1. المقالات
  2. الرحمة فى حياة الرسول _ د/ راغب السيرجاني
  3. رؤية غير المسلمين للرحمة - حالهم في حروبهم

رؤية غير المسلمين للرحمة - حالهم في حروبهم

الكاتب : د / راغب السيرجاني
رؤية غير المسلمين للرحمة
 
الفصل الأول: بلا رحمــة!!
  
   ظهرت لنا في الصفحات السابقة رؤية المسلمين للرحمة، والأهم من ذلك أنه قد ظهرت لنا التطبيقات الفعلية لهذا الخلق العظيم في حياة سيد الخلق أجمعين رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، والتي تشير بوضوح إلى أن القواعد المثالية الرائعة التي جاءت في الشرع الحكيم، ونطق بها الرسول الكريم  صلى الله عليه وسلم ، لم تكن مجرد نظريات فلسفية صعبة التطبيق، إنما كانت واقعًا حقيقيًا عاشه المسلمون وغير المسلمين، في زمان رسول الله  صلى الله عليه وسلم ، بل وفي حياة من جاءوا من بعده، وساروا على نهجه وهديه.

   ولكي تتضح لنا الصورة بشكل أكبر وأوضح لابد من استعراض "الواقع" الذي مارسه غير المسلمين فيما يسمى بالحضارات القديمة، وكذلك الحضارات الحديثة، لنرى كيف تعاملوا مع القضايا التي بحثناها في سيرة الرسول  صلى الله عليه وسلم ، ليعلم كل باحث عن الحقيقة مَنْ هو الرحيم حقًا، ومَنْ الذي تغلغلت القسوة في فؤاده ، حتى فقد فطرته الإنسانية، وصار يتعامل كخَلْقٍ غريب لا نعرف أصله ولا طبيعته!

   وسوف يكون الحديث في هذا الفصل منقسمًا إلى مبحثين هما:
 
المبحث الأول: حالهم في حروبهم
 
المبحث الثاني: حالهم في حياتهم العامة

المبحث الأول: حالهم في حروبهم
 
   لعل أبرز ما يميز الحروب التي يشنها الغرب على العالم الإسلامي، أو الحروب التي تنشب داخل العالم الغربي نفسه هي القسوة المفرطة التي تصل إلى حد البشاعة (شكل 5،6)، وإذا قَبِلَ البعض هذه القسوة بين المتحاربين- وهي غير مقبولة في الإسلام- فكيف يفسر التنكيل الذي يحدث بالمدنيين بعد انتهاء الحرب؟ فلا نجد حرمة لنساء ولا أطفال ولا أسرى ولا ممتلكات ولا أماكن عبادة!.

إننا سنعرض هنا إلى الموجز اليسير لبعض الحوادث - بل الكوارث - الإنسانية التي توضح ما نقصده، والتي كان الشعار الغالب عليها جميعًا هو... "بلا رحمــة"!!
الحروب الصليبية:

يصف المستشرق الشهير جوستاف لوبون بشاعة الحروب الصليبية قائلاً: "وكان سلوك الصليبيين حين دخلوا القدس غير سلوك الخليفة الكريم عمر بن الخطاب t نحو النصارى حين دخلها منذ بضعة قرون، حيث عقد الصليبيون مؤتمراً أجمعوا فيه على إبادة جميع سكان القدس، من المسلمين، واليهود، وخوارج النصارى، الذين كان عددهم نحو ستين ألفاً، فأفنوهم عن بَكْرَةِ أبيهم في ثمانية أيام، ولم يستثنوا منهم امرأة ولا ولداً ولا شيخاً!!..  فقد قطعت رؤوس بعضهم، وبقرت بطون بعضهم، وحرق بعضهم في النار،  فكانوا يضطرون إلى القذف بأنفسهم من أعلى الأسوار!.."[1].  
 


 
 



 


محاكم التفتيش:
 
شهدت إنجلترا في عهد الملكين "هنري الرابع، وهنري الخامس" (1399م – 1422م) موجة من الإعدامات للمخالفين للكنيسة الكاثوليكية بطريقة بشعة، فقد كان الإعدام بواسطة الإجلاس على الخازوق!.. ولم يلغ هذا الأسلوب نهائيًا إلا في سنة 1676م!.. أي أن الإعدام بالخازوق قد استمرَّ هناك قرابة ثلاثة قرون![2]

وفي أسبانيا وصل عدد ضحايا هذه المحاكم إلى: 31.000  أحرقوا بالنار، و290.000 عذبوا بعقوبات لم تبلغ حد الإعدام..
أما في هولندا فقد بلغ تعداد الضحايا في عهد الملك "تشارلز الخامس" (1337 – 1380م) 100.000 ضحية..

وفي عهد ابنه وولي عهده، سيق إلى المقصلة[3] الرجال والنساء والأطفال، حتى  بلغ عدد الضحايا 50.000 إنسان.. واستمر هذا المسلسل من القهر حتى القرن السابع عشر الميلادي[4]..
وفي فرنسا، في عهد الملك "تشارلز التاسع" (1550 – 1574م)، ذبح الكاثوليك أكثر من 20.000 من البروتستانت.  وفي عهد الملك "لويس الرابع عشر" (1638 – 1715م) تجددت المذابح ضد البروتستانت، فسيق الكثيرون إلى الإعدام.. ومن نجا من القتل خيَّرهم الملك بين الارتداد عن البروتستانتية إلى الكاثوليكية وبين الهجرة من فرنسا، فهاجر نصف عدد البروتستانت – أي نحو نصف مليون – ذهبوا إلى هولندا وإنجلترا وبروسيا وأمريكا[5]..

التتـار :
 
   لا يمكن - ونحن نتدارس حروب الآخرين - أن ننسى العاصفة التترية التي اجتاحت العالم أجمع، لتأكل الأخضر واليابس، ويكفي أن نذكر من مآسيهم ما فعلوه إثر سقوط عاصمة


الخلافة الإسلامية مدينة بغداد (656هـ) حيث قُتِلَ الخليفة ومعاونيه ومعهم مليون مسلم ما بين رجل وامرأة وطفل وشيخ!!..
لقد استمرَّ التقتيل أربعين يومًا كاملة رغم استسلام المسلمين!![6]

إبادة الهنود الحمر :
 
   لقد تعرض الهنود الحمر في القرون الأربعة الماضية إلى سلسلة من حروب الإبادة بمختلف الوسائل، لقد كان عدد السكان الأصليين في الأمريكتين يبلغ 150 مليون نسمة، ينتمون إلى أربعمائة قبيلة، أين هم الآن؟ لقد تمت إبادتهم بالكامل، ومحو تاريخهم وآثارهم، ولعله لم يبق منهم الآن أكثر من مليون إنسان فقط[7]!!
-----------------------
[1] جوستاف لوبون: حضارة العرب، 326،327.
 
[2] د. توفيق الطويل: قصة الإضطهاد الديني في المسيحية والإسلام، 81.
 
[3] آلة تُستخدم للإعدام، وتتكون من شفرة حديدية تسقط من أعلى على رقبة مَن يُراد إعدامه، فتقطع رقبته في الحال.
 
[4] المرجع السابق: 87،88.
 
[5] المرجع السابق: 97-99.
 
[6] د.راغب السرجاني: قصـة التتـار ص157.
 
[7] منصور عبد الحكم: الإمبراطورية الأمريكية البداية والنهاية ص33.

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day