البحث
الحديث الثامن: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا
الحديث الثامن: أكمل المؤمنين إيمانا أحسنهم أخلاقا
وعن أبي سعيد الخدري -رضي الله تعالى عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم أخلاقًا الموطئون أكنافًا الذين يألفون ويؤلفون، وليس منا من لا يألف ولا يؤلف أخرجه الطبراني في الأوسط والصغير، والبيهقي في شعب الإيمان.
قوله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانًا" فيه أن الإيمان يزيد وينقص كما هو مقرر عند أهل السنة والجماعة، يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.
وقوله صلى الله عليه وسلم: "أحسنهم خلقًا" فيه عظيم شأن حسن الخلق، ويقابله عظيم قبح سوء الخلق، ولهذا قوله صلى الله عليه وسلم: "أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا". جاءت الأحاديث الكثيرة في حسن الخلق والجميع يحفظها، وقد ذكر بعض أهل العلم كلمة جميلة عند قوله جل وعلا: وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ فيه بيان منزلة حسن الخلق لوصف الله -جل وعلا- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- بتلك الصفة، قال بعض أهل العلم: تعظيم العظماء للشيء يدل على توغله في العظمة، فكيف إذا كان المعظم أعظم عظيم وهو الله جل وعلا، وإنك لعلى خلق عظيم، وفيه أيضًا تفاوت الناس في حسن الخلق، أكمل المؤمنين إيمانًا أحسنهم خلقًا، هناك من يقل، والتفاوت درجات، وعن عائشة رضى الله عنها قالت : قال رسول الله صلى الله " رواه الترمذي والحاكم في «مستدركه» عليه وسلم " إن أكمل المؤمنين إيماناً أحسنهم خلقاً وألطفهم بأهله
وقوله: "الموطئون أكنافًا" توطئة لين وتواضع، الذين يألفون ويؤلفون، قال صلى الله عليه وسلم: المؤمن يألف ويؤلف ولا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف فيه أن على دعاة الخير أن يكونوا أولى الناس بحسن الخلق، ليألفهم الناس، ولأن من أسباب قبول دعوة الخير محبة الناس لمن دعاهم، وحسن خلق الداعي لهم يهيئهم لقبول دعوته، بل لمحبة دعوته، كما أن سوء الخلق ينفرهم عن دعوته.
ومن لطيف ما يذكر ما ساقه الذهبي عن بعضهم قال: إن الرجل السيئ في خلقه إذا دخل منزله توارى عنه أولاده، واختفى أهله حتى إن قطه ينزوي في الجدار من سوء خلقه، فهذا دليل على أن سوء الخلق تتعدى مضرته وأثره، وعن عائشة -رضى الله عنها- عند أبي داود قالت: سمعت رسول الله ﷺ يقول: إن المؤمن ليدرك بحسن خلقه درجة الصائم القائم بعض الناس قد يكون قليل البضاعة العلمية، لكن بحسن خلقه، وطيب معشره، ولكونه يألف ويؤلف يؤثر في جلسائه، في سامعيه، في رائيه، وبعض الناس قد يكون كثير البضاعة فصيح الكلام بليغ العبارة، لكن لسوء خلقه نفر الناس عنه، وأبغض الناس الحق بسببه، فليكن هذا على داعي الخير أن يضعه نصب عينيه، ولهذا كان من دعاء النبي -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الحسن: اللهم كما حسنت خلقي فحسن خلقي وكذا قوله -صلى الله عليه وسلم- وهو أحسن الناس أخلاقًا: اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت، واصرف عنا سيئها لا يصرف عنا سيئها إلا أنت .
وفي قوله: لا خير فيمن لا يألف ولا يؤلف الحذر من تنفير الناس، ومن الجهالة بمكان أن بعض الناس لا يراعي هذا الأمر، ويقول: لا بد من بيان الحق ولو سخط الساخطون، نعم، هذا لا خلاف فيه، لكن لا يشفع لكلامك هذا أن تسلك تنفير الناس عن قبول دعوتك بخشونة في ألفاظك وسوء أخلاقك، الأسلوب الحسن يجعل البعيد قريبًا بفضل الله، ويجعل العسير يسيرًا بفضل الله، كما أن ضده من سوء الخلق يجعل القريب بعيدًا، كم من سوء خلق بعَّد قريبا، وعسَّر يسيرًا، وكم من حسن خلق قرَّب بعيدًا ويسَّر عسيرًا بفضل الله جل وعلا، فلزوم على من علم من نفسه ومن خلقه أن الناس ينفرون عنه أن يجاهد نفسه، وأن يوطن نفسه، وأن يكثر من الدعاء.
ويستحسن هنا ذكر النظرية الباطلة التي يزعم بعض مُنَظِّريها، أن الإنسان لا يستطيع أن يغير أخلاقه بل يكون كالحمل الوديع أو كالسبع المفترس، بعض الفلاسفة اسبينوزا وغيره ملاحدة زعموا أن الأخلاق لا تقبل التغير، وهذه النظرية باطلة شرعًا وعقلًا، فالكافر يسلم، والمسلم قد يكفر، تغيرت عقائد وأديان ألا تتغير أخلاق؟! ومن أسباب تغيير الأخلاق قوله عليه الصلاة والسلام: إنما العلم بالتعلم، وإنما الحلم بالتحلم، ومن يتحر الخير يُعْطَه تفعُّل، بذل الأسباب استفراغ الجهد من يتحر الخير يعطه، ومن يتوق الشر يوقه، فشاهد القول أن على طلبة العلم وعلى دعاة الخير أن يراعوا هذا الجانب؛ فقد كان نبينا -عليه الصلاة والسلام- أكمل الناس خلقًا، ونحن نرى في مجتمعنا أو نرى فيمن نعاصر ونعاشر من يؤثر على الناس بسمته ووقاره، ولو كان علمه قليلًا، كما أنا نرى أن بعض الناس قد يكون عنده علم يتميز بين أقرانه، لكن سوء الخلق حرمه وحرم غيره من خير كثير.