوا من أعمل الناس به،واعلموا أن خطاكم خطوتان: خطوة لكم وخطوة عليكم (1)، فانظروا أيت تغدون وأين تروحون

_______________________

أعطى الإسلام الوسائل حكم الغايات، فخطوات كل إنسان نوعان: فما كان في سبيل الخير كالذهاب إلى الصلاة فهو مثاب عليه، وما كان في سبيل الشر ففيه الإثم

وقال صالح المري: دخلتً على الحسن وهو في الموت، وهو يكثر الاسترجاع (1)، فقال له ابنه: أمثلك يسترجع على الدنيا (2)؟ قال: يا بني، ما أسترجع إلا على نفسي التي لم أصب بمثلها      قط  

وكانت وفاة الحسن رضي الله عنه ليلة الجمعة في أول رجب من سنة عشر ومائة، وقد عاش كما قال ابنه، نحواً من ثمان وثمانين سنة 

وكانت جنازته مشهودة وصلي عليه عقيب صلاة الجمعة بالبصرة، فشيعه الخلق وازدحموا عليه 

قال حميد الطويل: وحملناه بعد صلاة الجمعة ودفناه، فتبع الناس كلهم جنازته واشتغلوا به، فلم تقم صلاة العصر بالجامع، ولا أعلم أنها تركت منذ كان الإسلام إلا يومئذ، لأنهم تبعوا كلهم الجنازة، حتى لم يبق بالمسجد من يصلي العصر.

فرحم الله الحسن وأسكنه فسيح جناته.

* * *

_______________________

:هو قول: إنا لله وإنا إليه راجعون، وقد جاء في تلك قوله تعالى

{ٱلَّذِينَ إِذَآ أَصَٰبَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُوٓا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَٰجِعُونَ}

 [البقرة: 156]


ظن الابن أن أباه يسترجع بسبب ما فاته من الدنيا بسبب الموت


المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day