1. المقالات
  2. مواقف النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله تعالى _ سعيد بن علي بن وهف القحطاني
  3. موقفه مع الشاب الذي استأذنه في الزنا

موقفه مع الشاب الذي استأذنه في الزنا

عن أبي أمامة قال: إن فتىً شاباً أتى النبي  فقال: يا رسول اللَّه، ائذن لي بالزنا، فأقبل القوم عليه فزجروه، وقالوا لـه: مه مه! فقال لـه: ((ادنه))، فدنا منه قريباً، قال: ((أتحبه لأمك؟)) قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداءك، قال: ((ولا الناس يحبونه لأمهاتهم)). قال: ((أفتحبه لابنتك؟)) قال: لا واللَّه يا رسول اللَّه، جعلني اللَّه فداءك. قال: ((ولا الناس يحبونه لبناتهم)). قال: ((أفتحبه لأختك؟)) قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداءك. قال: ((ولا الناس يحبونه لأخواتهم)). قال: ((أفتحبه لعمتك؟)) قال: لا واللَّه، جعلني اللَّه فداءك. قال: ((ولا الناس يحبونه لعماتهم)). قال: ((أفتحبه لخالتك؟)) قال: لا واللَّه جعلني اللَّه فداءك. قال: ((ولا الناس يحبونه لخالاتهم)). قال: فوضع يده عليه، وقال: ((اللَّهم اغفر ذنبه، وطهر قلبه، وحصّن فرجه))، فلم يكن بعد ذلك الفتى يلتفت إلى شيء([1]).

وهذا الموقف العظيم مما يؤكد على الدعاة إلى اللَّه  أن يعتنوا بالرفق والإحسان إلى الناس، ولاسيما من يُرغَبُ في استئلافهم ليدخلوا في الإسلام، أو ليزيد إيمانهم ويثبتوا على إسلامهم.

وكما بين لنا الرسول  الرّفق بفعله بينه لنا بقوله، وأمرنا بالرفق في الأمر كله.

وكما بين لنا الرسول  الرفق بفعله بينه لنا بقوله، وأمرنا بالرفق في الأمر كله. فعن عائشة ’ قالت: دخل رهط من اليهود على رسول اللَّه  فقالوا: السامُ عليكم. قالت عائشة: ففهمتها فقلت: وعليكم السامُ واللعنة. قالت: فقال رسول اللَّه : ((مهلاً يا عائشة إن اللَّه يحب الرفق في الأمر كله))، فقلت: يا رسول اللَّه أولم تسمع ما قالوا؟ قال رسول اللَّه : ((قد قلت: وعليكم))([2]).

وقال : ((يا عائشة إن اللَّه رفيق يحب الرفق، ويعطي على الرفق ما لا يُعطي على العُنْف، وما لا يُعطي على ما سواه))([3]).

وقال : ((إن الرفق لا يكون في شيء إلا زانه، ولا يُنْزع من شيء إلا شانه))([4]).

وبين  أن من حُرِمَ الرفق فقد حرم الخير، قال : ((من يحرم الرفق يحرم الخير))([5]).

وعن أبي الدرداء  عن النبي  قال: ((من أٌعطيَ حظه من الرفق فقد أعطي حظه من الخير، ومن حُرِمَ حظه من الرفق فقد حرم حظه من الخير))([6])، وعنه t يبلغ به قال: ((من أعطي حظه من الرفق أعطي حظه من الخير، وليس شيء أثقل في الميزان من الخُلُق الحسن))([7]). وعن عائشة ’ أن النبي  قال لها: ((إنه من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظه من خير الدنيا والآخرة، وصلة الرحم، وحسن الخلق، وحسن الجوار يعمران الديار ويزيدان في الأعمار))([8]).

فقد عظّم النبي  شأن الرفق في الأمور كلها، وبين ذلك بفعله وقوله بياناً شافياً كافياً؛ لكي تعمل أمتهُ بالرفق في أمورها كلها، وخاصة الدعاة إلى اللَّه  فإنهم أولى الناس بالرفق في دعوتهم، وفي جميع تصرفاتهم، وأحوالهم. وهذه الأحاديث السابقة تبين فضل الرفق، والحث على التخلق به، وبغيره من الأخلاق الحسنة، وذم العنف وذم من تخلق به.

فالرفق سبب لكل خير؛ لأنه يحصل به من الأغراض ويسهل من المطالب، ومن الثواب ما لا يحصل بغيره، ومالا يأتي من ضده([9]).

وقد حذر النبي  من العنف، وعن التشديد على أمته ، فعن عائشة ’ قالت: سمعت رسول اللَّه يقول في بيتي هذا: ((اللَّهم من ولي من أمر أمتي شيئاً فشقّ عليهم، فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به))([10])، وكان  إذا أرسل أحداً من أصحابه في بعض أموره أمرهم بالتيسير ونهاهم عن التنفير.

فعن أبي موسى  قال: كان رسول اللَّه  إذا بعث أحداً من أصحابه في بعض أموره قال: ((بشِّرُوا ولا تُنفِّرُوا، ويسِّرُوا ولا تُعسِّرُوا))([11]).

وقال لأبي موسى الأشعري ومعاذ  حينما بعثهما إلى اليمن: ((يسَّرا ولا تعسِّرا، وبشِّرا ولا تنفِّرا، وتطاوَعَا ولا تختلِفَا))([12]).

