البحث
محاسبة النفس
عن شداد بن أوس رضي الله عنه قال:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: ” الكيّسُ مَن دانَ نَفسَهُ وعَملَ لما بَعدَ الموت والعاجزُ مَن أتبَعَ نَفسَهُ هواها وتَمَنّى على اللّه الأماني ”
(رواه الترمذي وابن ماجه وأحمد والحاكم)
قال الله تعالى:
” قَد أفلَحَ مَن زَكّاها وَقَد خابَ مَن دَسّاها ”
فالمحاسبة خير وسيلة لتقويم إعوجاج النفس بين حين وآخر لغرض تزكيتها . ويكون أساس المحاسبة هو مقارنة ما تفعله النفس مع ما يطلبه الشرع. فإن كانت قد وفّتْ ، فهل يمكنها أن تزيد إحسانا ؟ وإن كانت مقصّرَةً ، فما السبيل إلى تقويم اعوجاجها ؟ والوسيلة إلى تنفيذ ذلك هو مخالفة هواها . قال الله تعالى:
” وأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبّه ونَهى النَّفسَ عَن الهوى فإنّ الجَنَّةَ هيَ المأوى ".
قال الإمام علي رضي الله عنه: إنما أخشى عليكم اثنين: طول الأمل ، وإتباع الهوى ، فإن طول الأمل ينسي الآخرة وإن اتباع الهوى يصد عن الحق ، وإن الدنيا قد إرتحلت مدبرة وإن الآخرة مقبلة ، ولكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة ولا تكونوا من أبناء الدنيا، فإن اليوم عمل ولا حساب وغدا حساب ولا عمل. إن على المرء أن يقاوم شهوات نفسه ولا يستسلم لها أبدا فكل شهوة يستسلم لها يمكن أن تؤدي به إلى نار جهنم. فشهوة الطعام والشراب إن إستسلم لها أكل الحلال والحرام وربما ترك الصيام، وشهوة الفرج إن إستسلم لها قادته إلى الفاحشة، وشهوة الإنتقام إن إستسلم لها قادته إلى الظلم، وشهوة التسلط إن إستسلم لها قادته إلى العجب والطغيان وشهوة التكاثر بالأموال والأولاد إن استسلم لها قادته إلى اكتساب االمال الحرام وحسد الناس وظلمهم وعدم دفع الزكاة، وشهوة النوم والخمول والكسل تقوده إلى تَرْكِ الصلاة وترك الإكتساب، وحب الحياة إن إستسلم لها تَرَك الجهاد. ويريد الله أن يُعِينَ المسلم على أن يكون حاكما لأهواء نفسه بمخالفتها فيما ليس من صالحها . إسمع قوله تعالى:
” لَن تَنالوا البرَّ حَتّى تُنفقوا مما تُحبّون ”
وبَيَّن
” إن النَّفسَ لأمّارَة بالسوء ”
وقد أوضحت السنة المطهرة حدود مخالفة الهوى لأن هذه المخالفة ليست مقصودة بذاتها بل لتقويم إعوجاج النفس وتطويعها، وإلاّ إن زادت عن حدها إنقلبت إلى رهبانية مبتدعة ليس للمرء فيها من ثواب.
قيل لأحد الصالحين: إن فلانا يمشي على الماء، فقال عندي أن من مكنّه الله تعالى من مخالفة هواه فهو أعظم من المشي في الهواء. وقال أبو سليمان الدارني: من أحسن في ليله كوفئ في نهاره ، ومن أحسن في نهاره كوفئ في ليله، ومن صدق في ترك شهوة كوفئ مؤنتها ، والله أكرم من أن يعذب قلبا ترك شهوة لأجله. قال الله تعالى:
” والّذينَ جاهَدوا فينا لَنَهديَنَّهُم سُبُلَنا وإن اللّهَ لَمَعَ المُحسنينَ ”