1. المقالات
  2. أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في الحرب
  3. يعاملهم بالرحمة

يعاملهم بالرحمة

الكاتب : أماني زكريا الرمادي

رابعاً :  يعاملهم بالرحمة :

   ولما نزل أهل خيبر على شروط رسول الله صلى الله عليه وسلم سألوه أن يعاملهم في الأموال على النصف ، وقالوا:< نحن زُرَّاع ، وأعلم بأرضنا منكم ،وأعمر لها> فصالحهم رسول الله صلى الله عليه وسلم على النصف .

  ولقد وقعت  السيدة صفية بنت حيى بن أخطب زعيم اليهود ، في الأسر بعد فتح خيبر ، وكان أبوها وأخوها وزوجها قد قُتلوا في المعركة وجاءت مع الأسرى، فبعث بها رسول الله صلى الله عليه وسلم مع بلال إلى رحله ، فمر بلال بها  وبابنة عمها على القتلى ، فصاحت ابنة عمها صياحا ًشديداً ، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما صنع بلال ،وقال له : < أذَهبَت منك الرحمة ؟ تمر بجارية حديثة السن على القتلى؟ > فقال بلال:< يا رسول الله ما ظننتُ أنك تكره ذلك ، وأحببتُ أن ترى مصارع قومها >  فخيَّرها الرسول صلى الله عليه وسلم -رفقا ورحمة بها- بين إطلاق سراحها وإلحاقها بقومها إن أرادت البقاء على يهوديتها ، وبين الزواج منه إن أسلمت ، فقالت له : (( يا رسول الله ، لقد هويت الإسلام وصدَّقت بك قبل أن تدعوني .. و خيرتني بين الكفر والإسلام ، فالله ورسوله أحب إلى من العتق ومن الرجوع إلى قومي .. فتزوجها الرسول صلى الله عليه وسلم ، وجعل تحريرها من الأسر هو مهرها . [1]

ومن الواضح  أنه كان من الضروري ألا يتزوج ابنة ملك اليهود سوى من يفوق أباها منزلة ومكانة ، وهو سيد ولد آدم صلى الله عليه وسلم .. وليس معقولا و لا مقبولا أن تترك هذه المسكينة بعد ما كانت فيه من عز ورفاهية ورفعة لمن قد يسئ معاملتها ، أو يضرب وجهها ..

ويؤيد هذه الرؤية رواية دحية الكلبي – رضي الله عنه – فقد قال للنبي صلى الله عليه وسلم : أعطني جارية من سبى يهود . فقال عليه السلام له : (( اذهب فخذ جارية)) ، فذهب دحية فأخذ صفية .. فرآها الصحابة فقالوا : (( يا رسول الله ، إنها سيدة بنى قريظة وبنى النضير ، ما تصلح إلا لك )) (20).. فتزوجها صلى الله عليه وسلم لذلك السبب [2].

 

 

 ولقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذٍ عن أشياء : عن إتيان الحبالى من السبايا ، وعن أكل الحمار الأهلي ، وعن لحوم البغال وعن أكل كل ذي ناب من السِّباع ، وكل ذي مخلب من الطير ، وعن بيع المغانم حتى تقسَّم ،وعن زواج المُتعة ، وعن قتل النساء والأطفال .

   وبعد فتح مكة ، لما رجع خالد بن الوليد من هدم العزَّى بعثه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بني جذيمة بن عامر يدعوهم إلى الإسلام ، فخرج في الأول من شوال في  ثلاثمائة وخمسين إلى أسفل مكة ،حتى انتهى إليهم فقالوا له : < نحن مسلمون> ووضعوا السلاح ، فأمر بهم خالد فكُتِّفوا ودفع إلى كل رجل من أصحبه رجلاً منهم ، فباتوا في وثاق إلى السحر فنادى خالد :< من كان معه أسير فليُجهز عليه > فقتل منهم نحو ثلاثين رجلاً ، أما المهاجرون والأنصار فأطلقوا أسراهم ،وقالوا لهم <اذهبوا حيث شئتم > فغضب خالد على من أرسل أسيره ، فقال له أبو سعيد الساعدي:< إتق الله يا خالد ، ما لنا نقتل قوماً مسلمين ؟!> فلما انتهى الخبر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم رفع يديه إلى السماء ، ثم قال : < اللهم إني أبرأ إليك مما صنع خالد بن الوليد>      ولما قدم خالد عاب عليه عبد الرحمن بن عوف ما صنع ، وقال له : < عملت بأمر الجاهلية في الإسلام > وكاد يقع بينهما الشر فأعرض رسول الله صلى الله عليه وسلم عن خالد ، وقد بلغه ما صنع بعبد الرحمن بن عوف ، وقال له : < مهلاً يا خالد ، دع عنك أصحابي فو الله لو كان لك أُحُد ذهباً ثم أنفقته في سبيل الله ما أدركت غدوة رجل من أصحابي ولا روحته > ثم دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علياً بن أبي طالب ، فقال: < يا علي أخرج إلى هؤلاء القوم ، فانظر في أمرهم ،واجعل أمر الجاهلية تحت قدميك> فخرج ومعه مال كثير ،حتى جاء بني جذيمة ، فودي لهم الدماء(دفع لهم دية القتلى) وما أصيب لهم من أموال حتى أنه أهدى غليهم ميلغ الكلب ، وبقي مع علي شيء من المال ، فقال لهم:< هذه البقية من هذا المال لكم عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما أصاب خالد مما يعلمه ولا تعلمونه > فأعطاهم ذلك كله وعاد فأخبر النبي  صلى الله عليه وسلم بما صنع ، فقال له صلى الله عليه وسلم : < أصبتَ ، ما أمرت خالداً بالقتال إنما أمرته بالدعاء> ، ثم أقبل على خالد ،وقال : < لا تسُبوا خالد بن الوليد ، فإنما هو سيف من سيوف الله سلَّّّهُ على المشركين > [3]

 

   وبعد أن ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الطائف بغير فتح قفل راجعاً إلى الجعرانة وهي في طريق عودته للمدينة ، فانتهى إليها ليلة الخميس ،لخمس خلون من ذي القعدة، وكان السبي والغنائم التي غنمها من هوازن محبوسة بها ، وقد اتخذ السبي حائر يستظلون بها من الشمس ،وكانوا ستة آلاف ،والإبل أربعة وعشرين ألفاً ، والغنم أربعين ألفاً ، وقيل أكثر، وكان قد أمر ابن سفيان الخزاعي أن يقدم مكة فيشتري للسبي ثياباً يكسوهم، فكساهم كلهم ...ثم قدم وفد هوازن للجعرانة ، وقد أسلموا ، فقالوا: < يا رسول الله إننا أصل وعشيرة ، وقد أصابنا من البلاء ما يخفى عليكم ، فامنُن علينا من الله عليكم ،وإ،ما في هذه الحظائر عماتك وخالاتك اللاتي كُن يكفلنك ،حضنك في حجورهن وأرضعنك بأثدائهن ولو أنا أرضعنا للحارث بن شمر ملك الشام أو للنعمان بن المنذر ملك العراق ثم نزل منا أحدهم بمثل الذي نزلت به رجونا عطفه و عائدته علينا ، وأنت خير الكفولين ، وأنشدوا أبياتاً من الشعر مطلعها :

امنن علينا رسول الله في كرم *** فإنك  المرء نرجوه وندخر

 ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم < إن أحسن الحديث أصدقه وعندي من ترون من المسلمين فأبناؤكم ونساؤكم أحب إليكم  أم أموالكم ؟ > قالوا يا رسول الله خيرتنا بين أموالنا و أحسابنا وما كنا نعدل بالأحساب شيئاً ، فرد علينا أبناءنا ونساءنا ولا نتكلم في الشاة والبعير ، فقال : < أما ما كان لي ولبني عبد المطلب من السبي ، فهو لكم ، وإذا ما أنا صليت الظهر بالناس فقوموا فقولوا : إنا نستشفع  برسول الله إلى المسلمين وبالمسلمين إلى رسول الله في أبناءنا ونسائنا ؛ فسأطلب لكم إلى الناس وأعطيكم عند ذلك.

