البحث
أم هانىء والجِوار
أم هانىء والجِوار:
ومن المواقف الرائعة في فتح مكة لإحدى نساء المسلمين، وهي السيدة أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها أخت علي بن أبى طالب رضي الله عنه، فلما نزل الرسول صلى الله عليه وسلم بأعلى مكة ودارت الحرب في أسفل مكة بين مجموعة من المشركين وبين سرية خالد بن الوليد رضي الله عنه وأرضاه، وهرب رجلان من بني مخزوم، ولم يجدا أي ملجأ في ذلك الوقت، إلا أن يدخلا عند السيدة أم هانئ بنت أبي طالب رضي الله عنها، ولماذا السيدة أم هانئ خاصة ؟
لأن زوجها هو هبيرة بن أبي وهب المخزومي، أي هما من أقارب زوج السيدة أم هانئ، وطلبا منها أن تجيرهما، وهذا شيء فيه إهانة كبيرة للعرب أن يطلبوا الإجارة من امرأة ؛ ولكن ليس أمامهم إلا أن يطلبا الإجارة من أم هانئ، فأجارتهم أم هانئ رضي الله عنها، ودخل علي بن أبى طالب رضي الله عنه يقول: والله لأقتلنهما.
فأغلقت عليها الباب رضي الله عنها، وقالت: قد أجرتهما.
وعلي رضي الله عنه مصمم أن يقتلهما، فقالت: نذهب إلى الرسول صلى الله عليه وسلم.
وذهبا إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وعرضت السيدة أم هانئ أمرها وقالت:
يا رسول الله، زعم ابن أمي أنه قاتل رجلا أجرته.
فقال صلى الله عليه وسلم: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِي وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ، فَلَا يَقْتُلْهُمَا.
وقبل الرسول بإجارة أم هانئ في اثنين كانا يقاتلان المسلمين، وهذا فتح عسكري، وحرب عسكرية كبيرة، ومع ذلك الرسول صلى الله عليه وسلم يجير من أجارت أم هانئ رضي الله عنها وأرضاها: قَدْ أَجَرْنَا مَنْ أَجَرْتِ وَأَمَّنَّا مَنْ أَمَّنْتِ.
وهذه هي قيمة المرأة في الإسلام، ورأينا أم حكيم بنت الحارث بن هشام وهي تؤمِّن عكرمة بن أبي جهل مع أنه كان مُهدر الدم، ورأينا قبل ذلك أم سلمة، وهي تتوسط عند الرسول صلى الله عليه وسلم ليقبل توبة أبي سفيان بن الحارث وعبد الله بن أمية بعد أن رفض الرسول صلى الله عليه وسلم في البداية أن يقابلهما، إنه تكريم الإسلام للمرأة، وإعطائها المكانة العظيمة الراقية التي لا نجدها في أي تشريع غير الإسلام.
عَتَّاب بْن أسِيْدٍ الأموي أول والٍ على مكةكان من عادة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه إذا فتح بلدا، ودخل الإسلام إليها أن يولي عليها أحد من رجالها، ولكن المشكلة أن أبا سفيان وهو والي مكة قبل ذلك أو زعيمها قبل ذلك في السنوات الست الأخيرة بعد مقتل أبي جهل لم يطمئن الرسول صلى الله عليه وسلم بعد لإسلامه، ولا يستطيع أن يعطيه إمارة مكة، وخاصة أن مكة من أعظم مدن العرب، بل هي أعظمها على الإطلاق، ولا يستطيع الرسول أن يعطيها لرجل لا يثق بعد في إسلامه؛ لأن الحوار الذي دار بينه وبين الرسول صلى الله عليه وسلم لم يكن أبو سفيان حتى اللحظات الأخيرة مقتنعا تمام الاقتناع بقضية النبوة، والرسول صلى الله عليه وسلم إذا أعطى الإمارة لغيره، قد يحزن أبو سفيان وينقلب على المسلمين، وقد تثور بنى أمية قبيلة أبي سفيان، والرسول صلى الله عليه وسلم لا يريد أن تحدث قلاقل أو اضطرابات في هذه المدينة، وقد أسلمت بكاملها منذ أيام قليلة، فأعطى الرسول صلى الله عليه وسلم إمارة مكة في لفتة بارعة لعتاب بن أسيد رضي الله عنه.
وكان عتاب بن أسيد من شباب مكة وعمره عشرون عاما تقريبا، ومن قبيلة بني أمية؛ أي من نفس قبيلة أبي سفيان، فإذا أعطاه الرسول صلى الله عليه وسلم إمارة مكة، فهذا سيزيد من تأليف قلوب بني أمية، ولن تقف بنو أمية عند تنحية أبي سفيان عن إمارة مكة؛ لأن الأمير الجديد منها أيضا، وعتاب بن أسيد هذا الشاب لم يتلوث كثيرا بعقائد المشركين، وليس هناك تاريخ عداء بينه وبين المسلمين، فسيسهل قياده، وبالفعل فقد حسن إسلام عتاب بن أسيد، وكان كثير الصلاة والصيام والصدقة، وكان من المقربين من الرسول صلى الله عليه وسلم، واستطاع بحكمته أن يحفظ الأمن والأمان داخل مكة، فلم نسمع عن قلاقل حدثت في حياته في فترة حكمه لمكة المكرمة، ومن حكمة الرسول صلى الله عليه وسلم أنه ترك مع عتاب بن أسيد معاذ بن جبل الأنصاري؛ ليعلم الناس أمور دينهم، وكان عتاب بن أسيد حديث عهد بالإسلام، ومعلوماته عن الإسلام قليلة، فترك الرسول صلى الله عليه وسلم معهم بحرا من بحور العلم، إمام العلماء يوم القيامة، وأعلم أمته بالحلال والحرام، وأهل مكة فيهم الكثير من المفكرين والمبدعين؛ لذلك يحتاجون إلى رجل من علماء الأمة؛ ليرجعون إليه فيما يختلفون فيه، ولا ننسى أن لهم تاريخ طويل مع الرسول صلى الله عليه وسلم وهناك شبهات كثيرة قالوها قبل ذلك، وخير من يرد عليهم في ذلك الوقت معاذ بن جبل رضي الله عنه وأرضاه، وبذلك استقر الوضع في داخل مكة المكرمة، ودخل الناس جميعا في الإسلام بفضل الله عز وجل.[1]
ويتجلى حرصه صلى الله عليه وسلم على هداية أعداءه ونجاتهم من النار حين قيل له صلى الله عليه وسلم في حصار الطائف بعد فتح مكة:< يارسول الله ،أدعُ الله على ثقيف> ، قال:< اللهم اهدِ ثقيفاً وائتِ بهم>!!!
ولذلك كان وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم في القرآن قول الله عز وجل: > لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ> [التوبة:128]
--------------------------------------------------------------------------------
[1]راغب السرجاني.إسلام مكة ، 1/5/2006 ، شوهد في : 27/7/2007، على موقع: https://www.islamstory.com/articleprint.aspx?articleid=1.2.25