البحث
عبادة بن الصامت
عبادة بن الصامت
مقدمة |
هو عبادة بن الصامت بن قيس بن أصرم من بنى سالم بن عوف من الخزرج. ولد عبادة بن الصامت في المدينة قبل الهجرة بثمان وثلاثين سنة، فهو أصغر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بخمسة عشر عاما، أبوه الصامت بن قيس لم يدرك الإسلام وتوفى على دين قومه أما أمه قرة العين بنت عبادة بن نضلة بن مالك من الخزرج فقد أسلمت وبايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وأخوه أوس بن الصامت وزوجته خولة بنت ثعلبة التي أنزل الله فيها "قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى لله، والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير". {سورة المجادلة: 1}. إسلامه: كان عبادة بن الصامت، رضي الله عنه من أوائل الذين أسلموا من الأنصار، وذلك في السنة العاشرة من بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم، أي قبل الهجرة بثلاث سنوات. ومنذ أن أسلم عبادة بن الصامت رضي الله عنه ارتبط برسول الله ارتباطا وثيقا، وتعلق به تعلقا شديدا فلم يكن من مشهد من مشاهد الإسلام إلا وحضره، ولم يغز رسول الله صلى الله عليه وسلم، غزوة ولم يسر إلى مكان إلا وكان معه، وقد روي له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة وواحد وثمانون حديث.. بيعة العقبة الأولى: كان عبادة بن الصامت ممن بايعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الأولى، أو كما عرفت ببيعة النساء، قال عبادة بن الصامت رضي الله عنه:كنت ممن حضر العقبة الأولى، وكنا اثني عشر رجلا، فبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على بيعة النساء، وذلك قبل أن تفترض الحرب، على أن لا نشرك بالله شيئا، ولا نسرق، ولا نزني، ولا نقتل أولادنا، ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين أيدينا وأرجلنا، ولا نعصيه في معروف، فإن وفيتم فلكم الجنة، وإن غشيتم ذلك فأمركم إلى الله عز وجل، إن شاء عذب وإن شاء غفر.. وتمت بيعة العقبة الثانية التي فيها النصر والحماية، وقال نبي الله صلى الله عليه وسلم: "أبايعكم على أن تمنعونى مما تمنعون منه نساءكم وأبناءكم." فقالو: يا رسول الله نبايعك. فقال: "تبايعوني على السمع والطاعة في المنشط والمكره، والنفقة في العسر واليسر، لا تخافوا في الله لومة لائم، وعلى أن تنصروني فتمنعوني إذا قدمت عليكم مما تمنعون منه أنفسكم، وأزواجكم، وأبناءكم، ولكم الجنة." فبايعوه على ذلك وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، للأنصار: "أخرجوا منكم اثنى عشر نقيبا، تسعة من الخزرج، وثلاثة من الأوس"، وكان عبادة بن الصامت، رضي الله عنه، أحد نقباء الخزرج.. أثر الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته: وعبادة بن الصامت من الرعيل الأول الذي عاش خير حياته وأعظمها وأثراها مع الرسول الكريم.. الرّعيل الذي صهره النضال وصقلته التضحية، وعانق الإسلام رغبا لا رهبا.. وباع نفسه وماله.. عبادة من الرعيل الذي رباه محمد بيديه، وأفرغ عليه من روحه ونوره وعظمته. |
أهم ملامح شخصيته |
بطولته: أما بطولته العسكرية فقد تجلت في مواطن كثيرة فعندما طلب عمرو بن العاص مددا من الخليفة لإتمام فتح مصر أرسل إليه أربعة آلاف رجل على رأس كل منهم قائد حكيم وصفهم الخليفة قائلا: (إني أمددتك بأربعة آلاف رجل على كل ألف رجل منهم رجل بألف رجل) وكان عبادة بن الصامت واحدا من هؤلاء الأربعة الأبطال.. بعض المواقف من حياته مع الرسول صلى الله عليه وسلم: إنه واحد من الأنصار الذين قال فيهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لو أن الأنصار سلكوا واديا أو شعبا، لسلكت وادي الأنصار وشعبهم، ولولا الهجرة لكنت من أمراء الأنصار"..وعبادة بن الصامت كونه من الأنصار، فهو واحد من زعمائهم الذين اتخذهم نقباء على أهليهم وعشائرهم... كل ولائه لله، وكل طاعته لله، وكلا علاقته بأقربائه بحلفائه وبأعدائه إنما يشكلها إيمانه ويشكلها السلوك الذي يفرضه هذا الإيمان وقد استعمله رسول الله على الصدقات وقال له: اتق الله لا تأتي يوم القيامة ببعير له رغاء، أو بقرة لها خوار، أو شاة لها ثواج. فقال عبادة: فو الذي بعثك بالحق لا أعمل عمل اثنين وبايع النبي صلى الله عليه وسلم على ألا يخاف في الله لومة لائم. وسمع موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي أبا قلابة يقول: حدثني الصنابحي أن عبادة بن الصامت حدثه قال: خلوت برسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: أي أصحابك أحب إليك حتى أحبه؟ قال: "اكتم علي حياتي أبو بكر الصديق ثم عمر ثم علي" ثم سكت فقلت: ثم من يا رسول الله؟ قال: "من عسى أن يكون إلا الزبير وطلحة وسعد وأبو عبيدة ومعاذ وأبو طلحة وأبو أيوب وأنت يا عبادة وأبي بن كعب وأبو الدرداء وابن مسعود وابن عوف وابن عفان ثم هؤلاء الرهط من الموالي: سلمان وصهيب وبلال وعمار. |
بعض المواقف من حياته مع الصحابة |
موقفه من معاوية: كان -رضي الله عنه- يقول: (بايعنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ألا نخاف في الله لومة لائم) لذا كان يعارض سياسة معاوية في الحكم والسلطان، فعبادة بن الصامت كان من الرعيل الأول الذي تربى على يد الرسول -صلى الله عليه وسلم-، وكانت أنباء هذه المعارضة تصل قدوة إلى كافة أرجاء الدولة الإسلامية، ولما زادت الهوة بينهما قال عبادة لمعاوية:(والله لا أساكنك أرضا واحدة أبدا)وغادر فلسطين إلى المدينة، ولكن الخليفة عمر -رضي الله عنه- كان حريصا على أن يبقى رجل مثل عبادة إلى جانب معاوية ليكبح طموحه ورغبته في السلطان، لذا ما كاد يرى عبادة قادما إلى المدينة حتى قال له: (ما الذي جاء بك يا عبادة؟)فلما أقص عليه ما كان بينه وبين معاوية قال عمر: (ارجع إلى مكانك، فقبح الله أرضاً ليس فيها مثلك) ثم أرسل عمر إلى معاوية كتابا يقول فيه: (لا إمرة لك على عبادة)فعبادة أمير نفسه عن أبي قلابة قال كنت بالشام في حلقة فيها مسلم بن يسار فجاء أبو الأشعث قال قالوا أبو الأشعث أبو الأشعث فجلس فقلت له حدث أخانا حديث عبادة بن الصامت قال نعم غزونا غزاة وعلى الناس معاوية فغنمنا غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلا أن يبيعها في أعطيات الناس فتسارع الناس في ذلك فبلغ عبادة بن الصامت فقام فقال إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة والبر بالبر والشعير بالشعير والتمر بالتمر والملح بالملح إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى فرد الناس ما أخذوا فبلغ ذلك معاوية فقام خطيبا فقال ألا ما بال رجال يتحدثون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحاديث قد كنا نشهده ونصحبه فلم نسمعها منه فقام عبادة بن الصامت فأعاد القصة ثم قال لنحدثن بما سمعنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كره معاوية أو قال وإن رغم ما أبالي أن لا أصحبه في جنده ليلة سوداء موقفه مع عمر: وفي خلافة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، لم يستطع الفاروق أن يحمله على قبول منصب ما، إلا تعليم الناس وتفقيههم في الدين. |
أثره في الآخرين |
ـ حين أراد عمر بن الخطاب أن يصف عبادة بن الصامت قال: “رجل يعد في الرجال بألف رجل، قال عنه ابن الخطاب هذه العبارة حين أرسله مدداً لعمرو بن العاص في فتح مصر، إذ كان طويلا فارع الطول، أسمر البشرة، ويعد ابن الصامت من السابقين إلى الإسلام، إذ كان من رجال البيعة الأولى ومن بني عوف بن الخزرج الأنصاري، أي من الأنصار الذين نصروا وآووا وبذلوا أرواحهم وأموالهم رخيصة في سبيل الله. ـ ويرى علماء التفسير أن عبادة بن الصامت أنزلت فيه الآيات من 51 إلى 53 من (سورة المائدة) والتي يقول فيها الحق “يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم ان الله لا يهدي القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين. ويقول الذين آمنوا أهؤلاء الذين أقسموا بالله جهد أيمانهم إنهم لمعكم حبطت أعمالهم فأصبحوا خاسرين”. فقال عبد الله بن أبي ابن سلول: لكن لا أبرأ من ولاية يهود إني رجل لابد لي منهم. