1. المقالات
  2. مواقف النبي صلى الله عليه وسلم في الدعوة إلى الله تعالى _ سعيد بن علي بن وهف القحطاني
  3. موقفه الحكيم في الكرم والجود

موقفه الحكيم في الكرم والجود

عن أنس  قال: ما سُئل رسول اللَّه  على الإسلام شيئاً إلا أعطاه قال: فجاءَه رجلٌ فأعطاه غنماً بين جبلين فرجع إلى قومه فقال: يا قوم، أسلموا؛ فإن محمداً يعطي عطاءً لا يخشى الفاقة([1]).

وهذا الموقف الحكيم العظيم يدل على عظم سخاء النبي ×، وغزارة جوده([2]).

وكان  يعطي العطاء ابتغاء مرضاة اللَّه  وترغيباً للناس في الإسلام، وتأليفاً لقلوبهم، وقد يُظهر الرجل إسلامه أولا للدنيا ثم – بفضل اللَّه تعالى ثم بفضل النبي  ونور الإسلام – لا يلبث إلا قليلاً حتى ينشرح صدره للإسلام بحقيقة الإيمان، ويتمكن من قلبه، فيكون حينئذ أحب إليه من الدنيا وما فيها([3]).

ولهذا شواهد كثيرة، منها: ما رواه مسلم في صحيحه أن النبي غزا غزوة الفتح – فتح مكة – ثم خرج × بمن معه من المسلمين فاقتتلوا بحنين، فنصر اللَّه دينه والمسلمين، وأعطى رسول اللَّه  صفوان بن أمية مائة من الغنم، ثم مائة، ثم مائة. قال صفوان: واللَّه لقد أعطاني رسول اللَّه  ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليَّ([4]).

وقال أنس : ((إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا، فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها))([5]).

وإذا رأى  الرجل ضعيف الإيمان، فقد كان  يجزل له في العطاء، قال : ((إني لأعطي الرجل وغيره أحب إليّ منه خشية أن يُكبَّ في النار على وجهه))([6]).

ولذلك كان × ((يعطي رجالاً من قريش مائة من الإبل))([7]).

ومن مواقفه الحكيمة العظيمة في ذلك ما فعله  مع المرأة المشركة صاحبة المزادتين، فإنه بعد أن أسقى أصحابه من مزادتيها، ورجعت المزادتان أشد ملاءةً منها حين ابتدأ فيها قال لأصحابه: ((اجمعوا لها))، فجمعوا لها من بين عجوة ودقيقة وسويقة – حتى جمعوا لها طعاماً كثيراً وجعلوه في ثوب، وحملوها على بعيرها، ووضعوا الثوب بين يديها، فقال لها: ((اذهبي فأطعمي هذا عيالك، تعلمين واللَّه ما رزأناك([8]) من مائك شيئاً، ولكن اللَّه هو الذي أسقانا)).

وفي القصة أنها رجعت إلى قومها فقالت: لقيت أسحر الناس، أو هو نبي كما زعموا، فهدى اللَّه ذلك الصرم([9]) بتلك المرأة، فأسلمت وأسلموا([10]).

وفي رواية: فكان المسلمون بعد ذلك يغيرون على من حولها من المشركين ولا يصيبون الصرم الذي هي منه، فقالت يوماً لقومها: ما أرى أن هؤلاء القوم يدعونكم عمداً، فهل لكم في الإسلام؟ فأطاعوها، فدخلوا في الإسلام([11]).

وقد كان سبب إسلام هذه المرأة أمران:

الأمر الأول: ما رأته من أخذ النبي  وأصحابه من مزادتيها ولم ينقص ذلك من مائها شيئاً، وهذا من معجزات النبي  التي تدل على صدق رسالته.

الأمر الثاني: كرم النبي  حين أمر أصحابه أن يجمعوا لها، فجمعوا لها طعاماً كثيراً.

أما قومها، فقد أسلموا على يديها، لأن المسلمين صاروا يراعون قومها بإقرار النبي  على سبيل الاستئلاف لهم، حتى كان ذلك سبباً لإسلامهم([12]).

وهذه الأمثلة التي سقتها ما هي إلا قطرة من بحر كرم النبي ، فما أحوجنا، وما أولى جميع الدعاة إلى اللَّه  إلى الاقتداء بالنبي  والاقتباس من نوره وهديه في دعوته وفي أموره كلها، واللَّه المستعان.



([1])  مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله  شيئاً قط فقال: لا، وكثرة عطائه، 4/1806، (رقم 2312).

([2])  انظر أمثلة كثيرة من كرمه وجوده في البخاري مع الفتح، كتاب بدء الوحي، باب حدثنا عبدان 1/30 (رقم 6)، وكتاب الأدب، باب حسن الخلق وما يكره من البخل، 10/455 (رقم 6033)، وكتاب الرقاق، باب قول النبي ×: لو أن مثل أحد ذهباً، 11/264، (رقم  6445)، 11/303،  (رقم 6470)، وكتاب الكفالة، باب من تكفل عن ميت ديناً فليس له أن يرجع، 4/474، وكتاب التمني باب تمني الخير وقول النبي ×: لو أن لي أحد ذهباً، 3/17، (رقم 2296)، ومسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل رسول الله  شيئاً قط فقال: لا، وكثرة عطائه، 4/1805، 1806، (رقم 2311، 2312)، وكتاب الزكاة، باب من سأل بفحش وغلظة، 2/730، (رقم 1057)، وباب تغليظ عقوبة من لا يؤدي الزكاة، 2/687، (رقم 991).

([3])  انظر: شرح النووي على مسلم، 15/72.

([4])  مسلم، كتاب الفضائل، باب ما سئل  شيئاً قط فقال: لا، وكثرة عطائه، 4/1806، (رقم 2313).

([5])  المرجع السابق، في الكتاب والباب المشار إليهما آنفاً، 4/1806، (رقم 2312/58).

([6])  البخاري مع الفتح، كتاب الزكاة، باب قوله تعالى: ﴿لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا، 3/340، (رقم 1478)، ومسلم، كتاب الزكاة، باب إعطاء من يخاف على إيمانه، 3/733، (رقم 1059).

([7])  البخاري مع الفتح، كتاب فرض الخمس، باب ما كان النبي  يعطي المؤلفة قلوبهم، 6/249، (رقم 3147).

([8])  أي: لم ننقص من مائك شيئاً. انظر: فتح الباري، 1/453.

([9])  الصرم: أبيات مجتمعة من الناس. انظر: فتح الباري، 1/453.

([10])  البخاري مع الفتح، كتاب المناقب، باب علامات النبوة، 6/580، (رقم 3571)، ومسلم، كتاب المساجد ومواضع الصلاة، باب قضاء الصلاة الفائتة واستحباب تعجيل قضائها، 1/476، (رقم 682).

([11])  البخاري مع الفتح، كتاب التيمم، باب الصعيد الطيب وضوء المسلم يكفيه من الماء، 1/448، (رقم 344).

([12])  انظر: فتح الباري، 1/453.

المقال السابق المقال التالى
موقع نصرة محمد رسول اللهIt's a beautiful day