البحث
وإذا أقام الحد على من وقع في جريمة، كان لا يعنفه، وينهى عن سبه ولعنه
عن بريدة بن الحصيب رضي الله عنه قال
بعد ذكر قصة ما عز: فجاءت الغامدية، فقالت: يا رسول الله، إني قد زنيت، فطهرني، وإنه ردها فلما كان الغد قالت: يا رسول الله لم تردني لعلك أن تردني كما رددت ما عزا، فوالله إني لحبلى قال( إما لا، فاذهبي حتى تلدي فلما ولدت أتته بالصبي في قالت: هذا قد ولدته قال: اذهبي، فأرضعيه حتى تفطميه) فلما فطمته أتته بالصبي في يده كسرة خبز، فقالت: هذا يا نبي الله قد فطمته، وقد اكل الطعام، فدفع الصبي إلى رجل من المسلمين، ثم أمر بها، فحفر لها إلى صدرها، وأمر الناس، فرجموها. فيقبل خالد بن الوليد بحجر، فرمى رأسها فتنضح الدم على وجه خالد، فسبها، فسمع نبي الله ﷺ سبه إياها فقال( مهلا يا خالد، فو الذي نفسي بيده لقد تابت توبة لو تابها صاحب مكس[1] لغفر له) ثم أمر، فصلى عليها، ودفنت[2] زاد في رواية: فقال له عمر: تصلي عليها يا بني الله وقد زنت؟ فقال( لقد تابت توبة لو قسمت بين سبعين من اهل المدينة؛ لو سعتهم، وهل وجدت توبة أفضل من أن جادت بنفسها لله تعالى؟)[3]
من فوائد الحديث
فيه: أن المكس من أقبح المعاصي والذنوب الموبقات؛ وذلك لكثرة مطالبات الناس له وظلاماتهم عنده وتكرر ذلك منه وانتهاكه للناس، وأخذ أموالهم بغير حقها، وصرفها في غير وجهها.
وفيه: دلالة أن الإمام وأهل الفضل يصلون على المرجوم كما يصلي عليه غيرهم.
وفيه: سقوط إثم المعاصي الكبائر بالتوبة[4]
فائدة
قال النووي: ( فإن قيل: فما بال ماعز و الغامدية لم يقنعا بالتوبة، وهي محصلة لغرضها, وهو سقوط الإثم، بل أصرا على الإقرار، واختارا الرجم؟
فالجواب: أن تحصيل البراءة بالحدود وسقوط الإثم متيقن على كل حال لا سيما وإقامة الحد بأمر النبي ﷺ.
وأما التوبة فيخاف أن لا تكون نصوحا، وأن يخل بشئ من شروطها، فتبقى المعصية وإثمها دائما عليه، فأر ادا حصول البراءة بطريق متيقن دون ما يتطرق إليه احتمال. والله أعلم)[5]
إشكال وجوابه
الإشكال: في هذه الرواية أن النبي ﷺ لم يرجمها إلا بعد أن أرضعت وليدها وفطمته، وفي الحديث السابق أن رجلا من الأنصار تكفل بإرضاع الصبي، فرجمها رسول الله ﷺ مباشرة
والجواب: قال النووي:( فهاتان الروايتان ظاهرهما الاختلاف، فإن الثانية صريحة في أن رجمها كان بعد فطامه وأكله الخبز، والأولى ظاهرها أنه رجمها عقب الولادة.
ويجب تأويل الأولى، حملها على وفق الثانية ؛ لأنها قضية واحدة، والروايتان صحيحتان، والثانية منهما صريحة لا يمكن تأويلها.
والأولى ليست صريحة، فيتعين تأويل الأولى، ويكون قوله في الرواية الأولى:( قام رجل من الأنصار فقال: إلى رضاعة) إنما قاله بعد الفطام، وأراد بالرضاعة كفالته وتربيته، وسماه رضاعا مجازا)[6]
المراجع
- المكس: الضريبة التي يأخذها الماكس النهاية[349/4]
- رواه مسلم[1695]
- رواه مسلم[1696]عن عمران بن حصين رضي الله عنه
- شرح النووي على صحيح مسلم[199/11]
- شرح النووي على صحيح مسلم[199/11]
- شرح النووي على صحيح مسلم [202/11]