البحث
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
” والذي نَفسي بِيَدِهِ لَتأمُرُنّ بالمَعروفِ وَلَتَنهوُنّ عَنِ المُنكَرِ أو ليوشِكُنّ اللّهُ أن يَبعَث عَليكُم عِقابا مِنهُ ثُمّ تَدعونَهُ فلا يُستَجابَ لَكُم ” .
(رواه الترمذي وقال حسن صحيح)
مدح الله تعالى هذه الأمة بوصفها خير أمة:
” كُنتُم خيرَ أمّة أخرِجَت للنّاسِ ، تَأمُرونَ بالمعروفِ وَتَنهونَ عَنِ المُنكَرِ وتُؤمِنون باللّهِ ”
فالآية واضحة بربط سبب التفضيل بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وإذا ما تركت الأمة ذلك فقد فقدت سبب التفضيل وبذلك إستحقت غضب الله تعالى وعقابه وإبتلائها بعدم إستجابة الدعاء حتى من صالحيها الذين تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. كما قال تعالى :
” فلولا كانَ منَ القُرونِ مِن قَبلِكم أولوا بقيَّة يَنهونَ عَن الفساد في الأرضِ إلاّ قليلا مِمَن أنجينا مِنهم ”
ويعني ذلك أن الذين كانوا ينهون عن الفساد في الأمم السالفة هم الناجون وهم أقلّة.
وقد ذم الله تعالى بني إسرائيل لأنهم تركوا النهي عن المنكر. عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
” إنّ أولّ ما دخل النقصُ على بني إسرائيل أنه كانَ الرجُلُ يَلقى الرَجُلَ فيقول يا هذا إتّقِ اللّه ودَع ما تَصنَعُ فإنّهُ لا يَحِل لَكَ ، ثُمّ يَلقاهُ مِنَ الغَدِ وهُوَ عَلى حالِهِ فلا يَمنَعُهُ ذلك أن يكونَ أكيلَهُ وشَريبَهُ وقَعيدَهُ ، فلمّا فَعَلوا ذلكَ ضَرَبَ اللّهُ قُلوبَ بَعضِهِم بِبَعض ” ،
ثُم قال:
” لُعِنَ الّذينَ كَفَروا من بَني إسرائيلَ عَلى لِسانِ داودَ وعيسى بنِ مَريَمَ ذلك بما عَصوا وكانوا يَعتَدون . كانوا لا يَتَناهونَ عَن مُنكَر فَعَلوهُ لَبِئسَ ما كانوا يَفعَلون . تَرى كَثيرا مِنهُم يَتوَلّونَ الذينَ كَفَروا لَبِئسَ ما قَدّمَت لَهُم أنفُسُهُم أن سَخِط اللّهُ عَليهِم وفي العَذابِ هُم خالِدون . وَلو كانوا يؤمِنونَ باللّه والنّبي وما أنزِلَ إليه ما اتّخَذوهُم أولياء ولكنّ كثيرا مِنهُم فاسقون ”
ثم قال:
” واللّهِ لَتأمُرُنّ بالمَعروفِ ولَتَنهوُنّ عَنِ المُنكَرِ ولَتأخُذُنّ على يَدِ الظالِمِ ولَتُأطِّرُنَّهُ على الحَقّ أطرا ، ولَتَقصُرُنّهُ على الحَقّ قَصرا أو ليَضربَنّ اللّهُ بِقُلوبِ بَعضِكُم على بَعض ثُمّ ليَلعَنَكُم كما لَعَنَهُم ”
وباب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر باب واسع لأنّه يشمل باب الدعوة إلى سبيل الله كله:
” أدعُ إلى سَبيلِ رَبِّكَ بالحِكمَةِ والموعِظَةِ الحَسَنَةِ وجادِلهُم بالّتي هي أحسَن ”
إنّ أولَ الصفات التي يجب أن يتصف بها من يأمر بمعروف أن يكون هو نفسه متصفا به ، وإذا ما نهى عن منكر يكون هو نفسه منتهيا عنه ، وإلا كان ممن قال الله تعالى فيهم:
” أتأمُرونَ النّاسَ بالبِرِّ وَتَنسون أنفُسَكُم وأنتُم تَتلونَ الكِتابَ.. ”
والناس يتعلمون من الأفعال ما لا يتعلمون من الأقوال . وفي أمر رسول الله للمسلمين في صلح الحديبية عظة بالغة . حيث لما فرغ من عقد الصلح وتوقيع الكتاب أمرهم بالنحر والحلق ، فما قام منهم رجل ، حتى قالها ثلاثا حيث لم يتوقعوا أن تكون نهاية عمرته العودة بهذه الصيغة . فدخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أم سلمة فذكر ما لقي من الناس ، فقالت: يا نبي الله أتحب ذلك؟ أخرج ثم لا تكلم أحدا منهم كلمة حتى تنحر بُدنك وتدعو حالقك فيحلقك ، فخرج وفعل ذلك ، فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضا حتى كاد بعضهم يقتل بعضا غمّا
وهكذا يجب أن يكون دأب من أمر أو نهى وخاصة إذا كان وليا لأمر من أمور المسلمين مهما كان ذلك صغيرا ، فإن طبق الأمر على نفسه إنقاد له الناس بيسر وأطاعوه.
فالمؤمن يأمر بالمعروف وإذا رأى منكرا نهى عنه أو قوّمه بيده ، فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه ، وذلك أضعف الإيمان ومن رأى منكرا فرضي به كان كمن شارك في فعله ، ومن حضر المنكر فغيره بيده أو بلسانه فله أجر الداعي في سبيل الله ويثاب على قدر نيته ، فإن لم يستطع إنكاره إلاّ بقلبه كان كمن غاب عن ذلك المنكر فلا إثم عليه. لكن مجالسة أهل المنكر ومخالطتهم وعدم الإنكار العلني عليهم تورث قساوة في القلب بحيث يعتاد المرء على المنكر حتى يكاد يظن أنه أمر هين ، وذلك ما دخل على بني إسرائيل.
كما أن من الدعوة في سبيل الله نصح ولاة الأمر أهل السلطان ، فإن كان بينهم ظالما فعلى الأمة أن تأخذ على يده وتنكر فعله وتجبره على العدول عن الظلم ، وهو ما قال عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
” ولتُأطرُنّهُ على الحق أطرا ”
(فذلك فرض كفاية على الأمة) إن قام به البعض قدر ما فيه الكفاية ، سقط عن الباقين . أما إذا لم يقم به أحد ، أثم الجميع. وهذا هو مقياس إستقامة الأمة أو مدى بعدها عن جادة الحق ، فإن كانت كذلك إستحقت أن لا يستجيب الله دعاء صالحيها ، وأن يعمّها الله بعذاب من عنده ، وما ذلك إلاّ بما قدمت أيديها.