وعن أنس بن مالك t قال: قال رسول اللَّه : ((يسِّرُوا ولا تعسِّرُوا، وبشِّرُوا ولا تنفِّرُوا))([13]).

في هذه الأحاديث الأمر بالتيسير والنهي عن التنفير، وقد جمع النبي  في هذه الألفاظ بين الشيء وضده؛ لأن الإنسان قد يفعل التيسير في وقت والتعسير في وقت، ويبشر في وقت وينفر في وقت آخر، فلو اقتصر على يسروا لصدق ذلك على من يسِّر مرة أو مرات، وعسر في معظم الحالات؛ فإذا قال ولا تعسِّرُوا انتفى التعسير في جميع الأحوال من جميع وجوهه وهذا هو المطلوب. وكذا يقال في يسّرا ولا تعسرا، وبشرا ولا تنفرا، وتطاوعا ولا تختلفا؛ لأنهما قد يتطاوعان في وقت ويختلفان في وقت وقد يتطاوعان في شيء ويختلفان في شيء، والنبي  قد حث في هذه الأحاديث وفي غيرها على التبشير بفضل اللَّه وعظيم ثوابه، وجزيل عطائه، وسعة رحمته، ونهى عن التنفير بذكر التخويف وأنواع الوعيد محضة من غير ضمها إلى التبشير، وهذا فيه تأليف لمن قرب إسلامه وترك التشديد عليه، وكذلك من قارب البلوغ من الصبيان، ومن بلغ، ومن تاب من المعاصي كلهم ينبغي أن يتدرج معهم ويُتلطّف بهم في أنواع الطاعات قليلاً قليلاً، وقد كانت أمور الإسلام في التكليف على التدريج فمتى يُسِّرَ على الداخل في الطاعة، أو المريد للدخول فيها سهلت عليه وكانت عاقبته غالباً الازدياد منها، ومتى عُسِّرت عليه أوْشَكَ أن لا يدخل فيها، وإن دخل أوشك أن لا يدوم ولا يستحليها([14]). وهكذا تعليم العلم ينبغي أن يكون بالتدريج؛ ولهذا كان النبي  يتخوّل أصحابه بالموعظة في الأيام كراهة السَّآمة عليهم([15]).

فصلوات اللَّه وسلامه عليه فقد دل أمته على كل خير وحذرهم من كل شر، ودعا على من شق على أمته، ودعا لمن رفق بهم كما تقدم في حديث عائشة وهذا من أبلغ الزواجر عن المشقة على الناس، وأعظم الحث على الرفق بهم([16]).



([1])  أخرجه أحمد في المسند من حديث أبي أمامة t، 5/256، 257، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد، وعزاه إلى الطبراني وقال: <رجاله رجال الصحيح >، 1/129، وانظر: سلسلة الأحاديث الصحيحة للألباني، برقم 370، ج1.

([2])  البخاري مع الفتح، كتاب الأدب، باب الرفق في الأمر كله، 10/449، (رقم 6024).

([3])  أخرجه مسلم في كتاب البر والصلة والآداب، باب فضل الرفق، عن عائشة ،
4/2004، (رقم 2593).

([4])  المرجع السابق، في الكتاب والباب المشار إليهما سابقاً، 4/2004، عن عائشة أيضاً (رقم 2594).

([5])  المرجع السابق، في الكتاب والباب المشار إليهما سابقاً عن جرير بن عبد الله t،
4/2003، (رقم 2592).

([6])  أخرجه الترمذي في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في الرفق، 4/367، (رقم 2013)، وقال حديث حسن صحيح ، وانظر: صحيح الترمذي، 2/195.

([7])  أخرجه أحمد في المسند، 6/451، انظر: الأحاديث الصحيحة للألباني، رقم 876، فقد ذكر لـه شواهد كثيرة.

([8])  أخرجه أحمد، 6/159، وإسناده صحيح، انظر الأحاديث الصحيحة للألباني، برقم 519.

([9])  انظر: شرح النووي على مسلم، 16/145، وفتح الباري بشرح صحيح البخاري، 10/449، وتحفة الأحوذي بشرح سنن الترمذي، 6/154.

([10])  أخرجه مسلم في كتاب الجهاد، باب فضيلة الإمام العادل، وعقوبة الجائر والحث على الرفق بالرعية والنهي عن إدخال المشقة عليهم، 3/1458، (رقم 1828).

([11])  أخرجه مسلم في كتاب الجهاد والسير، باب الأمر بالتيسير وترك التنفير، 3/1358، (رقم  1732).

([12])  البخاري مع الفتح في كتاب المغازي، باب بعث أبي موسى ومعاذ إلى اليمن قبل حجة الوداع، 8/62، (رقم 4344، 4345)، ومسلم في كتاب الجهاد والسير باب الأمر بالتيسير وترك التنفير، 3/1359، واللفظ له، (رقم 1733).

([13])  البخاري مع الفتح في كتاب العلم، باب ما كان النبي  يتخولهم بالموعظة والعلم كي لا ينفروا، 1/163، (رقم 69)، ومسلم في كتاب الجهاد والسير، باب الأمر بالتيسير وترك التنفير، 3/1359، (رقم 1732).

([14])  انظر: شرح النووي على مسلم، 12/41، بتصرف يسير، وفتح الباري، 1/163.

([15])  انظر: فتح الباري، 1/162، 163.

([16])  انظر: شرح النووي على مسلم، 12/213.

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day