 

   فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الظهر بالناس قام وفد هوازن ، فتكلموا بما اتفقوا عليه ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم < أما ما كان لي ولبني عبد المطلب فهو لكم >

 

فقال المهاجرون :< وما كان لنا فهو لرسول الله ، فقام الأقرع بن حابس وقال:< أما أنا وبنو تميم فلا> وقال عيينة بن حصن : < أما أنا وبنو فزارة فلا > وقال عباس بن مرداس : أما أنا وبنو سـليم فلا > فردت عليه بنو سلـيم وقالت: < بلى ما كـان لنا فهو لرسول الله> فقال لهم عبـاس: < وهنتموني>  أي أضعفتم مركزي ...ثم قام رسول الله صلى الله عليه وسلم خطيباً ، فقال : < إن هؤلاء القوم جاءوا مسلمين ، وقد كنت استأنيت بهم فخيرتهم بين النساء والأبناء والأموال ، فلم يعدلوا بالنساء والأبناء ،فمن كانت عنده منهن شيء ،فطابت نفسه أن يرده ، فسبيله إلى ذلك ،وأما من تمسك منكم بحقه من هذا السبي فله بكل إنسان ست فرائض من أ,ل سبي أصيبه ، فردوا إلى الناس أبناءهم ونسائهم .

 

فقالوا : < يا رسول الله ،رضينا وسلمنا > قال : < فمروا عرفاءكم أن يرفعوا ذلك النبأ حتى نعلم > فكان زيد بن ثابت الأنصاري على الأنصار يسألهم ، فخبروه أنهم سلموا ورضوا ، ولم يتخلف منهم رجل واحد

   وكان عمر بن الخطاب على المهاجرين ، فلم يتخلف منهم رجل واحد؛وكان أبو ذر الغفاري يطوف على قبائل العرب ، ثم جمعوا العرفاء مع الأمناء الذين أرسلهم رسول الله فاتفقوا على قول واحد : أنهم سلموا ورضوا .

   ودفع رسول الله صلى الله عليه وسلم عند ذلك السبي إلى وفد هوازن ،ما عدا أهل مالك بن عوف ، فحبسهم بمكة عند عمتهم بهمة ابنة أبي أمية ،كما أوقف ماله ، فلم تجز فيه السهام،وقال للوفد : < ما فعل مالك بن عوف ؟> قالوا : <هرب فلحق بحصن الطائف مع ثقيف> فقال : إنه إن حاء مسلما  رددت إليه أهله وماله وأعطيته مائة من الإبل ، فلما بلغ ذلك مالكاً خاف من ثقيف أن يحبسوه ، ففر من الطائف ليلاً حتى لحق برسول الله صلى الله عليه وسلم،فرد عليه أهله وماله وأعطاه مائة من الإبل ، واستعمله على من أسلم من قومه ؛ فكان مالك يقاتل أهل الشرك وانقلب على بني ثقيف التي آوته فشن عليها غارة وغنم كثيراً حتى ضيق عليهم ، فلا يخرج من الطائف سرح إلا باغته ،وكان يبعث إلى رسول الله خمس ما يغنم .


--------------------------------------------------------------------------------

[1]زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، مقال متاح في:https://www.islamway.com/?iw_s=article&iw_a=view&article_id=219

 نقلاً عن : طبقات ابن سعد – الجزء الثامن – ص 138:148.

[2]زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، مقال متاح في:https://www.islamway.com/?iw_s=article&iw_a=view&article_id=219

 نقلاً عن : أسد الغابة – الجزء السابع – ص 169

 محمد مهدي عامر . قصة كبيرة في تاريخ السيرة ، ص294[3]

 

المقال السابق المقال التالى

مقالات في نفس القسم

موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day