البحث
رحمته صلى الله عليه وسلم بأعداء دينه
في اللقطات المشرقة التالية يتضح بعضاً من جوانب أخلاقه الكريمة- صلى الله عليه وسلم- مع أعداءه في الحرب :
أولاً : رحمته صلى الله عليه وسلم بأعداء دينه، فقد شرع للحروب قواعد شريفة ألزم التقيد بها على جنوده وقوادها ، ولم يسمح لهم الخروج عنها بحال ،ففي غزوة مؤتة أوصى النبي صلى الله عليه وسلم صحابته قائلاً : ( اغزوا باسم الله وفي سبيل الله ، وقاتلوا من كفر بالله . اغزوا ولا تغدروا ، ولا تغلوا ولا تمثّلوا ، ولا تقتلوا وليدا ولا أصحاب الصوامع ) رواه أحمد وغيره من أصحاب السنن .
وكان صلى الله عليه وسلم يوصي جيشه المقاتل بألا يضرب إلا من يضربه أو يرفع عليه السلاح ، وكان يقول" لا تقتلوا امرأة ولا وليداً ولا شيخا ولا تحرقوا نخيلا ولا زرعا، كما كان يحرص على عدم التمثيل بهم أو المبالغة في إهانتهم،فيقول:"اجتنبوا الوجوه ولا تضربوها"!! [1]
ومن أمثلة رحمته بأعداءه، أنه كان يستجيب إلى توسلات الأعداء ويحاورهم، بل ويرضيهم بتحكيم رجل منهم بعد أن خانوعهده صلى الله عليه وسلم ؛ ففي غزوة بني قريظة لما ُعلن عن نزول بنو قريظة على حكم رسول الله صلى الله عليه وسلم توافد رجال الأوس على رسول الله صلى الله عليه وسلم وقالوا يا رسول الله إنهم موالينا دون الخزرج ، وقد فعلت في موالي إخواننا بالأمس ما قد علمت ، وهو أنه وهب بني قينقاع لابن أبي الخزرجي لما ألح عليه في ذلك شافعاً فيهم بوصفهم مواليه أي أحلاف الخزرج ، فقال لهم صلوات الله وسلامه عليه : < ألا ترضون يا معشر الأوس أن يحكم فيهم رجل منكم؟ > قالوا:
< بلى>، فقال < فذلك إلى سعد بن معاذ >
وفي نفس الغزوة لما أعدم النبي صلى الله عليه وسلم-نزولا على حكم سعد بن معاذ فيهم- كل من أنبت الشعر واحتلم من ذكران بني قريظة ،إلا رفاعة ، فقد استوهبته سلمى بنت قيس أم المنذر النجارية النبي صلى الله عليه وسلم ، فقالت: < بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، هب لي رفاعة فإنه قد زعم أنه سيصلي ويأكل لحم الجمل> ، فوهبه لها ،فاستحيَتْه [2]
وعند فتح مكة أعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم رايته سعد بن عبادة وهو أمام الكتيبة ، فلما مر سعد براية النبي صلى الله عليه وسلم نادى : يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة اليوم أذل الله قريشا فأقبل رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إذا حاذى أبا سفيان ناداه يا رسول الله أمرت بقتل قومك ؟ زعم سعد ومن معه حين مر بنا قال " يا أبا سفيان اليوم يوم الملحمة اليوم تستحل الحرمة اليوم أذل الله قريشا " وإني أنشدك الله في قومك ، فأنت أبر الناس وأرحم الناس وأوصل الناس .
قال عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان : يا رسول الله ما نأمن سعدا أن يكون منه في قريش صولة . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم <اليوم يوم المرحمة اليوم أعز الله فيه قريشا> قال وأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى سعد فعزله وجعل اللواء إلى قيس بن سعد ، ورأى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن اللواء لم يخرج من سعد حين صار لابنه . فأبى سعد أن يسلم اللواء إلا بأمارة من النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم بعمامته فعرفها سعد فدفع اللواء إلى ابنه قيس . قال فحدثني ابن أبي سبرة عن سعيد بن عمرو بن شرحبيل عن أهله قالوا : دخل والله سعد بلوائه حتى غرزه بالحجون .
وقال ضرار بن الخطاب الفهري : ويقال إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر عليا رضي الله عنه فأخذ اللواء فذهب علي عليه السلام بها حتى دخل بها مكة فغرزها عند الركن[3]
وفي فتح مكة أيضا قال لهم : ( لا تُجهزنَّ على جريح ، ولا تتبعن مدبراً ، ولا تقتلن أسيراً ) ، وأمضى السنة بأن السفير لا يقتل ، وشدد في النهي عن قتل المعاهدين حتى قال : ( من قتل معاهداً لم يُرِحْ رائحة الجنة ، وإن ريحها لتوجد من مسيرة أربعين عاماً ) ، إلى غير ذلك من القواعد النبيلة التي طهرت الحروب من أدران الجاهلية حتى جعلتها جهاداً مقدساً .[4]
وفي حنين لما انتصر المسلمون نصراً سريعاً كان لذلك أثره على نفوسهم، فحنقوا على المشركين وقتلوهم حتى شرعوا في قتل الذرية، فلما بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : < ما بال أقوامبالغوا في اَلقتل حتى قتلوا الولدان > ؟ فقال أسيد بن خضير: أوليس آباؤهم أولاد المشركين؟ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم: " أوليس خياركم أولاد المشركين؟ إنه ليس من مولود يولد إلا على لفطرة حتى يبلغ فيعبر عنه لسانه، ويهوِّده أبواه أو ينصِّرانه).
--------------------------------------------------------------------------------
المصدر السابق،ص119[1]
أبو بكر الجزائري، مصدر سابق، ص209[2]
https://sirah.al-islam.com/display.asp?f=mga1589.htmموسوعة السيرة النبوية ، متاح في: [3]
[4]نظرة على الغزوات ، متاح في: