1. المقالات
  2. الجزء الثالث_زاد المعاد
  3. في هديه في علاج المفؤود

في هديه في علاج المفؤود

5767 2007/11/27 2024/04/18

 
في هديه في علاج المفؤود


روى أبو داود في سننه من حديث مجاهد عن سعد قال مرضت مرضا فأتاني رسول الله يعودني فوضع يده بين ثديي حتى وجدت بردها على فؤادي وقال لي إنك رجل مفؤود فأت الحارث بن كلدة من ثقيف فإنه رجل يتطبب فليأخذ سبع تمرات من عجوة المدينة فليجأهن بنواهن ثم ليلدك بهن المفؤود الذي أصيب فؤاده فهو يشتكيه كالمبطون الذي يشتكي بطنه واللدود ما يسقاه الإنسان من أحد جانبي الفم وفي التمر خاصية عجيبة لهذا الداء ولا سيما تمر المدينة ولا سيما العجوة منه وفي كونها سبعا خاصية أخرى تدرك بالوحي وفي الصحيحين من  حديث عامر بن سعد أبي وقاص عن ابيه قال قال رسول الله من تصبح بسبع تمرات من تمر العالية لم يضر ذلك اليوم سم ولا سحر لفظ من أكل سبع تمرات مما بين لابتيه حين يصبح لم يضره سم حتى يمسي والتمر حار في الثانية يابس في الاولى وقيل رطب فيها وقيل معتدل وهو غذاء فاضل حافظ للصحة لا سيما لمن اعتاد الغذاء به كأهل المدينة وغيرهم وهو من أفضل الأغذية في البلاد الباردة والحارة التي حرارتها في الدرجة الثانية وهو لهم أنفع منه لأهل البلاد الباردة لبرودة بواطن سكانها وحرارة بواطن سكان البلاد الباردة ولذلك يكثر أهل الحجاز واليمن والطائف وما يليهم من البلاد المشابهة لها من الأغذية الحارة ما لا يتأتى لغيرهم كالتمر والعسل

 

 

 

وشاهدناهم يضعون في أطعمتهم من الفلفل والزنجبيل فوق ما يضعه غيرهم نحو عشرة أضعاف أو أكثر ويأكلون الزنجبيل كما يأكل غيرهم الحلوى ولقد شاهدت من ينتقل به منهم كما ينتقل بالنقل ويوافقهم ذلك ولا يضرهم لبرودة أجوافهم وخروج الحرارة إلى ظاهر الجسد كما تشاهد مياه الآبار تبرد في الصيف وتسخن في الشتاء وكذلك تنضج المعدة من الأغذية الغليظة في الشتاء ما لا تنضجه في الصيف وأما أهل المدينة فالتمر لهم يكاد أن يكون بمنزلة الحنطة لغيرهم  وهو قوتهم ومادتهم وتمر العالية من اجود أصناف ترمهم فإنه متين الجسم لذيذ الطعم صادق الحلاوة والتمر يدخل في الأغذية والأدوية والفاكهة وهو يوافق أكثر الابدان مقو للحار الغريزي ولا يتولد عنه من الفضلات الرديئة ما يتولد عن غيره من الأغذية والفاكهة بل يمنع لمن اعتاده من تعفن الأخلاط وفسادها وهذا الحديث من الخطاب الذي أريد به الخاص كأهل المدينة ومن جاورهم ولا ريب أن للامكنة اختصاصا بنفع كثير من الأدوية في ذلك المكان دون غيره فيكون الدواء الذي قد ينبت في هذا المكان نافعا من الداء ولا يوجد فيه ذلك النفع إذا نبت في مكان غيره لتأثير نفس التربة أو الهواء او هما جميعا فإن للأرض خواص وطبائع يقارب اختلافها اختلاف طبائع الإنسان وكثير من النبات يكون في بعض البلاد غذاء مأكولا وفي بعضها سما قاتلا ورب أدوية لقوم أغذية لآخرين وأدوية لقوم من امراض هي ادوية لآخرين في امراض سواها وادوية لأهل بلد لا تناسب غيرهم ولا تنفعهم

