البحث
وربما ترك الاستفسار عن ماهية الذنب الذي ارتكبه العاصي، طلبا للستر
عن أبي أمامة رضي الله عنه قال
بينما رسول الله ﷺ في المسجد، ونحن قعود معه، إذ جاء رجل فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي. فسكت عنه رسول الله ﷺ، ولم يسأل عنه. ثم أعاد فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي. فسكت عنه. وأقيمت الصلاة فلما انصرف نبي الله ﷺ اتبع الرجل رسول اللهﷺ حين انصرف، واتبعت رسول الله ﷺ أنظر ما يرد على الرجل؟. فلحق الرجل رسول الله ﷺ فقال: يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي.فقال له رسول الله ﷺ( أرأيت حين خرجت من بيتك أليس قد توضأت، فأحسنت الوضوء؟) قال: بلى يا رسول الله . قال( ثم شهدت الصلاة معنا؟)فقال: نعم يا رسول الله فقال له رسول الله ﷺ( فإن الله قد غفر لك ذنبك) أو قال( حدك)
[1]
قال ابن حجر:( فظاهر ترجمة البخاري حمله على من أقر بحد ولم يفسره، فإنه لا يجب على الإمام أن يقيمه عليه إذا تاب)[2]
من فوائد الحديث
فيه: أن الإمام لا يكشف عن الحدود بل يدفع مهما أمكن، وهذا الرجل لم يفصح بأمر يلزمه به إقامة الحد عليه، فلعله أصاب صغيرة ظنها كبيرة تةجب الحد، فلم يكشفه النبي ﷺ عن ذلك؛ لأن موجب الحد لا يثبت بالاحتمال. وإنما لم يستفسر إيثارا للستر، ورأى أن في تعرضه لإقامة الحد عليه ندما ورجوعا.
وقد استحب العلماء تلقيت من أقر بموجب الحد بالرجوع عنه، إما بالتعريض، وإما بأوضح منه ليدرأ عنه الحد[3]
واختبار ابن القيم أن العاصي إذا تاب قبل القدرة عليه سقط عنه الحد[4]
قال رحمه الله: فإن قيل: فما عز جاء تا~با، والغامدية جاءت تائبة، وأمام عليهما الحد؟
قيل: لا ريب أنهما جاءا تائبيت، ولا ريب أن الحد أقيم عليهما، وبهما احتج أصحاب القول الآخر. وسألت شيخنا عن ذلك؛ فأجاب بما مضمونه بان الح مطهرة، وهم اختار التطهير بالحد على التطهير بمجرد التوبة، وأبيا إلا أن يطهرا بالحد، فأجابهم النبي ﷺ إلى ذلك، وأرشد إلى اختيار التطهير بالتوبة على التطهير بالحد، فقال في حق ماعز( هلا تركتموه يتوب الله عليه) ولو تعين الحد بعد التوبة لما جاز تركه.
بل الإمام مخير بين أن يتركه كما قال لصاحب الحد الذي اعترف به( اذهب فقد غفر الله لك) وبين أن يقيم كما أقامه على ماعز والغامدية لما اختارا إقامته، وأبيا إلا التطهير به. ولذلك ردهما النبي ﷺ مرارا، وهما يأبيان إلا إقامته عليهما. وهذا المسلك وسط بين مسلك من يقول: لا تجوز إقامته بعد التوبة ألبتة ، وبين مسلك كم يقول: لا أثر التوبة في إسقاطه ألبتة، وإذا تأملت السنة رأيتها لا تدل إلا على هذا القول الوسط، والله أعلم[5]
وقريب من هذا حديث علقمة بن وائل الكندي عن أبيه ؟أن امرأة خرجت على عهد رسول الله ﷺ تريد الصلاة، فتلقاها رجل، فتجللها[6] فقضى حاجته منها. فصاحت. فانطلق. ومر عليها رجل، فقال: إن ذاك الرجل فعل بي كذا وكذا. فذهب الرجل في طلبه. ومرت بعصابة من المهاجرين، فقال: إن ذاك الرجل فعل بي كذا وكذا.فذهبوا في طلبه، فجاءوا بالرجل الذي ذهب في طلب الرجل الذي وقع عليها. فذهبوا به إلى النبيﷺ فقال: هو هذا. فقال: أنا الذي أغثتك، وقد ذهب الأخر. وأخبر القوم: أنهم أدركوه يشتد. فقال: إنما كنت أجيبها على صاحبها، فأدركني هؤلاء فأخذوني. فقال:كذب هو الذي وقع على. فلما أمر به ليرجم، قام صاحبها الذي وقع عليها فقال: يا رسول الله أنا صاحبها. فقال لها( اذهبي فقد غفر الله لك) وقال للرجل قولا حسنا. فقيل يا نبي الله: ألا ترجمه. فقال( لقد تاب توبة لو تابها أهل المدينة لقبل منهم)[7]
إشكال وجوابه:
يشكل أن المغيث لم يثبت عليه الزنا باعتراف، ولا بينة، فكيف يرجم؟
وأجيب عن ذلك بأجوبة:
أنه ﷺ قارب أن يأمر برجمه، ولم يأمر: قال العظيم آبادي( ولا يخفى أنه بظاهره مشكل إذ لا يستقيم الأمر بالرجم من غير إقرار، ولا بينة، وقول المرأة لا يصلح بينة، فلعل المراد فلما قارب أن يأمر به، وذلك قاله الراوي نظرا إلى ظاهر الأمر[8]
2.أن هذا من إقامة الحد باللوث الظاهر:
قال ابن القيم( إن هذا مثل إقامة الحد باللوث الظاهر القوي، فإنه أدرك وهو يشتد هاربا لبن أيدي القوم، واعترف بأنه كان عند المرأة، وادعى أنه كان مغيثا لها. وقال المرأة: هو هذا، وهذا لوث ظاهر، وقد أقام الصحابة حد الزنا والخمر باللوث الذي هو نظير هذا ، أو قريب منه، وهو الحمل والرائحة[9]
3. لعل النبي ﷺ أمر بتعزيره لا برجمه: قال البيهقي بعد أن رواه بلفظ( فلما أمر به قام صاحبها) قال( فعلى هذه الرواية يحتمل أنه إنما أمر بتعزيره)[10]
4. يحتمل أنهم شهدوا عليه بالزنا، أو أخطئوا في ذلك[11]
5. أن الحديث ضعيف، مداره على سماك بن حرب، قال النسائي( سماك إذا انفرد بأصل لم يكن حجة؛ لأنه كان يلقن في تلقن)[12]
وقد أشار البيهقي إلى تضعيفه حيث قال بعد أن رواه( وقد وجد مثل اعترافه من ماعز والجهنية، والغامدية، ولم يسقط حدودهم وأحاديثهم وأشهر والله أعلم[13]
المراجع
- رواه البخاري[6823[ومسلم[2764] وترجم البخاري بقوله( باب إذا أقر بالحد ولم يبين هل للإمام أن يستر عليه؟)
- فتح الباري[134/12]
- فتح الباري[134/12]
- إعلام الموقعين[17/3]
- إعلام الموقعين[60،61/2]
- أي: غشيها بثوبه وجامعها
- رواه الترمذي[1454] وأبو داود[4379] وأحمد[26698] وصححه الألباني في الصحيحة[900]
- عون المعبود[165/12]
- حاشية ابن القيم مع عون المعبود[165/12]
- سنن البيهقي[274/8]
- سنن البيهقي[284/8]
- الأحاديث المختار [20/12]، تهذيب التهذيب[234/4]
- سنن البيهقي[284/8]