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:يا أبا الأحباب أرأيت الذي نفست به من ولاية يهود على عبادة بن الصامت؟.. فهو لك دونه. فقال: إذن أقبل. فنزلت الآيات في قوله تعالى: “يا أيها الذين أمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين. فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة فعسى الله أن يأتي بالفتح أو أمر من عنده فيصبحوا على ما أسروا في أنفسهم نادمين”. وفي خلافة عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب يزيد بن سفيان إليه: قد احتاج أهل الشام إلى من يعلمهم القرآن ويفقههم، فأرسل إليه عمر، معاذ بن جبل، وعبادة بن الصامت وأبا الدرداء، فأقام عبادة بحمص فاستخلفه عليها أبو عبيدة بن الجراح، عندما سار لفتح “طرطوس” ففتحها، وكان أول من ولي قضاء فلسطين من قبل عمر بن الخطاب. وكان ممن جَمَعَ القُرْآنَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- خَمْسَةٌ مِنَ الأَنْصَارِ: مُعَاذٌ، وَعُبَادَةُ، وَأُبَيٌّ، وَأَبُو أَيُّوْبَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ .فَلَمَّا كَانَ عُمَرُ، كَتَبَ يَزِيْدُ بنُ أَبِي سُفْيَانَ إِلَيْهِ: إِنَّ أَهْلَ الشَّامِ كَثِيْرٌ، وَقَدِ احْتَاجُوا إِلَى مَنْ يُعَلِّمُهُمُ القُرْآنَ، وَيُفَقِّهُهُم. فَقَالَ: أَعِيْنُوْنِي بِثَلاَثَةٍ. فَقَالُو:هَذَا شَيْخٌ كَبِيْرٌ - لأَبِي أَيُّوْبَ - وَهَذَا سَقِيْمٌ - لأُبَيٍّ -. فَخَرَجَ الثَّلاَثَةُ إِلَى الشَّامِ، فَقَالَ: ابْدَؤُوا بِحِمْصَ، فَإِذَا رَضِيْتُم مِنْهُم، فَلْيَخْرُجْ وَاحِدٌ إِلَى دِمَشْقَ، وَآخَرُ إِلَى فِلَسْطِيْنَ. وروي أنه أُهديَت لعُبادة بن الصامت هديةٌ، ومعه في الدار اثني عشر أهل بيتٍ، فقال عُبادة: (اذهبوا بهذه إلى آل فلان فهم أحوج إليها منّا) فما زالوا كلّما جئتُ إلى أهلِ بيتٍ يقولون: (اذهبوا إلى آل فلان، هم أحوج إليه منّا) حتى رجعت الهدية إليه قبل الصبح. |
بعض ما روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم |
عن الزهري قال: أخبرني أبو إدريس عائذ الله بن عبد الله أن عبادة بن الصامت رضي الله عنه وكان شهد بدرا وهو أحد النقباء ليلة العقبة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال وحوله عصابة من أصحابه: "بايعوني على أن لا تشركوا بالله شيئا، ولا تسرقوا، ولا تزنوا، ولا تقتلوا أولادكم، ولا تأتوا ببهتان تفترونه بين أيديكم وأرجلكم، ولا تعصوا في معروف، فمن وفَّى منكم فأجره على الله، ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب في الدنيا فهو كفارة له، ومن أصاب من ذلك شيئا ثم ستره الله فهو إلى الله إن شاء عفا عنه، وإن شاء عاقبه" فبايعناه على ذلك. وعن أنس بن مالك قال أخبرني عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج يخبر بليلة القدر فتلاحى رجلان من المسلمين فقال إني خرجت لأخبركم بليلة القدر وإنه تلاحى فلان وفلان فرفعت وعسى أن يكون خيرا لكم التمسوها في السبع والتسع والخمس ويروي الزهري عن محمود بن الربيع عن عبادة بن الصامت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب" ـ ويقول جنادة بن أبي أمية حدثني عبادة بن الصامت عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "من تعار من الليل فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، الحمد لله، وسبحان الله، ولا إله إلا الله، والله أكبر، ولا حول ولا قوة إلا بالله، ثم قال: اللهم اغفر لي، أو دعا استُجيب له، فإن توضأ وصلَّى قُبلت صلاته". موقف الوفاة: ولمّا حضرت عبادة -رضي الله عنه- الوفاة قال:( أخرجوا فراشي إلى الصحن -أي الدار- )ثم قال:( اجمعوا لي مَوَاليَّ وخدمي وجيراني، ومن كان يدخل عليّ )فجُمِعوا له، فقال:( إنّ يومي هذا لا أراه إلا آخر يوم يأتي عليّ من الدني، وأول ليلة من الآخرة، وإني لا أدري لعلّه قد فرط منّي إليكم بيدي أو بلساني شيء، وهو -والذي نفس عبادة بيده- القِصاص يوم القيامة، وإحرِّج على أحد منكم في نفسه شيء من ذلك إلا اقتصّ مني قبل أن تخرج نفسي )فقالو:( بل كنت مؤدباً )قال: ( اللهم اشهد ) ثم أسرعوا بي إلى حفرتي، ولا تُتبِعُني نار، ولا تضعوا تحتي أرجواناً وكان ذلك في العام الرابع والثلاثين - أو خمس وأربعين - من الهجرة، توفي عبادة -رضي الله عنه- في فلسطين بمدينة الرملة، تاركا في الحياة عبيره وشذاه. فكانت وفاته سنة 34 هـ وهو يناهز الاثنين وسبعين عاماً.. رضي الله عنه وأرضاه |