 

 


واما خاصية السبع فإنها قد وقعت قدا وشرعا فخلق الله عز وجل السماوات سبعا والأرضين سبعا والأيام سبعا والإنسان كمل خلقه في سبعة اطوار وشرع الله سبحانه لعباده الطواف سبعا والسعي بين الصفا والمروة سبعا ورمي الحجارة سبعا سبعا وتكبيرات العيدين سبعا في الأولى وقال مروهم بالصلاة لسبع وإذا صار   للغلام سبع سنين خير بين أبويه في رواية وفي رواية أخرى أبوه أحق به من أمه وفي ثالثة امة أحق به وامر النبي في مرضه أن يصب عليه من سبع قرب وسخر الله الريح على قوم عاد سبع ليال ودعا النبي أن يعينه الله على قومه بسبع كسبع يوسف ومثل الله سبحانه ما يضاعف به صدقة المتصدق بحبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والسنابل التي رآها صاحب يوسف سبعا والسنين التي زرعوها دأبا سبعا وتضاعف الصدقة إلى سبعمائة ضعف إلى ضعف كثيرة ويدخل الجنة من هذه الأمة بغير حساب سبعون الفا

 


فلا ريب أن لهذا العدد خاصية لغيره والسبعة جمعت معاني  العدد كله وخواصه فإن العدد شفع ووتر والشفع أول وثان والوتر كذلك فهذه أربع مراتب شفع أول وثان ووتر أول وثان ولا تجتمع هذه المراتب في اقل من سبعة وهي عدد كامل جامع لمراتب العدد الاربعة اعني الشفع والوتر والأوائل والثواني ونعني بالوتر الأول الثلاثة وبالثاني الخمسة وبالشفع الاول الاثنين وبالثاني الاربعة وللأطباء اعتناء عظيم بالسبعة ولا سيما في البحارين وقد قال بقراط كل شيء من هذا العالم فهو مقدر عل سبعة اجزاء والنجوم سبعة والأيام سبعة وأسنان الناس سبعة اولها طفل إلى سبع ثم صبي إلى أربع عشرة ثم مراهق ثم شاب ثم كهل ثم شيخ ثم هرم إلى منتهى العمر والله تعالى أعلم بحكمته وشرعه وقدره في تخصيص هذا العدد هل هو لهذا المعنى أو لغيره ونفع هذا العدد من هذا التمر من هذا البلد من هذه البقعة بعينها من السم والسحر بحيث تمنع إصابته من الخواص التي لو قالها بقراط وجالينوس وغيرهما من الاطباء لتلقاها عنهم الأطباء بالقبول والإذعان والانقياد مع أن القائل إنما معه الحدس والتخمين والظن فمن كلامه كله يقين وقطع وبرهان ووحي أولىأن تتلقى أقواله بالقبول والتسليم وترك الاعتراض وأدوية السموم تارة تكون بالكيفية وتارة تكون بالخاصية كخواص كثير من الأحجار والجواهر واليواقيت والله أعلم

 

 


فصل


ويجوز نفع التمر المذكور في بعض السموم فيكون الحديث من العام المخصوص ويجوز نفعه لخاصية تلك البلد وتلك التربة الخاصة   من كل سم ولكن ها هنا امر لا بد من بيانه وهو ان من شرط انتفاع العليل بالدواء قبوله واعتقاد النفع به فتقبله الطبيعة فتستعين به على دفع العلة حتى إن كثيرا من المعالجات ينفع بالاعتقاد وحسن القبول وكمال التلقي وقد شاهد الناس من ذلك عجائب وهذا لأن الطبيعة يشتد قبولها له وتفرح النفس فتنتعش القوة ويقوى سلطان الطبيعة وينبعث الحار الغريزي فيساعد على دفع المؤذي وبالعكس يكون كثير من الأدوية نافعا لتلك العلة فيقطع عمله سوء اعتقاد العليل فيه وعدم أخذ الطبيعة له بالقبول فلا يجدي عليها شيئا واعتبر هذا بأعظم الادوية والاشفية وأنفعها للقلوب والأبدان والمعاش والمعاد والدنيا والآخرة وهو القرآن الذي هو شفاء من كل داء كيف لا ينفع القلوب التي لا تعتقد فيه الشفاء والنفع بل لا يزيدها إلا مرضا إلى مرضها وليس لشفاء القلوب دواء قط أنفع من القرآن فإنه شفاؤها التام الكامل الذي لا يغادر فيها سقما إلا أبرأه ويحفظ عليها صحتها المطلقة ويحميها الحمية التامة من كل مؤذ ومضر ومع هذا فإعراض أكثر القلوب عنه وعدم اعتقادها الجازم الذي لا ريب فيه أنه كذلك وعدم استعماله والعدول عنه إلى الأدوية التي ركبها بنو جنسها حال بينها وبين الشفاء به وغلبت العوائد واشتد الإعراض وتمكنت العلل والادواء المزمنة من القلوب وتربى المرضى والأطباء على علاج بني جنسهم وما وضعه لهم شيوخهم ومن يعظمونه ويحسنون به ظنونهم فعظم المصاب واستحكم الداء وتركبت امراض وعلل أعيا عليهم علاجها وكلما عالجونا بتلك العلاجات الحادثة تفاقم أمرها وقويت ولسان الحال ينادي عليهم :

 


( ومن العجائب والعجائب جمة % قرب الشفاء وما إليه وصول )


( كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ % والماء فوق ظهورها محمول )

 

 

 

فصل

في هديه في دفع ضرر الأغذية والفاكهة وإصلاحها بما يدفع ضررها ويقوي نفعها ثبت في الصحيحين من حديث عبدالله بن جعفر قال رأيت رسول الله يأكل الرطب بالقثاء والرطب حار رطب في الثانية يقوي المعدة الباردة ويوافقها ويزيد في الباه ولكنه سريع التعفن معطش معكر للدم مصدع مولد للسدد ووجع المثانة ومضر بالاسنان والقثاء بارد رطب في الثانية مسكن للعطش منعش للقوى بشمه لما فيه من العطرية مطفيء لحرارة المعدة الملتهبة وإذا جفف بزره ودق واستحلب بالماء وشرب سكن العطش وأدر البول ونفع من وجع المثانة وإذا دق ونخل ودلك به الاسنان جلاها وإذا دق ورقه وعمل منه ضماد مع الميبختج نفع من عضه الكلب الكلب وبالجملة فهذا حار وهذا بارد وفي كل منهما صلاح الآخر وإزالة لأكثر ضرره ومقاومة كل كيفية بضدها ودفع سورتها بالأخرى وهذا أصل العلاج كله وهو أصل في حفظ الصحة بل علم الطب كله يستفاد من هذا وفي استعمال ذلك وأمثاله في الاغذية والأدوية إصلاح لها وتعديل ودفع لما فيها من الكيفيات المضرة لماي يقابلها وفي ذلك  عون على صحة البدن وقوته وخصبه قالت عائشة رضي الله عنها سمنوني بكل شيء فلم أسمن فسمنوني بالقثاء والرطب فسمنت وبالجملة فدفع ضرر البارد بالحار والحار بالبارد والرطب باليابس واليابس بالرطب وتعديل أحدهما بالآخر من ابلغ أنواع العلاجات وحفظ الصحة ونظير هذا ما تقدم من امره بالسنا والسنوت وهو العسل الذي فيه شيء من السمن يصلح به السنا ويعدله فصلوات الله وسلامه على من بعث بعمارة القلوب والأبدان وبمصالح الدنيا والآخرة


 

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day